اتفاقية جوبا .. قراءة أولى (١)

اتفاقية جوبا .. قراءة أولى (١)
  • 05 أكتوبر 2020
  • لا توجد تعليقات

رمزي المصري

بعد ان هدأت الاحتفالات باتفاقية جوبا، ورجعت الأعداد الكبيرة من المشاركين في هذه الاحتفالات للخرطوم .. دعونا نقرأ بعض بنود هذه الاتفاقية بروية ومن دون تشنج وانفعالات كثيرة لنعلم أين نقف.

وسأحاول بقدر ما أستطيع إلقاء الضوء في كل مرة على بعض بنود الاتفاقية .
في مسار دارفور وفي بروتكول تقسيم السلطة في بند الوظائف العامة نصّت الاتفاقية على ما يأتي: “تخصيص ٢٠% من الوظائف في الخدمة المدنية والسلطة القضائية والسفراء والبنوك والشركات العامة لأبناء الإقليم، على أن يتم ذلك بقرار سياسي خلال ٤٥ يوماً من تاريخ توقيع الاتفاق”.

كما يقال، فإن الشيطان يكمن في التفاصيل. هذا البند لم يشرح كيف سيتم معاملة أبناء دارفور الذين يتقلدون وظائف في الخدمة المدنية حالياً. هل سيتم حسابهم ضمن كوتة ال ٢٠% ، أم سيتم تصفير العدد، ومن ثم يتم تعيين ٢٠% إضافة إلى الموجودين.

وأضرب مثالاً بشركة حكومية بها ١٠٠ موظ،ف هناك ١٠ منهم من أبناء دارفور . هل سيتم تعيين ٢٠ موظفاً جديداً من أبناء دارفور أم سيتم تعيين ١٠ فقط، بوصف أن هناك ١٠ اصلاً موجودين من الأول؟

لتطبيق هذا البند من المفترض ان تتم عمليات حصر دقيق جداً لكل العاملين في الدولة، وتحديد أصولهم، والمناطق التي ينتمون إليها، هذا من دارفور، وذاك من النيل الأزرق، وتلك من الشمالية.. هل هذا يعقل؟!

ثم ان هذا البند .. أليس هو تأكيد آخر وباب جديد للتمكين الذي ظللنا نعاني منه، وكان سبباً مباشراً في تدهور الخدمة المدنية؟ لماذا نستبدل التمكين بتمكين آخر ربما هو اخطر من التمكين السياسي للوظيفة العامة، وسنسميه بالتمكين الجهوي للوظيفة العامة. ونضرب مثالاً بعدد ٥ وظائف في جهة حكومية ما . تقدم لها المئات في تنافس حر يعتمد على الكفاءة الشخصية، ولكن وبسبب التمكين الجهوي للوظيفة العامة، سنكون مضطرين إلى قبول ٢ أقل كفاءة، ولكنهم ينتمون إلى إقليم دارفور، ويتم قبول البقية من باقي مناطق السودان!!

أيها السادة ..هذا البند يذبح ما تبقى من الخدمة المدنية من الوريد إلى الوريد. اتركوا الخدمة المدنية في حالها على أن يتم اختيار شاغلي وظائفها بالكفاءة وحدها بدون أي محاصصات حزبية أو جهوية حتى لو كانوا كلهم من إقليم دارفور أو من أي إقليم آخر طالما تم اختيارهم وفق الكفاءة المطلوبة لأداء الوظيفة المعينة .

هذا البند يمكن ان يصلح للوظائف التي لها طابع سياسي، مثل: السفراء، ونؤيد أن يتم ٢٠ % منهم لإقليم دارفور، ولكن لا يعني بأي حال من الأحوال اأن أعطى إقليم دارفور أو اي إقليم آخر في السودان ٢٠% من وظائف البنوك أو الشركات العامة أو القضاء فقط لأنهم ينتمون لهذا الإقليم أو ذاك !!

نقطة أخرى وقفت عندها كثيراً في البروتوكول الأمني؛ إذ ورد فيه تشكيل قوة من ٣٢٠ جندياً لحماية قادة مسار دارفور!
لم يوضح البروتوكول كيف سيتم تشكيل هذه القوة؟ ولماذا هذا العدد الضخم ؟ ومن هم قادة مسار دارفور الذين سيتم حمايتهم بهذه القوة؟ ومن الذي سيقوم بدفع رواتب ومخصصات هذه القوة؟

إذا كان قادة مسار دارفور سيكونون ضمن أعضاء الحكومة الانتقالية وزراء أو أعضاء مجلس سيادة . سيسري عليهم ما يسري على كل أعضاء الحكومة الانتقالية من فرق الحماية الخاصة لهم. ولنفترض أن قائداً معيناً من قادة مسار دارفور لم يشغل وظيفة رسمية وزيراً أو عضو مجلس سيادة …. الخ وأصبح مواطناً عادياً وسط الجماهير بعد اتفاقية السلام .. لماذا نخصص له فرقة خاصة لحمايته، ويتم دفع مخصصات هذه الفرقة من قوت هذا الشعب المنهك؟ وهناك سؤال آخر: من ماذا يخاف أصلاً حتى تتم حمايته طالما قمتم بتوقيع اتفاقية سلام؟ وإذا كان لابد ذلك على هذا الشخص ان يكون فرقته بنفسه (بودي قارد) ويدفع لهم رواتبهم من ماله الخا .

كلما ذكرته وما سأذكره في المقالات المقبلة ليس معناه أنني أقف ضد الاتفاقية، ولكن هناك بنوداً ضعيفة وهشه لابد من الحديث عنها، وهذه الاتفاقية ليست كتاباً مقدساً لا يجوز نقده. نقول ما نقول حتى لا تتكرر مأساتنا مرة أخرى، وندور في فلك الحروب الأهلية، ولعل البوادر قد بدأت من الشرق هذه المرة.

حمى الله وطننا من كل شر.

الوسوم رمزي-المصري

التعليقات مغلقة.