الصحف السودانية: الحل في الوعي بالواقع التجاري والإعلاني

الصحف السودانية: الحل في الوعي بالواقع التجاري والإعلاني
  • 08 نوفمبر 2020
  • لا توجد تعليقات

محمد محمود راجي

الصحف السودانية تحتضر. وهو واقع لا يستطيع أن ينكره إلا من هو أعمى أو في عقله عور.

كل من لديه علاقة بالصحف؛ مهنةً أو صناعة، يعلم، تمام العلم، أن علةَ أو عللَ هذه الصحف لا علاج لها، وانها بالفعل تلفظ في انفاسها الأخيرة.

الأمر ليس مدهش، وإنما هو نتيجة متوقعة، طالما ظللنا ننكر الحقائق ونغمض اعيننا عن رؤيتها، ونستمر في اصدار الصحف دون دراسات جدوى واقعية، تضع في الاعتبار الفرص والتحديات والمهددات الحقيقية التي تواجه صناعة الصحافة.

الأزمة الحقيقية للصحف، التي ينكرها الغالبية، هي في عددها الكبير جدًا جدًا، الذي يتجاوز قدرة الاقتصاد والسوق السودانيين على تمويلها، فالمصدر الرئيس لتمويل الصحف المستقلة هو الاعلان التجاري. وجميعنا، يعلم، يقينًا، الحجم الحقيقي لسوق الاعلان التجاري في السودان، وبخاصة في ظل ضعف القطاع الصناعي، وغياب التنافسية عن القطاع التجاري، وتخلف قطاع الخدمات، وقلة الاعلانات الحكومية.

وعيًا بهذا الواقع، ظللت منذ نهاية الثمانينات، وحتى اليوم، على قناعة تامة بأن السودان، ولظروف اقتصاده وحجم سوقه الاعلاني، لا يحتمل أكثر من صحيفتين يوميتين او ثلاثة فقط.

مؤسستان أو ثلاثة مؤسسات كبيرة تصدر صحف يومية واخرى متخصصة، مدعومة بمواقع الكترونية جاذبة جيدة الإعداد، وخدمات إخبارية فورية على مواقع التواصل الاجتماعي.

وفي هذه الحالة فأن عدد الذين، ينطبق عليهم وصف الصحفي المحترف، سيتراوح بين 300 و400 صحفي، بما في ذلك العاملين في التدقيق والتصميم والاخراج.
وفي ظني أن هذه العدد من الصحف والصحفيين، هو ما يحتمله السودان في ظل اوضاعه الحضارية والاقتصادية الراهنة وحجم سوق إعلانه.

تقليص عدد، سيحسن من جودة الصحف والمواقع الالكترونية الاخبارية؛ موضوعًا، واخراجًا، وتصميمًا، وانتشارًا، وتوزيعًا، وعوائد اعلان ومبيعات. كما أنه سيحسن، في ذات الوقت، من الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية للصحفيين.

واعترافًا بهذا الواقع ينبغي الا يزيد عدد كليات الاعلام عن اثنتين فقط، وأن يتركز جهدها على تطوير قدراتها، بحيث تكون قادرة الى جانب إعداد الصحفيين، على تأهيل خريجيها وخريجاتها لسوق العمل في الاذاعات والتلفزيونات ومجالات الاتصال المؤسسي وهي عديدة. فالحاجة في هذه المجالات مازالت مطروحة ومطلوبة. خاصة وأن القنوات الفضائية في ازدهار، ومعظم المؤسسات العامة والخاصة اصبحت تهتم بالاتصال المؤسسي، أو ما كان يعرف سابقا بالعلاقات العامة. فلا تخلو أي مؤسسة حكومية أو شركة من قسم للاعلام المؤسسي.
كليات الاعلام ليست مهمتها الوحيدة هي تخريج الصحفيين والاذاعيين، وانما هي مؤهلة لتخريج متخصصين في مجالات اخرى عالية الطلب، ومنها كل ضروب الاعلام الجديد، والاعلام المؤسسي، والاعلام المتخصص.

الاعلامي المحترف، هو وسيط بين منتجي المعرفة والجمهور العام، وهذه وظيفة نحتاج لها في نشر الكثير من المعارف، وعلى رأسها الاعلام الزراعي والاعلام الطبي والاعلام الامني وغيرها.

لا حل للأزمة الراهنة التي تعانيها الصحف، إلا بتقليص عددها، وتقليص عدد العاملين بها، اتساقًا مع الواقع الاقتصادي والتجاري والاعلاني السوداني.

علينا أن نجلس، ونتخذ القرارات الجريئة، فبالجراءة والنظر خارج الصندوق، يمكننا أن ننقذ الصحف ونخرجها من حالة الاحتضار التي دخلتها بقوة.
ولا حل غير ذلك.

التعليقات مغلقة.