محاكمة التاريخ ودولة الخليفة عبدالله

محاكمة التاريخ ودولة الخليفة عبدالله
  • 16 نوفمبر 2020
  • لا توجد تعليقات

يوسف السندي

ينتقد البعض التاريخ انطلاقا من منظور ومفاهيم العصر الحالي، ينتزعون الحدث التاريخي من سياقه الزماني والمكاني ويحاكمونه نقدا بسياق الراهن، وهذا اجحاف وعدم موضوعية، وبدل أن يكون هذا نقدا للتاريخ للاستفادة والعظة يصير تشويها لحقائق التاريخ. كمثال على هؤلاء من يحاكمون فكرة الخلافة في العصر الإسلامي الأول بناءا على فكرة تبادل السلطة الانتخابي في العصر الحالي، ومن يفسرون التوسع الإسلامي وكانه غزو للعالم لإجبار الناس على الدخول في الإسلام، وإنما هي غزوات تاريخية فرضها واقع ذلك الزمان الذي يحكمه قانون الغزو، وان حماية الدولة الاسلامية الوليدة يتم من خلال إزالة المهددات التي كانت تتمثل في امبراطورية الروم وامبراطورية فارس وغيرهما من الإمبراطوريات والدويلات التي كانت تمثل تهديدا مستمرا للدولة الإسلامية وتعد العدة وتتحين الفرص للانقضاض عليها.

كذلك كان الحال في عهد دولة المهدية التي قامت في ظل وضع عالمي مغاير للوضع العالمي الحالي، وضع تستعمر فيه الدول العظمي الدول الضعيفة من أجل نهب ثرواتها وإقامة امبراطورياتها ودعم نفوذها عالميا، وهي حقبة كان فيها الاميركيون البيض يمارسون عنصرية على السود بنص القانون، و يتاجر فيها العالم شرقا وغربا بتجارة العبيد وفق قانون عالمي غير مكتوب. ظهرت المهدية في هذه الحقبة التي يناضل فيها المستضعفين من أجل التحرر من نير الاستعمار والعبودية، كان التحرر هو المشروع الأول والنهائي للمناضلين في تلك الحقبة، ولم تكن من مشاريعهم إقامة دولة ليبرالية او ديمقراطية كما هو الحال في عصرنا الحالي .

استطاعت الدولة المهدية ان تحقق مشروعها الاساسي وهو التحرر من الاستعمار، وكعادة الدول في ذاك العصر سعت المهدية إلى التوسع بحسبانه منطق التاريخ في ذلك الوقت، ولذلك لم تحمل الوثائق التاريخية اهتمام دولة الخليفة عبدالله بقضايا السياسة التي نناضل من أجلها نحن اليوم مثل حرية التعبير والديمقراطية فهذه قضايا لم يكن لها وجود بشكلها الراهن في كل العالم في ذلك الزمان، وليس من المنطق اصلا محاكمة دولة الخليفة على أغفالها لها في ظل قيادته لدولة وليدة خارجة لتوها من استعمار، وشعب امي يخرج لتوه من استعباد دولة عظمى، وعالم لا تحكمه سوى قوانين الاستعمار والغزو.

لذلك مهم تأطير النقد للتاريخ في إطاره التاريخي من أجل الموضوعية والحقيقة، وذلك يستلزم من الناقد المعرفة بحقائق ذاك التاريخ وبظروفه، ففي كل حقبة عالمية هناك سمات عامة ومفاهيم مشتركة عليها يمكن نقد ومحاكمة الأحداث فيه. الحقبة التي كانت فيها دولة الخليفة عبدالله هي حقبة الحروب والامبراطوريات الاستعمارية الضخمة، وكانت البلاد مستعمرة قبل أن تحررها المهدية في ١٨٨٥ ثم أصبحت تحت خطر الاستعمار مجددا باستمرار حتى حدث ذلك في عام ١٨٩٩، لذلك يمكن لكل عاقل قاريء للتاريخ أن يقر بأن دولة الخليفة عبدالله كانت تواجه بتحديات جسام وأنها رغم ذلك كانت الدولة المستقلة الأولى التي قامت على مجد وفخر بطرد المستعمر بالسيف، لذلك حق لنا أن نفتخر بتلك الدولة وذلك التاريخ المهيب لاجدادنا السمر ثوار السودان العظماء.


sondy25@gmail.com

التعليقات مغلقة.