لا للعلمانية

لا للعلمانية
  • 29 مارس 2021
  • لا توجد تعليقات

يوسف السندي

دعاة العلمانية في السودان نموذجين، نموذج سياسي انتهازي يريد من العلمانية القضاء على منافسيه في السياسة من الأحزاب السياسية ذات الامتدادات الدينية كحزبي الأمة والاتحادي، ونموذج عنصري يحتمي بالعلمانية للتغطية على احساس داخلي بانه مواطن درجة ثانية، وفي كلا الحالتين هذه مطالبة غير حقيقية بالعلمانية، مطالبة غير علمية، وانما مطالبة انتهازية. السودان لا يعاني أساسا من استغلال ديني ولا قهر مبني على الدين حتى يطالب البعض بفصل الدين عن الدولة بما يجعلها دولة بلا روح وبلا مرجعية قدسية وهو الفراغ الروحي الذي يعيش فيه العلمانيون الحقيقيون الذين هربوا من التدين إلى الالحاد ومن الحقائق الغيبية إلى المشاهدة والتجريب، وحولوا حياتهم من وجود ذو حكمة إلى وجود فاني عبثي لا أصل له ولا منتهى.

دعوة العلمانية سوف تعيد الهوس الديني للسودان من جديد، سوف تبث الروح في ميت حركات الشطط والغلو، وستحي رميم الكيزان بعد أن أحرقته الثورة بشعارات السلام والعدالة والحريات المبنية على اساس المواطنة، جميع المحطات التي مرت بها الحوارات السياسية لمعالجة قضية الدين والدولة على مدى التاريخ السياسي السوداني لم تصل إلى نقطة تحويل السودان إلى العلمانية، بل وصلت إلى خلاصة ارتضاها الجميع وهي دولة الحقوق القائمة على اساس المواطنة. اتفاقية الحكم الذاتي ١٩٥٣ اتفاقية أديس أبابا ١٩٧٢ اتفاق اسمرا للقضايا المصيرية ١٩٩٥ اتفاقية السلام الشامل ٢٠٠٥ اتفاق نداء السودان ٢٠١٤ اتفاقية سلام جوبا ٢٠٢٠، كلها محطات لم تطالب بطرد الدين من السودان، فمن أين جاء هؤلاء الانتهازيون؟ 

لا للعلمانية ومرحبا بدولة المواطنة، لا تشبه دولة المواطنة دولة العلمانية، فالمواطنة لا ترفض أن تكون أديان المجتمع مصادرا للتشريع، لا ترفض المظاهر الدينية في لقاءات وانشطة السياسيين أصحاب الانتماء الديني المشترك، وهي أشياء ترفضها العلمانية وتقهر المتدينين على إخفائها وإخفاء انتماءهم الديني ومجافة ايمانهم المقدس، وترهبهم على الحياة بصورة منفصلة عن اليقين الاخروي الذي يعيشون حياتهم من أجل الوصول إليه والفوز فيه بالنعيم، العلمانية تسعى لعلمنة الحياة بطريقة تجعل الإنسان مجرد آلة بلا روح ولا أخلاق داخلية، وهي الحالة التي وصل إليها المجتمع الغربي وتعاني منها جميع المجتمعات العلمانية بلا استثناء. فمن أي ارض انشق علينا العلمانيون الجدد؟

الحركة الشعبية تيار الحلو لا تؤمن بالعلمانية، بل تستخدمها من أجل بلوغها لغاية أخرى هي الانفصال عبر حق تقرير المصير على طريقة جنوب السودان، وهو هدف ليس بيد الحلو فقط بل هو هدف عالمي يخطط له الكثيرون من الاعداء من خارج أراضي النيلين، يبحثون عن تمزيق السودان إلى دويلات متعددة ضعيفة ومنهارة القوى ويخافون من سودان واحد وموحد وذو ثقافة وطنية مبنية على الفدرالية والمواطنة.

لو كان الحلو مؤمنا بالعلمانية لما وقع سلاما مع الإنقاذ الدولة الدينية وشارك في حكومتها سنينا عددا نائبا للوالي بجنوب كردفان، فهل نسى الحلو تاريخه ام تنساه؟!. بينما الأحزاب الدينية كالامة القومي رفضت المشاركة في حكم الإنقاذ رغم هوسه التديني لايمانها بأن هذا الوطن لا يجب ان يقهر شعبه بالدين كما يفعل الكيزان، ولا يقهر شعبه على طرد الدين كما يريد أن يفعل الحلو ومن معه من الانتهازيين السياسيين والعنصريين، مستقبل هذا البلد في السلام هو دولة المواطنة التي لا ترضى هوسا يمينيا ولا تطرفا يساريا، اي نزوع نحو غلو اليمين او تطرف اليسار سوف يفتح مجددا على البلاد نيران الحروب الهوسية.


sondy25@gmail.com

التعليقات مغلقة.