في رحيل العمدة الغالي ود الخليل

في رحيل العمدة الغالي ود الخليل
  • 26 يونيو 2021
  • لا توجد تعليقات

سيف الدولة احمد خليل


  • الرثاء ضرب صعيب من الكتابة، سيما ان كان الفقيد عظيم شأنه، ويزيد الامر ضغثا على إبالة ان كان بينك من ترثيه واشجة رحم. اذ ان الرثاء احتفاء بمآثر من رحلوا وعاطفة لا عقال لها، وحيناََ حزن فتيق وقلم ذريف لا حَسْبَ له. ويزيد الأمر صعوبة انني ارثي عمي شقيق والدي وعميد أسرة العمدة الخليل، وهذا رثاء قد يجبرني على التسبيح بحمد نفسي واسرتي، وهذا ما لا يروق لي خشية مجانبة النصفة ومدابرة الحق والحقيقة.
  • مع ذلك أشحذ القلم لرثاء واحد من اعظم رجالات الادارة الاهلية، والزعامات القبلية في ولاية شمال كردفان وشرقها على وجه خاص.
  • راحلُنا هو الشيخ او ان شئنا العمدة الغالي خليل محمد الفكي سليمان، من اعيان شمال كردفان ومن زعمائها القبليين المخضرمين،ممن ذاع صيتهم وعلا شأنهم.
  • العمدة الغالي خليل هو الابن الأكبر للراحل العمدة الخليل.
    والعمدة الخليل او الشيخ الخليل هو ابن العمدة او الشيخ محمد بن الشيخ او الفكي سليمان.
  • حق لنا ان نقف على الشيخ او الفكي سليمان الذي ترعرع في “بحر ابيض” نواحي قوز السليمانية غرب وحفظ القرآن ودرس العلم على الشيخ برير ود الحسين واخذ الطريقة السمانية واجيز فيها ليكون له تلامذته ومريدوه، وكان من السواح، الذين عملوا لنشر الطريقة السمانية وحرصوا على تحفيظ القران وعلومه، فجاب بحر ابيض غرب النيل نواحي السليمانية وجبل اولياء ونواحي تندلتي وام صميمة شمال امروابة، ثم قرى الشقيلة والزريقة والمرحبيبة شمال غرب ام دم، وعرفت هذه القرى الثلاث بأسمه حيث اقام فيهن مرشدا ومعلما للقرآن، واخيرا استقر به المقام وغالب أسرته في الدويم قريبا من اشياخه واحبابه، في “حوش” يعرف باسمه الي يوم الناس هذا، وقد توفاه الله فيها وقبر في ثراها. بقي غالب اسرة الفكي سليمان بالدويم كل بناته وابنائه الأمين ، الطيب، وعبد الله، بينما طاب المقام لأبنيه محمد والنور في كردفان.
  • الفكي سليمان وابناؤه من حملة القرآن ومن المخبتين، ويعدهم كثير ممن عرفوهم من الأولياء وأهل الصلاح، لما عرف عنهم في الاجتهاد في العبادة، وفعل الخيرات واحيائهم لنار القرآن اينما حلوا.
    الجد المباشر، للراحل العمدة الغالي هو محمد الفكي سليمان، الذي حمل القرآن وتهجد به، وكان من مُقَدَمي الطريقة التيجانية وقد اخذ العهد على الخليفة الدرديري محمد ود دوليب في خرسي التي اقام فيها لبعض الوقت وقد كان اثيرا عند اشياخها. ورغم انه تيجاني في طريقته الا انه كان مشرفاََ ومنفقاََ على مسيد الخليفة الختمي عبدالله ود اب شليخ.
  • عندما اراد الانجليز انفاذ نظام الادارة الأهلية، عهد للشيخ محمد الفكي سليمان بعمودية الطريفية التي امتدت من نواحي الهلبة شرقا والي حدود محلية بارا غربا وحدود محلية ام دم جنوبا وحدود دار حامد شمالا والكبابيش من الشمال الغربي وهي عمودية تكونت من بضع وخمسين مشيخة، وبهذا جمع محمد ود الفكي سليمان سلطة زمنية وبعضا من السلطة الروحية. وقد اهتم الرجل باعداد ابنائه للزعامة الروحية والزمنية في آن معاََ، فحرص على تحفيظهم القرآن وتعليمهم الفقاهة والأحكام، فعهد اليهم بمشيخيات القرى، ابنه الأكبر عبد الرحيم، ويليه عبد الرحمن والباقر اصغرهم وقد وجه ابنه أحمد ابو الحسن لتحصيل العلم الي ان نال العالمية وخطب في الجامع الكبير بأم درمان ثم الخليل الذي صحبه في شئون العمودية، ليخلفه عليها بعد ان رحل الي الدار الآخرة.
  • الخليل او العمدة الخليل من مقدمي الطريقة التيجانية ومن حملة القرآن، اشتهر بالشجاعة والكرم والعقلية القانونية والحكمة وصرامة الاحكام ، فذاع صيته، وتميز عن اقرانه من العمد بما نال من دربة على يدي والده ومما حصل من معارف ومما رزق من مال، حتى انه اشتهر بعمدة العمد.
  • نهج الخليل نهج والده فأحسن تربية ابنائه الاربعة فحرص على تعليمهم وتحفيظهم القران وعلوم الشرع، وقسم عليهم الأدوار فعهد الي ابنه الاكبر موضع رثائنا الغالي الخليل شئون العمودية وفي معيته ابنه الاصغر عبد الرحيم الخليل، وعهد لابنه عبدالله الخليل شئون السياسة والتجارة فكان برلمانياََ فذا ممثلا للحراك الاتحادي وفرض على ابنه احمد الخليل السير في طريق التعليم الي ان ارتاد جامعة الخرطوم كلية الحقوق وتخرج فيها قاضيا.
  • لما تميز به الخليل من فلاح في الادارة الاهلية وصرامة في الاحكام، اختص بمحكمة اصبح رئيسا لها ، فعرف عند الاهالي بالرئيس وانتقلت العمودية بحياته الي فقيدنا العمدة الغالي الخليل.
    الخليل كان من خيار الناس وزين للعابدين، وقد توفاه الله شهيدا اذ قتل وهو ساجد، وقد قبر ببنية خلفاء الطريقة التيجانية بخرسي.
    برحيل الخليل انتقلت العمودية ورئاسة المحكمة للراحل الغالي الخليل
  • لعلي قد اسرفت في الحديث عن اسرة الراحل الغالي الخليل واستطلت، ولربما عدَّ القارئ ذلك اسهاباََ او اطناباََ، ولكنهما مستحقان على اية حال، ولولا خشية الإملال فهنالك كثير مما يقال.
    ويقيناََ لم اتقصد ان أُعَرِّف الراحل بآبائه فهو ليس بالنكرة الذي يُعَرَّف بغيره، فللرجل افضاله ومجده الذي بناه بنفسه، ولكن بما قدمنا اردنا ان نقول انه المجد التالد والارث التاريخي والميراث الجيني للرجل موضوع حديثنا.
  • الراحل الغالي خليل هو الابن الاكبر للعمدة الخليل محمد الفكي سليمان، اطل على الدنيا في العام ١٩١٦ على اكثر الروايات شيوعا، بدا تعليمه بمسيد جده لوالدته الشيخ عبد الله ابو شليخ وحفظ القرآن، ثم انتقل الي زريبة الشيخ محمد ود وقيع الله، معلماََ للقران ومصححا للدارسين، ومن تلاميذه ذائع الصيت الشيخ عبد الرحيم محمد وقيع الله “البرعي”، وقد أخذ الطريقة السمانية، الي ان بلغ، فيما يروى مرحلة ” الترجمة”، الا ان ذلك لم يرق لجده العمدة حينها محمد الفكي سليمان التيجاني الملتزم، وعادة التيجانية النأي عن غرائب الاشياء ومحدثاتها، فأتى به ليسلك الطريقة التيجانية، فتتلمذ على اشياخها امثال الخليفة الدرديري، والخليفة جعفر والخليفة الدسوقي وجدد العهد على الشريف عبد المنعم في أم سعدون الشريف، واحفاد سيدي احمد التيجاني، والشيخ النور الزاكي، والشيخ منقة بالفاشر.
  • تعلم الراحل من والده واطراف اسرته اسرار الزعامة والقيادة وقد رعاه والده رعاية خاصة، ودفع به في مهام الادارة الاهلية فبرع فيما اوكل اليه وقد لفت انتباه القضاة واهل القانون فيما اتقن من درس، وكانت النبوءة بتميزه في القضاء الاهلى وما خيب ظن من تنبأوا له بذلك. ومما يحكى ان احد القضاة بأمروابة، الراحل مولانا نور الدين علي عبد المجيد عرض على زميله القاضي أحمد الخليل شقيق الراحل الغالي خليل وآخرين من القضاة ،من بينهم العامل القضائي آنذاك علي عثمان محمد طه، حُكما قضائياََ دون ان يخبرهم بمن فصل فيه، بعد تقريظ مستطيل لحيثيات الحكم والتسبيب والاسلوب والخط الجميل، قام بإطلاع مولانا احمد خليل على القضية والذي صاح بالحاضرين ” دا الغالي أخوي”، فما كان من مولانا نور الدين الا ان قال، علمت انه اخوك، لكن بربك اين درس هذا الرجل القانون ولماذا حبستموه في العمودية والمحاكم الاهلية، وقد صعق الرجل حين علم انه لم يلتحق بأي مدرسة نظامية!!.
  • رغم ان العمدة الغالي خليل كما يروى، قد نشأ في رغد من العيش، وبه نزعة ملوكية مما عهد عند ابناء الادارة الأهلية، فهو ممن اشتهر في صباه بلبس “الشاهية” و “الجوخ” وامتطاء ظهور الخيل ساعده في ذلك انه اثير والديه العمدة الخليل والحاجة السندس بت عبد الله، رغم هذه الدعة كان الراحل الي البسطاء اقرب. فعاش رجلا محبوبا لبساطته وتبسطه مع العامة فهو رجل طُرفة يُملِح فيما يستظرف به وهو متحدث لبق وممن لا يمل حديثه خبرأ وحكياََ ورواية للتاريخ. وغير هذا فقد كان فارسا شجاعاََ قد ورث نبل الفرسان ومبادأتهم، فهو الي اسرة اشتهرت بالشجاعة ينسب.
  • اشتهر الغالي خليل بسلامة الاحكام القضائية، ومائز التسبيب وجمال الخط واناقة الاسلوب، واشتهر بالحكمة وعقد المصالحات دون إخلال بصرامة اشتهر بها ومن قبله والده العمدة خليل وجده العمدة محمد ود الفكي سليمان.
  • وقد عرف عن الراحل بأنه أحفظ الناس لكتاب الله، رطب لسانه بالذكر آناء الليل واطراف النهار، وخشوعه في الصلاة كان مما يحكى به في المجالس، فهو رجل صوام قوام .
  • كانت داره منزلة لمن لا نُزُلَ له، وقد اشتهر بالكرم والعطاء حد الاتلاف، فلو كان يأبه لمال، لما تجاوزه احد ثراء.
  • برحيل العمدة الغالي خليل، قد رحل قَدَحٌ كبيرٌ من اقداح كردفان التي تجود بالقرى لأضياف الهجعة، رحل وجه خصيب بالبشر والترحاب ورحل رجل ائتم به الناس عقودا من الزمن ابا، حاكما وزعيما، وشيخاََ، لقد افل نجم من نجوم مجتمعات كردفان
  • الا رحم والدي وعمي الغالي ود الخليل واسكنه فسيح الجنان،والعزاء لنا ولابنائه ولآل الفكي سليمان وللسادة التيجانية ولزعماء الادارة الاهلية في كردفان.
  • عليك الرحمات تترى ابا رقية

التعليقات مغلقة.