ظاهرة مغني الراب خالد زنقولا.. حتميات لا مفر منها !!

ظاهرة مغني الراب خالد زنقولا.. حتميات لا مفر منها !!
  • 18 أغسطس 2021
  • لا توجد تعليقات

د. بشير إدريس محمدزين

• كنتُ، وما أزال، أحبُّ أن يظل شعري كثيفاً بعد الحلاقة، لماذا لا أعلم، ولكني لا أحب أبداً أن أحلق شعري على درجة الخفيف ولا على درجة (الزيرو) طبعاً..وحتى بعد الحج المتكرر، على أيام إقامتي بمكة المكرمة، أذكر أنني حلقتُ شعري على (درجة الزيرو) مرات قليلة جداً، وكنتُ دائماً أقصِّر شعري فقط، ‹ولا حرج› !!

• ولقد لازمتني هذه العادة منذ الطفولة، مروراً ‹بمرحلة الخُنفس› وحتى الآن.. ولكن والدي ‹الفكي إدريس ود عبد السلام› رحِمه الله، مثله مثل كل (الفكياء والمولانات) في ذلك الزمان، كان يرى، ويعتقد جازماً، أن الشعر الكثيف على الرأس إنما هو (بيت للشيطان) وكان يقول لنا إن الشياطين تتخذ (القُجَّة) أو (التِّفَّة) بيتاً لها، ومقيلاً تلعب فيه، ‹وتتبوَّل› عليه، وتعبث بصاحبها كيف تشاء..كان يقول لنا ذلك ثم يتساءل: ومن يريد أن (تقيِّل) الشياطين على رأسه وتتبوَّل عليه ؟!!!

• كان رحِمه الله لا يقبل أبداً أن يراني (بتِفَّة) كثيفة على رأسي، رغماً عن أنني كنتُ أتعهَّدُها بالأمشاط ‹والخُلالات› ودهانات ‹الياردلي› والفازلين، ولا أهملها أبداً، وأوفِّر من حق الفطور، ومما أدَّخر، لكي أكون حليق الشعر دائماً، مُرتِّباً ومصففاً له، ولكن مع هذا كان يتصيَّدني في كل وقت عندما يطول شعري، حتى ينالني في صينية الغداء، أو بعد صلاة الجماعة معه، أو عندما أكون غافلاً، فيباغتني ويجرُّني جراً وأنا أبكي، وأستنجد بأمي وخالاتي فيتعطَّفنه ليتركني، ولا يستجيب لهن أبداً حتى يحلق لي ‹بعمود حلاقته› على الزيرو، فأصبح أنا، ربما الطفل الوحيد في القرية كلها المحلوق بدرجة الصلعة..وأظل حزيناً حتى ينبت شعري من جديد فأتعهده، وأصفِّفه، وأعتني به، إلى حين، ثم يتم حلقه لي على درجة الصلعة من جديد !!

• إتضح لي لاحقاً، أننا كلنا كآباء وأمهات، إنما نحاول أن ننسخ أولادنا على صوَرِنا ومزاجاتنا وأذواقنا وطباعنا، وعاداتنا، وهذا غير ممكن، وغير صحيح..

• إبننا محمد الغانم عندما دخل الجامعة أرسل شعره طويلاً جداً حتى أصبح يلامس كتفيه، مش كدة وبس، إنما (ضَفَّره ومشَّطَه) كمان فيما يسمونه (الراسطة)!! ولقد أغاظني هذا المنظر أيما إغاظة، وأدرتُ معه حواراً مطوَّلاً، ومع شباب آخرين مثله، وقلتُ له فيما قلت إنَّ منظره هذا (بالراسطة) ومع كونه شاب أسود، طويل القامة، وضخم البنية، ومسلم منضبط، وله لحية طويلة، سيجعله عرضةً حتى لإستهداف الشرطة الأمريكية نفسها، ولكنه كان يجادلني بكل أدب وإحترام، ويقول لي بكل ذوق: إنه يعجبه هذا المنظر وأنه يريد أن يكون كذلك!! وأُسقِط في يدي فعلاً، وتذكرتُ كيف كانت حلاقة والدي لي على درجة الصلعة تغيظني، وتكسوني بالحزن والكآبة، فسكتُّ عنه على مضض، ولم أرِد أن أضعه في مكاني ذاك !!

• قبل عامين عقد إبننا محمد نكاحه بزميلته الفاضلة، بنت الأكرمين، الشابة الطالبة تسنيم، وكان زواجاً طالبياً مبسَّطاً ورائعاً، ومباركاً، كالذي كتبتُ عنه مراراً ودعوتُ الآباء والأمهات لتبنِّيه..وسأل الشيخ (الدكتور علي)، إمام مسجدِنا ومأذوننا، سأل بنتنا تسنيم، وكانت حاضرةً عقد نكاحها بالمسجد: هل تقبلين بمحمد زوجاً لكِ يا تسنيم؟! فقالت نعم يا شيخ..ثم سألها ثانيةً: هل تقبلينه، وبرغم شعرِه الطويل ‹المُمَشَّط› هذا؟! فقالت نعم يا شيخ !! فضجَّت القاعة بالضحك والتصفيق.. وأُسقِط في يدي للمرة الثانية، لأنني، مثل كل أب وعم وخال، كنا نعوِّل عليها لتعيننا على إقناع محمد وزملائه بتقصير شعرِه..بل هي قالت لي فيما بعد (بصراحة يا ‹عمُّو› أنا أحب شعر محمد بهذه الطريقة) !!
على كل حال، بعد عامين من عقد نكاحِه، إقتنع محمد براااااهو، وحلق شعره الآن، ليكون على درجة الخفيف، ولكنه ما يزال يرسل لحيته، فقلنا الحمدُ لله !!

• مناسبة هذا الكلام هو اللغط الذي أثاره الفنان الشاب (خالد زنقولا، ود المزاد) مغنِّي الراب الصاعد، ذو الشعبية الشبابية الهادرة، وكيف أنه غنَّى أغانٍ على مسرح المكتبة القبطية وهو عاري الصدر، ويزحم رقبته وساعديه بالسلاسل والأسْوِرة، وغنَّى أغانٍ لا يفهمُها كثيرون من أجيالنا، بل يرونها ركيكةً وسخيفةً، وبلا معنى، ولكنها تجد تجاوباً غير محدود من أجيال أبنائنا وبناتنا ..

• خُلاصة ما أريد قوله في ذلك، أننا كلنا، مثل آبائنا وأمهاتنا، نحاول إستنساخ أبنائنا وبناتنا على صوَرنا، وأذواقِنا، وثقافتِنا، وعاداتِنا، وهذا غير ممكن، وغير صحيح..
دعوا -برأيي- هذا الجيل يعبِّر عن نفسه بطريقته، فقط أنصحوهم، وبصِّروهم بمواطن الفخر، وبمجالب العيب والعار، ولكن بلطفٍ ومحبة، لأنهم جيلٌ شجاعٌ، عنيدٌ، مصادمٌ، ويعرفُ كيف ينتزعُ حقوقه إنتزاعاً، إذ إستطاع هذا الجيل، برغم ‹شعوره المُمشَّطة› ‹وبناطلينه الناصلة› أن يصمد أمام سحق نظام الإنقاذ القاهر الجبار، ويقتلعه من جذوره إقتلاعاً، ودفع مهراً لذلك أرواحاً غالية ودماءً عزيزة، ولقد عجزنا نحنُ، كلنا، بأجيالنا (وأغاني حقيبتنا) الرصينةِ كلها، عن تحقيق ذلك، بل لقد (تخارجنا ونجَونا بجلودنا) من الوطن كله وتركناه، حين (خوَّفنا الكيزان الخوف الأحمر دا) !!

• جيل أبنائنا وبناتنا هذا جيلٌ جميلٌ، وشجاعٌ، وواعٍ، ويعرفُ إلى أين يسير، فدعوهم يعيشون ويغنون ويطربون كما يشاؤون ..

•••

التعليقات مغلقة.