الخروج من المأزق: إذا ربح الوطن فلا أحد خاسر

الخروج من المأزق: إذا ربح الوطن فلا أحد خاسر
  • 31 أكتوبر 2021
  • لا توجد تعليقات

فوزي بشرى

أدخل انقلاب الفريق عبدالفتاح البرهان السودان في مأزق وصل بالبلاد الى طريق مسدود يتطلب الخروج منه قدرا عاليا من الحكمة و الرشد و التضحية بالطموحات و المكاسب سواء اتصلت بالأفراد فِي خاصة أنفسهم أو بالجماعات الناشطة في طلب حقهابالسلاح و بغيره، و يتطلب من الإدارات الأهلية بنظارها و مكوكها و شيوخها و شرتاياتها و عمدها أن يفزعوا الى جراب رأيهم و بصارتهم في حلحلة المعضلات فسلمهم الأهلي في مهب الريح إن سارت الأمور وفق معادلة المواجهة المدمرة التي أنشأها البرهان.

لم يعد خافيا أن الانقلاب قد وجد استهجانا و نكيرا من المجتمع الدولي بمؤسساته المختلفة و قوبل بتهديد يضع السودان من جديد في قوائم العقوبات السياسية و المالية. كما أن الانقلاب أرجع البلاد الى ما قبل ثورة ديسمبر ٢٠١٩ فاذا القتل هو القتل و التاتشرات هي التاتشرات و الارهاب هو الارهاب و الرغبة المرضية في إذلال و إهانة المواطنين رجالا و نساء بالضرب وحلق رؤوس الشباب هي المشاهد عينها التي عبأت الشعب ضد البشير و حكمه حتى أسقطته و مكنت البرهان – مستقويا بها – من الذهاب الى البشير ليطلب اليه التنحي. وهي الخطوة التي لم بجرؤ البرهان على القيام بها لولا الثورة الشعبية على نظام البشير. و كان أليق بالبرهان أن يخوض ( غمار انقلابه) جنرالا منقلبا على جنرال بدلا من تنفيذ انقلاب على الشعب الذي ما بذل من الأرواح و الدماء ليستبدل حكما عسكريا بآخر.
لا يختلف إثنان على ضعف أداء حكومة الدكتور عبدالله حمدوك من جراء أسباب شتى منها ما هو قصور وظيفي ذاتي ومنها ما هو متصل بالعراقيل التي ما انفك الشريك العسكري يضعها يحقق بها المكاسب و يعزز بها صورته في المخيلة الشعبية أنه وحده القادر على وضع الأمور في نصابها و صون سلامة الوطن و المواطنين على النحو الذي أشار إليه البرهان في خطاب بيان الانقلاب.
محصلة ذلك هو ما تشهده البلاد اليوم من وجود شرعيتين: شرعية الانقلاب المفروضة بقوة السلاح و هي شرعية مدانة مستهجنة غير معترف بها من العالم.

و شرعية أخرى هي شرعية حكومة حمدوك التي أنشأتها الوثيقة الدستورية المؤسسة لفترة الانتقال المفضية الى قيام حكم ديمقراطي. هذه الشرعية لم تسقط لدى الشعب الذي صنع الثورة رغم كثير مآخذه على أداء حكومة حمدوك. وهي شرعية قرر البرهان محوها من الوجود مفترضا في نفسه – فهو وحده لا أحد معه صاحب المشهد- أنه يملك حق تقرير ( مسار الثورة) .
الأيام التي مضت منذ انقلاب البرهان كشفت أن صراع الشرعيتين: شرعية البرهان المدججة بسلاحها المستبدة بقوتها في مواجهة القوى المدنية العزلاء الرافضة للانقلاب سيكون صراعا مأساويا و فصلا دمويا آخر في مسيرة الشعب السوداني نحو الخلاص و التحرر و الحكم المدني.

إن مسعى البرهان لاستمالة حمدوك الى فريقه الانقلابي لن يتحقق لأن القبول به سيكون بمثابة انتحار سياسي لحمدوك أيا كانت ذرائعه. و سيكون ذلك مدعاة لمزيد من إضعاف القوى المدنية مما قد لا يقدم عليه حمدوك مهما بلغ سوء تقديراته السياسية وهو الرضى بأن يكون البرهان لا الشعب هو مصدر شرعيته
من جهة ثانية يبدو البرهان معتقلا(داخل انقلابه) تأبى عليه نياشينه و أنواطه و موقعه في قيادة الجيش فضلا عن مخاوفه الخاصة أن يتراجع خطوة الى الوراء عما مضى فيه.
ما الحل؟

هناك سبيلان للخروج من الأزمة المستحكمة التي تقتات على دم الشعب السوداني و هي تتطلب لحلها حسا انسانيا رفيعا و استعدادا عاليا للتضحية من أجل الوطن و تعظيما و تقديرا لانسانه يقدس كل قطرة دم سودانية و يستبشع إزهاق روح واحدة في صراع يمكن تغيير أدواته من استعمال السلاح الى تبني الحوار. و أي حوار جاد عليه أن يراعي الكرامات المجروحة ( كرامة الجنرال برهان الجريحة المطالبة باعادة الوضع الى ما كان عليه قبل الانقلاب، كما على مقترح الحل ( منتج الحوار) أن يراعي ( كرامة رئيس الوزراء حمدوك و وزرائه الذين اقتيدوا بليل بعد ضرب و ايذاء بدني و لفظي و اقتيد هو مكرها ضيفا على الجنرال المنقلب عليه)
يتطلب الحل:

أن يخرج الفريق البرهان ببيان يعود فيه عن كل قرارته بحيث تستعيد حكومة حمدوك كامل شرعيتها المنشئة لها وفق الوثيقة الدستورية مع القبول باشتراط البرهان أن تتعهد حكومة حمدوك بحل نفسها و أن يشرع حمدوك من فوره في مفاوضات لا تزيد عن اسبوعين لتشكيل حكومة تكنوقراط غير حزبيين مع ضمان توسعة الحكومة لاستيعاب الخريطة السياسية التي أنشأتها الأزمة.
يعلن حمدوك قبوله بحل حكومته و يطالب حاضنته الشعبية بالانخراط الجاد في مشاورات توحيد صفها تحت عنوانها المعتمد في الوثيقة الدستورية: الحرية و التغيير.
تتعهد الحرية و التغيير بالشروع في محادثات و مشاورات جادة و بضمير ( نقي من شوائب المصلحة) و بحس وطني مخلص متزود ( بعظة الخلاف ) بحيث تفضي هذه المشاورات الى وحدة الصف المدني بمختلف مكوناته بما في ذلك حركات دارفور الموقعة على سلام جوبا.

يتعهد أطراف سلام جوبا بفتح ( وثيقة سلام جوبا) بقصد إخراج ( مسار الشرق ) منها فلا توجد وثائق في الحياة مقدسة ومن شأن هذه الخطوة أن تعيد الأمر كله الى أهل الشرق بمختلف قبائله ليحددوا من يمثلهم.
يجب أن يصار بعد الاتفاق مع كل الأطراف في سلام جوبا الى إلغاء فكرة ( المسارات التي تضمنتها ) ريثما يصار الى مؤتمر دستوري تأسيسي يكون له مطلب واحد محدد و هو الاجابة على سؤال كيف يحكم السودان: أي نظام سياسي؟ أي نظام إداري؟. ذلك أن انشغال الفترة الانتقالية بالتصدي لقضايا مصيرية هو أمر ليس من شأنها وهو هدر لطاقتها السياسية في غير ما كلفت به.
يتعهد الجنرال البرهان و هيئة أركانه بالانصراف الى أداء ما يحسنون وهو عمليات دمج و إعادة تأهيل قوات الحركات الموقعة على سلام جوبا و العمل على بناء جيش قومي واحد بعقيدة عسكرية واحدة لا تقوم في كنفه مليشيا لا يملك الجنرال إقالة قائدها أو نقله.
أما الأحزاب السياسية فعليها أن تنشغل بواجاباتها التنظيمية المؤجلة و واجباتها التعبوية الجماهيرية استعدادا للانتخابات و هذا يتطلب ( ملص البدل و القمصان ) و الذهاب الى الناس أصحاب الحق الأصيل في الثروة و السلطة.

أما السيناريو الآخر فهو رفض البرهان العودة عن انقلابه و وقوف الشعب في وجهه و ساعتها لا يملك البرهان غير بندقيته و السير في طريق البشير الذي ينتهي في كوبر على أحسن الفروض . فقتل المدنيين و سفك دمهم سيقود الى حدوث انقلاب ( وطني) يأتي من الجيش ( لتصحيح انقلاب البرهان) و ربما اذا واتته القدرة مضى الى تصحيح كل المعادلة العسكرية المضطربة. و هو خيار سيكون باهظ التكاليف جدا.
الخيار للبرهان فأي السبيلين هو سالك؟
الخيار للقوى السياسية في معسكري الأزمة للضغط باتجاه خيار الحل المتفاوض عليه فإذا ربح الوطن فكل خاسر رابح.
الخيار لحكماء الادارة الاهلية لحمل أطراف الازمة على قبول تسوية الخروج هذه بما يضمن صون أرواح و دماء ابنائهم و بناتهم. و تدخل زعماء الادارة الأهلية سيكون تكفيرا عن محاولة توريط بعضهم و جرهم و توظيفهم في معترك ليس معتركهم

الخيار لقادة الجيش ان يحملوا قائدهم على حفظ أرواح الناس فتلك مسؤوليتهم و ذلك شرفهم فعلى أجندة الجيش من أمهات القضايا ما يلهي عن الصراع مع المدنيين على الحكم.
الخيار لقادة الحركات المسلحة فالسودان المدني الديمقراطي هو الحل و لأن يصبروا على تطور الدولة السودانية على الصراط الديمقراطي أفضل لهم و لشعوبهم التي قاتلوا من أجلها بدل وقودا يغذي طموحات الانقلابيين.
الخيار للقوة المدنية ذات التاريخ الناصع في مقاومة الديكتاتوريات والتصدي باليد العزلاء لجبروت الأنظمة العسكرية.. يكفي في الحل المتفاوض عليه أن حكومة حمدوك ستعود و أن المدنية ستتكرس و تتجذر و أن قاعدة المشاركة ستتسع ..ذلك ما ليس منه بد.
و الأهم من كل ذلك أن الحل عن طريق الحوار سيجنب بلادنا إزهاق الأرواح و سفك الدماء.
فإذا ربح الوطن فلا أحد خاسر.


الوسوم فوزي-بشرى-

التعليقات مغلقة.