الاقتصاد الأخضر لتنمية مستدامة

الاقتصاد الأخضر لتنمية مستدامة
  • 28 ديسمبر 2021
  • لا توجد تعليقات

د. نازك حامد الهاشمي

يَعْرِفْ الاقتصاد الأخضر بأنه اقتصاد يهدف إلى الحد من المخاطر البيئية، وتحقيق التنمية المستدامة دون إضرار بالبيئة، وإلى تغيير أنماط الاستهلاك غير المستدامة، وزيادة رقعة المشاريع الصديقة للبيئة. كذلك عرفت غرفة التجارة الدولية الاقتصاد الأخضر بأنه “اقتصاد يعمل فيه النمو الاقتصادي والمسئولية البيئية معاً بطريقة متناغمة مع دعم التقدم في التنمية الاجتماعي “، وعَرَفَ برنامج الأمم المتحدة للبيئة الاقتصاد الأخضر بأنه “اقتصاد يؤدِّي إلى تحسين حالة الرفاه البشري والإنصاف الاجتماعي”. كما يَعُدُّ الاقتصاد الأخضر نوعا من الأنواع المنظمة لإنشاء مجتمع وبيئة نظيفة ترفع من المستوى الاقتصادي وتدفع بالمجتمع نحو حياة أفضل، وتحافظ على موازنة جميع أشكال التنوع البيئي. ويستخدم الاقتصاد الأخضر كإستراتيجية جديدة لتقليل المخاطر البيئية المرتبطة بالاقتصاد، ويعتبر أيضا هو الأساس لجميع القرارات الاقتصادية التي تكون مرتبطاً بطريقة ما بالنظام “الإيكولوجي/البيئي” الذي يعرف بأنه النظام الذي يكون نطاقه بين مجموعة سكانية فردية، إلى مجتمع بيئي، أو حتى إلى إقليم أحيائي كامل، وذلك لجعل الاقتصاد والمجتمع أكثر استدامة. وكذلك يعمل الاقتصاد الأخضر على توفير المساعدات والمنح للدول الفقيرة من أجل النهوض بالتعليم والصحة والبنية الأساسية وتحقيق العدالة والمساواة في التنمية، حيث أن الاستمرار في هدر الموارد سوف يزيد من الفجوة بين الأغنياء والفقراء. ويمكن للاقتصاد القائم على حقوق الإنسان أن يسهم في كسر دائرة الفقر المتفشي والمتلازم مع عدم المساواة والتمييز الهيكلي من انتهاكات حقوق الإنسان. وتتوسع حقوق الإنسان بمفاهيمها التي تشمل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وغير مستثنية من ذلك الحق في التنمية والحق في البيئة الآمنة والنظيفة والصحية والمستدامة، لدعم لبناء اقتصاد جديد قائم على حقوق الإنسان يدعم مجتمعات أفضل وأكثر إنصافًا واستدامة للأجيال الحالية والقادمة. وتسعى بعض الدول إلى تحقيق تنمية اقتصادية عن طريق اقتصاد مبني على استراتيجية الانتقال إلى” اقتصاد أخضر”، مع التركيز على الموارد الناضبة متوازياً مع برامج تركز على تغيير سلوكيات المستهلكين للموارد، بغرض الحد من الآثار الناتجة من الاستخدام المفرط وغير الرشيد للموارد البيئية والمسببة للاحتباس الحراري مثلاً.
كذلك حددت غرفة التجارة الدولية عددا من القطاعات التي تستخدم فيها إستراتيجية الاقتصاد الأخضر مثل الطاقة المتجددة والنقل المستدام وإدارة المياه والمخلفات والأراضي. ويتم تطبيقها عبر التركيز على القطاعات الاقتصادية مثل الزراعة والتعدين وصيد الأسماك، وقطاعات أخرى يتم التركيز فيها على العوامل البيئية مثل حماية مصادر المياه والتنوع البيولوجي ومراعاه تقليل انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، دون إغفال الحماية الاجتماعية وحقوق العمال. ولكي يكون الاقتصاد أخضرا يجب أن يكون عادلاً بأبعاد تشمل المستويين المحلي والعالمي، بحيث تغطي الكثير من الجوانب مثل الحفاظ على الأرض بتخفيض الانبعاث الكربوني، والنهوض بالحق في بيئة صحية، وفي العدل المناخي، حيث يؤثر التدهور البيئي على الأرض دون استثناء، بما في ذلك تغير المناخ والتلوث وتدمير الطبيعة بشكل غير متناسب على الأفراد الذين يعيشون أوضاعًا هشة في البلدان الفقيرة. وتؤدي هذه الآثار إلى تفاقم أوجه عدم المساواة، وتؤثر سلبًا على حقوق الإنسان عبر الأجيال المختلفة. وينبغي أن تستفيد كل قطاعات المجتمع من الاقتصاد الأخضر في النمو الاقتصادي، وليس فقط المستثمرين بإضفاء بعض المعالجات للأزمات الاقتصادية وتوظيف الاستثمارات الخضراء كوسيلة للإنعاش الاقتصادي، ولكافة الأعمال التي يمكن أن تساهم في تقديم حلول للتحديات العالمية، لتحقيق ما يُسمى بممارسات تعزيز التخضير في الاقتصاد المعولم لتحقيق معايير الاستدامة.
وتفاقمت مؤخرا العديد من القضايا الأكثر تحدياً للعالم أجمع مثل أزمة تغير المناخ وجائحة كورونا وغيرهما من الأزمات التي تتطلب جهوداً عالمية مشتركة. ورغم ذلك تسعى البلدان لتصبح قادرة على المنافسة في اقتصاد عالمي سريع التغير يحظى فيه النمو الأخضر، والوظائف الخضراء، والقطاعات الخضراء بالإقبال على نحو متسارع ومتزايد. وتسعى المنظمات الدولية العالمية في دعم مستمر للدول الأقل نمواً بغية إتاحة فرصة عادلة للسكان الأكثر احتياجاً من أجل التعافي والقدرة على الخروج من دائرة الفقر. وتعد أهداف برنامج الأمم المتحدة ـلـ (التنمية المستدامة 2030م) أحد الوسائل والخطط المستقبلية للدول النامية في ذلك الاتجاه.
ويعتبر الهدف الثاني عشر من أهداف التنمية المستدامة وهو (كفالة وجود أنماط استهلاك وإنتاج مستدامة)، هدفا يرمي إلى تعزيز أنماط مستدامة للاستهلاك والإنتاج الأخير من خلال الأخذ بتدابير شتى تشمل وضع سياسات محدودة واتفاقيات دولية تُعنى بإدارة الموارد التي تُعد هامة بالنسبة للبيئة. وتساهم في توطيد القدرة التنافسية الاقتصادية والحد من الفقر وتيسير الحصول على الخدمات الأساسية، وإتاحة فرص العمل اللائق الذي لا يضر بالبيئة، عبر خفض التكلفة الاقتصادية والبيئية والاجتماعية، حيث يتزايد الاستهلاك المادي للموارد الطبيعية، وارتباط ذلك بارتفاع نسب التلوث في الهواء والماء والتربة. وتستهدف أنماط الاستهلاك والإنتاج المستدامة تحت شعار “إنتاج المزيد بشكل أفضل وبتكلفة أقل”، وذلك بهدف تحويل الاقتصاد لأنماط أكثر كفاءة في استخدام الموارد. ويرتبط تحقيق الهدف الثاني عشر من أهداف التنمية المستدامة بحسن إدارة الموارد الطبيعية والعمل على تغيير الوسائل التي يتم بها إنتاج السلع وطريقة استهلاكها بما يحقق الأمن الاقتصادي والتخلص من المخلفات الغذائية والنفايات الناتجة عنها فيما يُعرف بتخفيض (البصمة الإيكولوجية) واستعادة الحيوية البيئية.
ولكل ما تقدم يجب إدراج التخطيط البيئي والتقنيات الحديثة في برامج التخطيط الإستراتيجي الانمائي في الدول الأقل نمواً ومنها السودان، وذلك بتوفير البيانات الاساسية لتحقيق الاستخدام الرشيد للموارد الطبيعية لمنع الاستخدام الجائر وتدمير واستنزاف الموارد الطبيعية، حيث أن تنظيم وإدارة البيئة الطبيعية تتطلب تنظيما محكما يوازن بين الأنشطة البشرية ونوعية الموارد الطبيعية، بالإضافة إلى نشر ورفع الوعي المجتمعي وإدراك المسئولية في أوساط المجتمع المدني تجاه المشاكل البيئية المزمنة في الدول النامية. لذلك تتجه أهداف التنمية المستدامة في التحول من الاعتماد على رأس المال الانتاجي إلى رأس المال البشري ورأس المال الاجتماعي عبر صيانة وزيادة مخزون العمليات الإنتاجية المتمثلة في نوعية الانتاج وطريقة الاستهلاك. والأهم من كل ذلك هو صيانة الموارد، حيث أن استنزاف الموارد غير المتجددة والتوازن البيئي عنصر أساسي لضبط الموارد الطبيعية، بما يضمن طبيعة سليمة تؤمن تجديد الموارد وربطها مع الأبعاد الأساسية للتنمية المستدامة.
وتحث برامج الأمم المتحدة للتنمية المستدامة للدول الأقل نمواً إلى اعتماد الاقتصاد الأخضر رغم إدراكها لصعوبة الانتقال اليه لأسباب عديدة منها ضعف المؤشر البيئي بتلك الدول. كما أن الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر يحتاج لعمل شاق تتضافر فيه عدد من الجهات المعنية، خاصة في الدول التي تعاني من اقتصاد هش أو تدهور بيئي، أو تلك التي تكون حدودها مفتوحةً أمام العديد من البضائع المستوردة، وإنتاجها المحلي ضعيف الإمكانيات أو منعدم. وفي مثل هذه الحالات تصبح عملية الانتقال إلى الاقتصاد الصديق والمستدام للبيئة في غاية الصعوبة ومكلفة مادياً في بعض الاحيان، رغم إدراك هذه الدول أن المخرجات الإيجابية لهذا الانتقال مفيدة ومهمة على المدى البعيد وللأجيال القادمة. لذلك يجب على الحكومات البدء في تطوير الاقتصاد من ناحية القوانين والسياسات ووضع استراتيجيات وطنية لتنمية القطاعات القابلة للتحول إلى البيئة المواتية من أجل تشجيع العمل في اقتصاد مزهر وأخضر. ويعمل الاقتصاد الأخضر على توفير فرص عمل جيدة ومستقرة بدرجة كبيرة لأفراد المجتمع، تعتمد وظائفه على الأيدي العاملة الفنية المدربة، مثل العمل في تركيب الألواح الشمسية، وإنشاء المباني الخضراء، وتوليد طاقة الرياح، وإعادة التدوير، والمحميات الطبيعية للزراعة والحيوانات وغيرها. كما ويرتكز الاقتصاد الأخضر على المكان بشكل أساسي مما يسهم في توطين المواطنين في أماكنهم ويعالج مشكلة الهجرة من الريف للمدن الكبيرة والتي أصبحت تعاني من ضغط سكاني كبير أثر سلبا على تقديم الخدمات وأثر على البيئة بارتفاع نسبة التلوث فيها.
كما يسهم التعاون المستمر والمثمر بين المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني في تقديم الدعم الفني من أجل بناء القدرات المحلية ونقل التقنيات الحديثة التي تدعم المشاريع الخضراء في الدول الاقل نمواً، من خلال تبني ثقافة رشيدة للاستهلاك والإنتاج المستدام، حيث تعاني بعض الدول الأقل نمواً من هشاشة الأصول الطبيعية نتيجة للصراعات المسلحة وحركات النزوح للسكان مما يفاقم الاستهلاك الجائر لقطاعات الاقتصاد الأخضر من الأراضي الزراعية والمراعي الطبيعية ومصادر المياه، والمشاكل المزعزعة للأمن البشرى مثل تلك المتعلقة بالخلافات على الأراضي والاعتماد على الغذاء الملوث. وتؤكد هذه العوامل على الحاجة الملحة إلى استعادة الحيوية البيئية في تلك المناطق للقضاء على المشاكل المتعلقة بتحسين نوعية الموارد الطبيعية وتقليل التلوث وحماية الغلاف الجوي بصفة عامة.
ويعتبر السودان من الدول المؤهلة للانتقال إلى الاقتصاد الأخضر حيث يمتلك أهم ست قطاعات منها المباني الخضراء، والطاقة المتجددة، بكل ما فيها الطاقة الشمسية، أو طاقة الرياح، أو النقل المستدام، أو إدارة المياه، أو إدارة الأراضي، أو إدارة النفايات. ويتطلب التحول إلى الاقتصاد الأخضر مراجعة سياسات الدولة وإعادة تصميمها لتحفيز التحولات في أنماط الإنتاج والاستهلاك والاستثمار. كما تدمج في تلك السياسات الاهتمام بالتنمية الريفية بهدف تخفيف الفقر في الريف مع زيادة التركيز على الموارد الضخمة التي يمتلكها (وهي تسمى مقومات أو موارد الاقتصاد الأخضر). كما يعد الاهتمام بقطاع المياه في السودان محورا إستراتيجيا، ويتطلب ضبط استخدامه وترشيده ومنع تلوثه مزيدا من الصيانة والتثقيف، ومنع إساءة استخدامه بقوانين وتشريعات صارمة. كما يعتبر الاستثمار المستدام فيه من أوليات الانتقال إلى الاقتصاد الاخضر لرفع كفاءة قطاع الطاقة، ضمن استراتيجيات تهدف لخفض انبعاثات كربونية مفرطة في مجال التنمية الصناعية، واعتماد تكنولوجيـات الإنتـاج الأنظف، بحيث تتوافق مع تهيئة بيئة نظيفة تقلل من التلوث الجوي وآثاره السلبية على المواطنين في دولة تنخفض فيها مؤشر الرعاية الصحية .
nazikelhashmi@hotmail.com

التعليقات مغلقة.