الإعلان السياسي وانحراف المسار

الإعلان السياسي وانحراف المسار
  • 28 ديسمبر 2021
  • لا توجد تعليقات

تقرير: عبد القادر جاز

من الملاحظ أن الإعلان السياسي الذي تم الإعلان عنه مؤخرا قد أحدث شرخا بين قوي إعلان الحرية والتغيير من واقع ازدياد احتجاجات الشارع السوداني، بدليل أن المليونيات قد تنامت في الفترة الأخيرة بصورة ملحوظة، هل من محصن للبلاد من الانفلاتات الأمنية ومظاهر العنف الزائدة في فترة الانتقال الثانية؟ ..و التعقيدات وضبابية الرؤية في المشهد السياسي السوداني ، ألا ترى أن ذلك قد يؤدي إلى عدم قيام الانتخابات في موعدها المحدد من واقع أن السجل الانتخابي لازال معلقا بجانب عدم سماعنا أي شيء عن المفوضية ؟ أم هنالك سيناريو مختلف نتوقعه؟

ربكة المشهد:

أكد د. الريح محمود رئيس حركة تحرير السودان أن ما حدث في يوم (21) أكتوبر قد احدث ربكة في المشهد السياسي، وقلل من جهود البرهان وحمدوك في معالجة اختلالات ما أحدثته الخطوة الانقلابية بصورة خاطئة، ووصف الإعلان السياسي المطروح بأنه مجهول الأبوين، وتباين الآراء حوله، مرجحا بأن هذه التباينات نتيجة لعدم وضوح الرؤية ما بعد انقلاب الـ25 اكتو بر، معتبرا أن الإعلان السياسي ما بين البرهان وحمدوك لا يعالج المشكلة بل يعقدها بدليل ازدياد موجة الاحتجاجات الشارع بما يسمى بالمليونيات، واقر الريح بأن موكب 19 ديسمبر كشف عن توازنات القوى ما بين الشارع والعسكر بواقع وصول الموكب إلى القصر بمعاونة بعض العسكر، مبينا أن الحل الأنجع لحمدوك إجراء حوار مع القوى السياسية في كيفية التوصل إلى حلول مرضية، قائلا كلما مر الوقت تضيق الفرص على حمدوك، متمنيا أن يعود حمدوك إلى العمل السياسي بصورة جادة ومنطقية، أردف بقوله إن التحالف ما بين العسكر والقوى السياسية يجب بناؤه وتطويره ، موضحا بأن واقع حراك الشارع يشير إلى الممارسة الخاطئة في تنفيذ الوثيقة الدستورية.

المتوقع:

قال الريح إن ما حدث من اتفاق ما بين البرهان وحمدوك لم يكن متوقع على الإطلاق، والمتوقع أن يجلس حمدوك مع القوى السياسية لمعالجة الخلل في الفترات الماضية، معربا عن بالغ أسفه لخروج حمدوك من محبسه إلى القصر الجمهوري موقعا على الاتفاق، مما ساهم في انقسام القوى السياسية والشارع، مبرهنا أن ما يلاحظ من احتجاجات و مواكب مستمرة يتأكد له بأن الغالبية العظمى للشارع السوداني رافضة رفضا قاطعا لهذا الاتفاق الإطاري، كاشفا بأن المواكب رغم سليميتها خلفت العديد من القتلي والجرحى، وأعتبر الريح أن هذا الوضع يحتاج إلى إدراك بصورة سريعة، لمصلحة البلاد، دعا إلى ضرورة إيقاف عمليات النهب والقتل في جميع ولايات السودان، واعترف بالحوار يمكن أن نصل إلى الاستقرار والأمان والسلام في البلاد.

الظروف الغير مواتية:

أعتبر الريح أن الذين يتحدثون عن انتخابات مبكرة ما هي إلا فريه وكذب لا يتماشى مع الوضع الراهن بالبلاد، وأضاف أن الانتخابات تحتاج إلى بيئة تسود فيها عملية الاستقرار بالذات في منطقتي إقليم دارفور وجنوب كردفان، متسائلا أين قانون الانتخابات وإحصائيات التعداد السكاني والميزانيات، هل يوجد توافق حول إجراء الانتخابات في ظل هذه الظروف الغير مواتية لأي إشكاليات محتملة بواقع انتشار السلاح ؟ مستطردا بقوله إن الحديث عن الانتخابات كذب ، ودعا إلى ضرورة التركيز على إتباع الإجراءات السليمة التي تساهم في تحقيق العملية الديمقراطية بالصورة المطلوبة.

الاختزال المطالب:

أكد د. محمد علي تورشين المحلل الأكاديمي والسياسي بأن الإعلان السياسي قادة إلى انقسام القوى السياسية السودانية ما بين مؤيد ومعارض، مشيرا إلى أن هذا الانقسام سيولد العديد من الإشكاليات المترتبة على انعكاس تراكم الأزمات على المشهد السياسي الراهن، بدليل سيفقد الشعب السوداني ثقته عن الأحزاب السياسية على واقع مجريات الأحداث التي تمر بها البلاد، قال تورشين بلا شك أن هذه الاحتجاجات الشبابية التي تعكس توجهات الكثير من الشعب السوداني نحو سبيل تحقيق التحول الديمقراطي المنشود، منوها أن القوى الثورية الشبابية لن تتفق مع الأحزاب باعتبار أنها اختزلت مطالبها في أول توقيع على الوثيقة الدستورية دون القدرة على تحقيق الكثير من المشاكل وتوحيد الصف داخل الحرية والتغيير وخروجها عن الميثاق الوطني، مؤكدا بأن هذه الاحتجاجات ستستمر بهذه الوضعية، موضحا فيما يخص الانفلات الأمني على القيادات الوطنية بضرورة التصدي لأي تتداخلات تؤدي إلى خلق مزيدا من القتلي الجرحى للمتظاهرين.

غير مجدية:

أقر تورشين بالرغم من أن العديد من الأحزاب السياسية لم يتحدثوا عن الانتخابات وارتباطها بعودة النازحين واللاجئين وقيام المفوضية والتعداد السكاني وكل الإجراءات الفنية المتعلقة بذلك، في هذا الخصوص يري تورشين أن من الصعوبة التوصل إلى اتفاق مرضي في ظل هذه المؤشرات غير ملائمة مع المشهد الضبابي، مبرهنا إذا قدر أن تجري انتخابات في هذا التوقيت ستكون غير مجدية، مؤكدا أن الحل في مشكلة السودان تتمثل في الانتخابات غير معيبة لتحقق أغراض جماعات معينة، بل انتخابات يتمخض عنها حوار جامع يتوافق عليه جميع القوى السياسية وحركات الكفاح بلا استثناء لأحد، مبينا أنه من أنصار أن تكون هنالك انتخابات برلمانية أولا لمناقشة كافة القضايا المصيرية المرتبطة بالشأن الدستوري ونظام الحكم وترسيم الحدود والعلاقات الخارجية وخلافه من المسائل.

الغربال:

نفي الأستاذ نور الدين نائب أمين أمانة السياسات العامة لحزب المؤتمر السوداني وجود شرخ داخل قوى الحرية والتغيير أو القوى الحية، مضيفا أن أهم ما يميز الاتحاد العسير الذي تمر به ثورة الـ25 أكتوبر بأنها بمثابة الغربال الذي يميز الخبيث من الطيب، موضحا أنهم أمام معسكرين: معسكر يؤمن بالتحول المدني الديمقراطي، والأخر اختار أن ينحاز لصف القوى الانقلابية، وبالتالي غاب اللون الرمادي، مشيرا إلى أن المعسكر المؤمن بالتحول الديمقراطي يكاد تكون الخلافات والتباينات بين القوى التي تشكله تضاءلت إلى درجة التلاشي، مضيفا أن الشارع السوداني أكثر وحدة وعزيمة في سبيل إسقاط السلطة الانقلابية من أي لحظة مضت في تاريخ النضال السوداني.

اتخاذ المواقف:

أكد نور الدين أن القوي الثورية ستسارع في توحيد صفوفها ومتطلباتها لإنهاء هذه الفترة التي عطلت مسار التحول المدني الديمقراطي، منوها أن الأجهزة العسكرية والشرطية والأمنية مهمتهم خدمة الشعب السوداني، بعيدا عن المزيدات والخلافات السياسية، داعيا هذه الأجهزة بضرورة التسارع في اتخاذ المواقف الصحيحة والانحياز لإرادة الشعب السوداني، وأردف قائلا نحن على الإطلاق لا نحمل تبعات الـ25 أكتوبر للمؤسسات العسكرية بأكملها، مضيفا أنهم يؤمنون بوجود تيار يؤمن بالدولة المدنية الديمقراطية وبالدور الذي يقوم به أي جيش في العالم، موضحا بأنهم يدركون تماما بان مثل هذه الإشكاليات سببها السياسيون داخل المكون العسكري.

مطامع سياسية:

وأوضح نور الدين أن ما حدث سيؤثر في كثير من الأجندة التي يجب أن تضطلع بها الفترة الانتقالية، قائلا إذا أردنا أن نبحث عن انتخابات علينا أن لا نكرر تجربة العهد البائد، مبينا أنهم يريدون انتخابات تحقق الاشتراطات الأعلى من حيث النزاهة الإجرائية والموضوعية، مشيرا إلى أن هذا لم يتحقق في العهد البائد وتحت رعاية السلطة الانقلابية، مؤكدا أن السلطة الانقلابية ذات مطامع ومصالح سياسية واضحة منذ أمد بعيد، بجانب محاولتها وضع نفسها في الموضع السياسي الخاطئ ، ولفت إلى أن كل ما يجري يهدف لعرقلة مسار التحول المدني الديمقراطي التي تمضي بسيد الطرق والطموحات من المكون العسكري.

توسيع المشاركة:

قالت الدكتورة زينب علي أحمد البشير كاتبة صحفية إن الحديث عن الإعلان السياسي يقودنا إلى ضرورة الحديث عن الوضع ما قبل تأسيس قوي إعلان الحرية والتغيير ومكونات سياسية أخرى، وكشفت أن هذه القوى السياسية تضم عددا من النقابات المهنية المتمثلة في تجمع المهنيين الذي يضم ما يقارب الـ17 نقابة سودانية مختلفة، وتم تأسيسه في أكتوبر للعام 2012م، مؤكدة أن جميع القوى السياسية المناهضة لنظام الإنقاذ متوافقة على إسقاط نظام عمر البشير، معيبة أن هذه القوى السياسية بعد تحقيق هدفها خرج الحزب الشيوعي من التجمع، وجمد حزب الأمة نشاطه، وانقسم تجمع المهنيين، وسيطر بعض منسوبي حزب الأمة وحزب المؤتمر السوداني والبعث العربي والتجمع الاتحادي على زمام الأمور، مبينة أن هذه الوضعية جعلت بقية المكونات السياسية في قوي الحرية والتغيير خارج التشكيلة. فتجمعوا من أجل توسيع قاعدة المشاركة في توزيع السلطة، مرجحة بأن هذه القوى السياسية تكمن أهدافها في توسيع دائرة المشاركة، فوجدت الرفض القاطع منذ البداية من مجموعة الـ4، مشيرة إلى أن ذلك قاد إلى تأسيس تجمع جديد عرف بـ”قحت” بمجموعة العودة إلى التأسيس.

ثوب المطالبة:

وأوضحت أن مجموعة الـ4 عند نشوب خلافاتها مع المكون العسكري بمطالبتها القصاص في مجزرة القيادة العامة، ووصفت الخلاف شبيه بما حدث بين سيدنا علي وسيدنا معاوية، مدللة على أن الخلاف سياسي لا يرتقي إلى خلاف ديني، فيما يرى علي بن أبي طالب أن تستقر أوضاع الدولة بتولي خليفة حتى يكون من السهل بقتله سيدنا عثمان، باعتبارهم كثر ولهم أعوان، فيما وجهة نظر سيدنا معاوية فكانت استقرار الدولة مرهونة بقتل قتلة سيدنا عثمان قبل تولي الخلافة ، موضحة أن هنا ظهر المطالبون بدم عثمان في ثوب المطالبة بدم الشهداء.

زواية مختلفة:

أكدت زينب أن تطور الأحداث هو الذي عجلت إصدار قرارات البرهان بمسمى تصحيح مسار الثورة، فوصفتها بأنها نزلت بردا وسلاما على الخلافات، معتبرة أن الإعلان السياسي ما بين البرهان وحمدوك شبيه بحكاية التحكيم بين سيدنا علي وسيدنا معاوية، باعتباره حمال أوجه يمكن أن يفسره أي شخص بزاوية مختلفة، وكشفت أن البعض يعتبر أن هذا الإعلان السياسي يحقن الدماء والبعض يراه معركة في غير معترك، مستطردة بقولها بهذه الوضعية من الطبيعي أن يحدث شرخ بين قوى الحرية والتغيير، مشيرة بهذا الخصوص إلى ما حدث من نتائج في قصة التحكيم بين سيدنا علي سيدنا معاوية بالتحديد، قائله بالفعل استمر تسيير المواكب، لكن الواضح أن مجموعة الـ٤ فقدت موقعها لقيادة تلك المواكب بدليل طرد قياداتها.

التعليقات مغلقة.