في خطبة العيد.. أمين شؤون الأنصار: لا شرعية لأي نظام يقوم على الانقلاب والقهر

في خطبة العيد.. أمين شؤون الأنصار: لا شرعية لأي نظام يقوم على الانقلاب والقهر
  • 03 مايو 2022
  • لا توجد تعليقات

الخرطوم - التحرير

ألقى الأمير عبدالمحمود أبو الأمين العام لهيئة شؤون الأنصار خطبة عيد الفطر المبارك 1443هـفي ساحة مسجد الهجرة بود نوباوي، وهي خطبة موحدة تلقى في كافة مساجد الأنصار بالسودان.

وأكد عبدالمحمود في خطبته أن “نظام الحكم الصالح للسودان هو النظام الديمقراطي التوافقي الذي تختاره الأغلبية وتراعي فيه حقوق جميع مكونات المجتمع دون هضم أو إقصاء؛ إن شرعية الحكم تُكْتَسَبُ برضا أهل السودان واختيارهم الحر؛ وعليه فأي نظام يقوم على الانقلاب والقهر لا شرعية له ومرفوض دينيا وإنسانيا ووطنيا”.

وتناولت الخطبة عدداً من القضايا المهمة في داخل السودان وخارجه,

هنا الخطبة كاملة:


أعوذ بالله من الشيطن الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد
الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، والصلاة والسلام على نبي الرحمة الذي خاطبه ربه قائلا: ” يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ”
أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز:
العيد مبارك عليكم: بالأمس انقضى شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، وشاءت حكمة الله أن تأتى أعياد المسلمين بعد الفراغ من عبادة عظيمة، تزكو فيها الأنفس، وتسمو فيها الأرواح، وتتطهر فيها الأبدان؛ لتفرح وترتاح وتتعرض لنفحات ربها في يوم العيد.
إننا في هذا اليوم نفرح بأن وفقنا الله على الصيام والقيام والفدية لأصحاب الأعذار.
ونقول:
إن ديننا الخاتم جاء ملبيا لمطالب الفطرة العشرة: الروحية والمادية والمعرفية والاجتماعية والخلقية والعاطفية والفنية والعقلية والرياضية والبيئية؛ وموفقا بين الثنائيات التي شغلت الفكر الإنساني، ومراعيا لطبيعة الإنسان فرفع عنه الإصر والأغلال وكلفه في حدود الطاقة والاستطاعة، ومواكبا لتطورات الحياة فجاءت أحكامه ملائمة لكل حالة. إنه دين منزل من الخالق؛ ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير؟
أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز:
العبادات في الإسلام وسيلة تقربٍ بين العبد وربه، وأداة تزكية للنفوس، ولها دور إصلاحي؛ فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، والزكاة تحارب الشح وتحقق التكافل بين الناس، والصوم أداة تهذيب للنفوس وتزكية للأرواح، والحج المبرور لا رفث فيه ولا فسوق ولا جدال.
العبادات أداة اتصال بين العبد وربه، ووسيلة تهذيب وإصلاح، وسُلَّمُ ترقٍّ إلى عالم الملكوت، فلا يقف المؤمن عند أشكالها وصورها؛ بل ينفذ إلى معانيها ومقاصدها. يقول الإمام المهدي عليه السلام: “فلا توقفنا مع رؤية الطاعات والدعوات، ولا مع النظر إلى شيء من كافة المخلوقات؛ بل أخرجنا إليك، راضين بك مؤثرين لك على كل شيء، يامن لا يعجزه شيء اجعلنا عبيدا لك، مكتفين بك، واقفين مع الأمر منك من غير حجاب به عنك” ويقول: “فلا يكون لنا التفات إلا إليك ولا إقبال إلا عليك ولا هم إلا بك يامن بك كل قوة وعمل”.
أحبابي في الله
شهر رمضان ارتبط بالصيام والقيام وتلاوة القرآن وزكاة الفطر والإكثار من الصدقات؛ فهو موسم تجديد وإصلاح وتنقية للنفوس مما يلحق بها من أدران، والحكمة من الصيام تتمثل في الآتي:
أولا: الامتثال لأمر الله بتنفيذ أوامره واجتناب ما نهى عنه، حتى ولو لم نعرف أسباب الأوامر والنواهي؛ فهو سبحانه وتعالى لا يُسأل عما يفعل، قال صلى الله عليه وسلم:” قال الله: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم”
ثانيا: كسر سلطان العادة والتدريب على الصبر. ففي كل شهور العام يكون الإنسان ملتزما ببرنامج ثابت؛ يتناول فيه الأطعمة والأشربة ويمارس حياته الطبيعية، فأراد الله له أن يغير عادته في شهر رمضان فكلفه بالامتناع عن المباحات في أيام معدودات؛ ليختبر صبره وعزيمته، واستعداده لتنفيذ أوامر الله؛ وبذلك يتعلم الصبر ويتمكن من السيطرة على شهواته ومخالفة هواه قال تعالى:” وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى”
ثالثا: الإنسان مخلوق من طين وفيه قبس من روح الله؛ وكلا العنصرين يحتاج إلى الغذاء؛ فالجانب الطيني يُغَذَّى بالماديات، والجانب الروحي يُغَذَّى بالإيمان والذكر والتفكر والتأمل والصيام؛ والجانب الروحي مهم في ضبط حركة الإنسان واستقامته.
ياخادم الجسم كم تشقى لخدمته أتطلب الربح مما فيه خسران
أقبل على النفس واستكمل فضائلها فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان
رابعا: للصوم دور اجتماعي؛ يتمثل في إطعام الفقراء والمحتاجين، وصلة الأرحام والتوسع في الصدقات وأبواب البر؛ والملاحظ أن هنالك ربط بين العبادات والتكافل الاجتماعي قال تعالى:” أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ اليَتِيمَ وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ المِسْكِينِ فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ”.
خامسا: القرآن كلام الله المعجز وهو آخر كتب الله نزولا؛ وله ارتباط بشهر رمضان ففيه أنزل وفيه يكثر المسلمون من تلاوته وتدبره، وكثير من المساجد تقيم صلاة التراويح بجزء من القرآن فضلا عن التهجد في العشر الأواخر. لقد جعل الله القرآن كتاب هداية للأمة قال تعالى:” شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهُدَى وَالْفُرْقَانِ”.
سادسا: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين، وارتباط زكاة الفطر بالصيام تؤكد البعد الاجتماعي للعبادات.
سابعا: الإسلام له وسائل خاصة لمحاصرة نزعة الانحراف عند الإنسان؛ تلك الوسائل هي: الإيمان والعبادات والأخلاق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتوفير الضرورات ثم العقوبة. إنها وسائل فعالة أثبتت جدواها في تهذيب النفوس وإصلاح المجتمعات؛ يؤكد ذلك التغيير الكبير الذي أحدثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المجتمع الجاهلي حيث حول المزاج العربي من التعلق بالعصبية التي سطرها عمرو بن كلثوم في قصيدته:
ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا
لنا الدنيا ومن أضحى عليها ونبطش حين نبطش قادرينا
بغاة ظالمين وما ظلمنا ولكنا سنبدأ ظالمينا
إذا بلغ الرضيع لنا فطاما تخر له الجبابر ساجدينا
إلى أخلاق: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ).
أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز:
رسالة الإسلام الخاتمة جاءت متضمنة أحكاماً، تلبي حاجات الإنسان الفطرية، وتنظم جميع علاقاته الضرورية: علاقته بخالقه، وعلاقته ببني جنسه، وعلاقته بالمخلوقات الأخرى -حيوانات وجمادات-، وعلاقته بالأرض التي هبط إليها -بكل موجوداتها التي تعيش على سطحها، وتلك المكنونة في باطنها-، وعلاقته بالفضاء والآيات المبثوثة فيه، وبكلمة جامعة: جاءت رسالة الإسلام الخاتمة منظمة لعلاقات الإنسان بالكون والحياة والأحياء؛ ليقوم بالوظيفة التي خُلِق لأجلها؛ تنفيذاً لأمر الخالق (، واستكشافاً لحكمته في الخلق. وعليه فإن أحكام الإسلام كلها تهدف إلى تحقيق مصالح الإنسان في الدنيا والآخرة. قال الإمام ابن القيم رحمه الله: فالشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد وهي: عدل كلها ورحمة كلها، ومصالح كلها. فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل.
الحديث:
عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربِه عز وجل أنه قال: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضالّ إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أُطعمكم، يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليلِ والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إِنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجرِ قلب واحد منكم ما نقص من ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عِبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه».
رواه مسلم.
يغفر الله لي ولكم وللمسلمين.

الخطبة الثانية
الحمد لله الوالي الكريم والصلاة على سيدنا محمد وآله مع التسليم
وبعد
أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز
بلادنا أكرمها الله بكل مقومات النهضة والتقدم، ولكنها ابتليت بعوامل حرمتها من الاستقرار، وأقعدتها عن التقدم، وجعلتها مكان تندر بين الشعوب؛ تلك العوامل هي: سوء الإدارة، والاستبداد السياسي، وغياب المشروع الوطني، وإعلاء الانتماءات الضيقة على الولاء الوطني، وضعف التربية الوطنية، وسيطرة نزعة الإقصاء، وتضخيم الذات؛ وغيرها من العوامل التي كانت السبب وراء الحروب المتعددة، وإعاقة قيام الحكم الراشد، وتلوث البيئة، والتفلتات الأمنية التي انتشرت بصورة غير مسبوقة.
إن التشوهات في الساحة السياسية والاجتماعية والاقتصادية ازدادت بعد الثورة وتعمقت بعد انقلاب 25 أكتوبر؛ مما يؤكد عمق الأزمة الوطنية التي لن تعالج مالم تشخص أسبابها الحقيقية وتحدد مغذياتها ويتم التوافق على وسائل علاجها.
أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز
إن مسيرة التدافع الوطني تؤكد أن هنالك ثوابت وطنية غُذِّيَتْ بالجهاد والنضال والتضحيات؛ وهي ثوابت لا يمكن التنازل عنها فهي مشارع الحق التي ضحى في سبيلها سلفنا وواصل الجيل الحالي العمل وقدم تضحيات غالية من أجل حراستها تلك الثوابت تتمثل في الآتي:
أولا: صيانة كرامة الإنسان ورعاية حقه في الاعتقاد والتعبير، وكفالة كافة حقوقه الإنسانية المنصوص عليها في الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، والتي منحه الله إياها بقوله: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً).
ثانيا: الالتزام بالمواطنة أساسا للحقوق والواجبات حقا مكفولا لكل المواطنين باختلاف عقائدهم وثقافاتهم وأعراقهم، وبموجبها لكل مواطن سوداني الحق في التوظيف وتولي المناصب والمشاركة وفق شروط ومعايير كل وظيفة ومسئولية.
ثالثا: إن هوية الشعب السوداني شكلتها الثقافات السودانية بتعدد مشاربها، والدين الإسلامي بمدارسه المختلفة، والدين المسيحي بطوائفه الثلاثة، والديانات الأفريقية بطقوسها المتعددة، والإنسانيات السودانية التي تَمَيَّز بها أهل السودان؛ هذه الهوية السودانية القائمة على التنوع والتعدد ينبغي مراعاتها والمحافظة عليها والتعامل معها بوعي واحترام.
رابعا: نظام الحكم الصالح للسودان هو النظام الديمقراطي التوافقي الذي تختاره الأغلبية وتراعي فيه حقوق جميع مكونات المجتمع دون هضم أو إقصاء؛ إن شرعية الحكم تُكْتَسَبُ برضا أهل السودان واختيارهم الحر؛ وعليه فأي نظام يقوم على الانقلاب والقهر لا شرعية له ومرفوض دينيا وإنسانيا ووطنيا.
خامسا: بعد التجارب المرة التي عاشها السودان؛ ترسخت قناعة لدى أغلبية السودانيين أن النظم الشمولية هي التي أقعدت بالبلاد عن النهوض؛ فالخدمة المدنية والاقتصاد والأجهزة العدلية والقوات النظامية والعلاقات الخارجية وكل مقومات الدولة الحديثة بنتها وحافظت عليها النظم الديمقراطية وأضعفتها النظم الشمولية؛ لذلك صار مطلب أهل السودان هو إقامة نظام مدني يحكمه دستور يختاره الشعب بإرادته الحرة وتلتزم كل أجهزة الدولة باحترامه والخضوع للقوانين الصادرة وفقه.
سادسا: علاقات السودان الخارجية يجب أن تؤسس على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة وتبتعد عن المحاور والانحياز والتحالفات المضرة بالمصالح الوطنية.
أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز:
فجعت بلادنا بالأحداث المؤسفة التي وقعت في منطقة كرينك في ولاية غرب دار فور والتي أزهقت فيها أكثر من مائتي نفس بريئة؛ إننا نترحم على أرواح الشهداء ونسأل الله الشفاء للجرحى ونناشد أهلنا أن يراعوا حرمة النفس وأن يتدخل العقلاء لإيقاف حمامات الدم الحرام ولترسيخ ثقافة التعايش السلمي بين الجميع؛ إن ما حدث يؤكد أن هنالك قصور من الجهات المختصة في المحافظة على أمن المواطنين.
والقصور ظهر أيضا في العاصمة حيث انفرط عقد الأمن وانتشرت ظاهرت ما يسمى بتسعة طويلة بصورة تؤكد أن هناك تساهل في التعامل معها مما اضطر المواطنين لحماية أنفسهم ووقعت حوادث في هذا المجال لا تليق بدولة لديها أجهزة شرطية وأمنية مسئولة عن حماية المواطنين.
أحبابي في الله وإخواني في الوطن العزيز:
كانت ثورة السودان في ديسمبر عظيمة؛ استعادت صورة السودان الزاهية وعبرت عنها في شعاراتها التي جسدت القومية السودانية (يا العنصري المغرور كل البلد دار فور) و(كان عندك خت وكان ما عندك شيل) و(أرفع إيدك فوق التفتيش بالذوق)؛ تلك الشعارات التي عبرت عنها أبلغ تعبير أيقونة الثورة(حرية سلام وعدالة)، ولكن جاءت جريمة فض الاعتصام فوأدت الحلم، وأحدثت جرحا غائرا في جسد الوطن لا زلنا تعيش آثاره ونكتوي بآلامه؛ ومع انتصار الثورة انكشفت كل أزمات الوطن التي أخفاها النظام الشمولي فتورمت وانفجرت في عهد الفترة الانتقالية.
إن حكومة الفترة الانتقالية تشكلت في ظروف غير طبيعية وصحبتها عيوب أساسية شلت حركتها:
العيب الأول: الحاضنة السياسية لم تكن على كلمة واحدة؛ حيث لم تتفق على الخطاب السياسي القومي الذي يتلمس قضايا الوطن الأساسية، ولم تتفق على خارطة طريق محددة واضحة المعالم، ولم تحسم موضوع هياكلها ولوائحها الحاكمة لعملها، وغلب عليها الاصطفاف الأيديولوجي ونظرة المحاصصة.
العيب الثاني: أن شراكة المكون المدني والمكون العسكري تمت بضغوط إقليمية ودولية، في ظل أجواء مشحونة بمشاعر جريمة فض الاعتصام، فظلت الثقة بينهما ضعيفة والعلاقة بينها يشوبها الحذر والتوجس.
العيب الثالث: لم تلتزم الحكومة بمعايير الكفاءة والخبرة في اختيار الوزراء، مع غياب البرنامج الواضح، وتحديد المسئوليات، والتنسيق بين مؤسسات الدولة؛ بل ترك كل ذلك للاجتهادات الشخصية، فاستغل بعض المسئولين مناصبهم لتمرير أجنداتهم الأيديولوجية، مما أظهر الحكومة كأنها جاءت لتغيير هوية الأمة ومحاربة قيمها وثقافتها وعقيدتها؛ وهذا بدوره ساعد في تفجر الأزمات بصورة شلت مسيرة الانتقال.
العيب الرابع: التغيير الذي تم؛ اقتصر على إزالة رموز نظام الإنقاذ فقط. بينما ظل النظام المخلوع باقيا بأجهزته وقوانينه وأشخاصه؛ يسير دولاب الدولة ويعيق أي جهود إصلاحية، بل يفتعل الازمات ويعطل قرارات الجهاز التنفيذي.
العيب الخامس: بعض العسكريين لم يتحرروا من نزعة الوصاية، وبعض المدنيين لم يتحرروا من نزعة اختطاف الثورات؛ فسمموا الأجواء بتصريحات وسعت الشقة بين المدنيين والعسكريين، وساعدت في خلق الأزمات.
العيب السادس: اتفاقية جوبا وقعت في نفس الخطأ الذي تم في اتفاقية نيفاشا حيث اقتصر التفاوض بين الحكومة والحركات دون مشاركة القوى السياسية والخبراء، وأدخلت فيها مسارات أشعلت الفتنة في الشرق والوسط، وانشغل المفاوضون بموضوع المحاصصات في الثروة والسلطة وأهملت قضية المتضررين من الحرب والتحول الديمقراطي والترتيبات الأمنية.
العيب السابع: الوثيقة الدستورية تمثل دستور الفترة الانتقالية؛ وقد نصت على مهام الفترة الانتقالية، وحددت مدتها، ونصت على قيام المجلس التشريعي، ومجلس القضاء العالي، والمحكمة الدستورية، وإثني عشر مفوضية؛ ولكن الحكومة بمجلسيها السيادي والتنفيذي لم تعط الوثيقة الدستورية قوتها فصارت عرضة للتعديل ولم يتم تنفيذ ما أمرت به من تشكيل المجلس التشريعي والمحكمة الدستورية وعدد من المفوضيات المهمة.
إن هشاشة التكوين القومي لبلادنا، ورخاوة مؤسسات الدولة الحديثة فيها، وتقاصر قدراتها الاقتصادية عن تلبية ضرورات الحياة، مضافا إليها العيوب التي صاحبت الفترة الانتقالية؛ كل هذه العوامل شوهت الفترة الانتقالية، وأصيب الشعب بالإحباط بالرغم من تفاؤله بالإنجازات الكبيرة التي تحققت ومنها: رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وإلغاء الديون ودخول السودان في قائمة الدول المستحقة لتعامل المؤسسات الاقتصادية الدولية معها؛ استغل الشموليون هذا المناخ فشجعوا ظاهرة الانفلات الأمني، والاصطفاف القبلي والمناطقي، ونشر الاشاعات والأكاذيب واستغلال الحريات لممارسات تخريبية بقصد تهيئة المناخ للعودة إلى عهد الشمولية.
وجاء انقلاب 25 أكتوبر فزاد الطين بلة؛ فألغيت الشراكة، وتعطل دولاب الدولة، وقمعت المظاهرات السلمية، وأزهقت عشرات الأنفس، وفتحت المعتقلات، وتوقفت الإصلاحات الاقتصادية، وحجبت المعونات الدولية، وصارت البلاد مشلولة تماما، وأصبح الموقف مأزوما ومعقدا، وحدث اصطفاف باعد بين المواقف فهل من مخرج؟
إننا من هذا المنبر نناشد كافة الأطراف أن يغلبوا صوت الحكمة وأن يراعوا مصلحة الوطن وأن يدركوا أن البلاد على حافة الانهيار مما يتطلب تنازلا من الجميع للوصول إلى قاسم مشترك يجنب بلادنا الفتن.
ونقدم الروشتة الآتية مساهمة منا في تقريب وجهات النظر للخروج من المأزق الحالي الذي تعيشه بلادنا:
أولا: نرحب برفع الظلم عن المعتقلين وإطلاق سراحهم ونطالب بإطلاق بقية المعتقلين ومزيدا من إجراءات بناء الثقة مطلوب إلغاء حالة الطوارئ، وإلغاء كافة الإجراءات التي تسمح بالاعتقال السياسي خارج دائرة النظام القضائي العادل المتعارف عليه.
ثانيا: فتح صفحة جديدة تعالج بها عيوب الفترة الانتقالية وتناقش مخاوف كافة الأطراف بشفافية، والتوافق على كيفية التعامل معها لتنقية المناخ السياسي من كافة المنغصات ومعالجة كافة القضايا التي تعيق مسيرة الانتقال.
ثالثا: الترحيب بالآلية الثلاثية والعمل تحت مظلتها لتأسيس منصة جديدة بمشاركة أصحاب المصلحة من القوى السياسية وقوى الثورة والحركات المسلحة للاتفاق على حاضنة جديدة تسد الثغرات التي شلت الفترة الانتقالية من أداء عملها وتحقيق أهدافها.
رابعا: الاتفاق على خارطة طريق واضحة لما تبقى من الفترة الانتقالية يحدد فيها المشروع الوطني السياسي الذي تلتزم به الحكومة الانتقالية التي يتم الاتفاق عليها، وتلتزم به الحاضنة السياسية المتفق عليها، ويتم تشكيل كافة المفوضيات والمؤسسات المعطلة، ويتم الاتفاق على برنامج الفترة الانتقالية بصورة محددة وواضحة وآليات تنفيذه والسقف الزمني لتنفيذ كل برنامج.
خامسا: العمل الجاد على إيقاف الدماء الحرام التي تسيل والأرواح التي تزهق؛ إن انتشار الحروب وتفاقمها يؤكد وجود خلل في العلاقات بين الناس وهنالك عوامل احتقان، وهنالك ضعف في الأجهزة المسئولة عن توفير الأمن والسلام للمواطنين المطلوب: تكوين آلية مؤهلة لفض النزاعات تشكل من كافة الجهات المعنية وتوفر لها الإمكانيات اللازمة وتعطى كافة الصلاحيات التي تمكنها من أداء مهامها
سادسا: معالجة قضايا النازحين واللاجئين وضحايا الحروب تحتاج إلى قيام مفوضية خاصة بالاتفاق مع الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والمانحين من الأشقاء والأصدقاء. إن وجود المواطنين في معسكرات النزوح واللجوء أحد مهددات الاستقرار في السودان لابد من إعطاء أولوية لهذا الجانب ولا يتم ذلك إلا باستكمال عملية السلام بالاتفاق مع حركتي عبد الواحد والحلو واستكمال الترتيبات الأمنية مع الحركات الموقعة على اتفاقيات السلام.
سابعا: هنالك ضرورة للتعجيل بقيام المؤتمر القومي الدستوري لحسم القضايا المختلف حولها تسبقه مؤتمرات متخصصة تناقش كافة القضايا محل النزاع للتوافق عليها وتصفية المناخ السياسي من كافة الأسباب المفرخة للأزمات لينطلق أهل السودان لبناء الوطن على أسس جديدة متوافق عليها.
إن ثورة ديسمبر المجيدة أرست قيما عظيمة ووحدت وجدان الشعب السوداني حول الوحدة والكرامة والعدالة والسلام وهي ثورة مستمرة لن تتوقف حتى تحقق كافة مطالبها؛ إن شعبنا يولد من جديد وهو يعيش في مرحلة تحول تاريخي يرجى أن تعالج فيها كل الأزمات التي أقعدت بالوطن ويتحرر فيها الشعب من الاستبداد والقهر ليقيم نظاما مدنيا ديمقراطيا يختاره بإرادته الحرة.
ولا بد من صنعاء وإن طال السفر.
أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز
إن حرب روسيا على أوكرانيا مؤشر على تحول في العلاقات الدولية فروسيا تحتل مقعدا دائما في عضوية مجلس الأمن ضمن الدول الخمسة دائمة العضوية وهي من الدول العظمى التي تملك أسلحة الدمار الشامل، وموقعة على المواثيق الدولية الداعية للمحافظة على الأمن والسلم الدوليين بل أحد حراسها، ومع ذلك اجتاحت أوكرانيا مما يؤكد أن منطق القوة والمصالح تغلب على منطق المبادئ والمواثيق؛ ندعو لإيقاف هذه الحرب والعودة إلى حسن الجوار واحترام المواثيق الدولية الداعية إلى حفظ الأمن والسلم الدوليين.
أحبابي في الله وإخواني في الوطن العزيز
ندين الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على المسجد الأقصى والحرم الابراهيمي وندعو إلى احترام حق الفلسطينيين في العيش الكريم في بلادهم وإقامة شعائرهم وإنهاء الاحتلال الصهيوني الظالم.
أحبابي في الله
في إطار تنفيذ وصية الحقاني عليه من الله الرحمة والرضوان؛ شكل مجلس الحل والعقد لهيئة شؤون الأنصار اللجنة العليا للترتيب لعقد المؤتمر الثاني للهيئة الذي يرجى أن يجدد الأجهزة ويتخذ قرارات مهمة تصب في تطوير الهيئة ومواصلة تجديد خطابها إن شاء الله.
أحبابي في الله وإخواني في الوطن العزيز
إني داع فأمنوا
اللهم إنا نسألك في هذا اليوم المبارك أن تغفر ذنوبنا وتستر عيوبنا وتشفي مرضانا وترحم موتانا؛ الله تقبل صالح أعمالنا ووفقنا لما تحبه وترضى، الله أحقن دماء أهل السودان وهيئ لنا مخرجا سلميا متوافقا عليه؛ اللهم هيء لنا من أمرنا رشدا
أحبابي في الله وإخواني في هذا الوطن العزيز
هذا اليوم يوم تصافي وتعافي فتصافوا وتعافوا، اللهم اجعلنا من الذين تجري من تحتها الأنهار في جنات النعيم، دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين.
العيد مبارك عليكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

التعليقات مغلقة.