عن السر قدور نحكي (9): قدور والكاشف

عن السر قدور نحكي (9): قدور والكاشف
  • 08 يونيو 2022
  • لا توجد تعليقات

فيصل محمد صالح



العلاقة بين الأستاذ السر قدور والفنان الكبير الموسيقار إبراهيم الكاشف يمكن أن تملأ مجلدات، فهي ليست مجرد علاقة بين شاعر وفنان، أو بين صحفي وناقد فني وفنان، أو بين أصدقاء من الوسط الفني، لكنها مزيج من كل هذا مع إيمان كامل وعميق من السر قدور بعبقرية الكاشف الموسيقية والغنائية.
ولنفهم طبيعة هذه العلاقة يجب أن نعرف أن الفنان إبراهيم الكاشف، مثل غيره من عظماء بلادنا، لم يجد التقدير الكامل والاعتراف بعظمته في حياته، مثلما حدث بعد رحيله. صحيح أنه كان فنانا معروفا وكبيرا، لكن بترتيب الفنانين في أواخر الخمسينات وأوائل الستينات فقد كانت المقدمة معقودة لإبراهيم عوض وسيد خليفة وأحمد المصطفى ومحمد وردي، ثم بعد ذلك يأتي الكاشف والآخرون، عثمان حسين وحسن عطية والتاج مصطفى….الخ.
وكان التقليد في الحفلات العامة أن يتم ترتيب الفنانين عكسيا بحسب أهميتهم عند الجمهور، ولهذا كان ختام الحفلات العامة محصورا بين إبراهيم عوض وسيد خليفة وأحمد المصطفى ، ولم يكن الكاشف مطروحا كفنان جماهيري كبيرفي ذلك الوقت.
بالتأكيد كان الموسيقيون يعرفون قيمة إبراهيم الكاشف وإضافاته الموسيقية الكبيرة للأغنية السودانية، الأغنية المركبة متعددة الكوبليهات، لكن لم يكن هذا الأمر منعكسا بشكل جماهيري على مكانة الفنان الكاشف.
لكن الكاتب الصحفي والناقد الفني والشاعر السر قدور كان وحده أكبر المؤمنين بعبقرية الكاشف وإمكانياته الأدائية والموسيقية الكبيرة وإضافاته العظيمة للأغنية السودانية، وظل يكتب ويبشر بعبقرية الكاشف ويقدمه على كل فناني عصره، ودخل في اشتباكات كثيرة مع الفنانين الآخرين والنقاد الفنيين بسبب رؤيته هذه, ومن طرائف ذلك أنه اعتاد أن يسمي الكاشف “أبو الفن”، ويكتب هذا اللقب ويردده في حديثه عن الكاشف، بشكل أثار غيرة الفنانين الآخرين، وقابله أحد كبار الفنانين في دار الفنانين، وناداه ” إيه يا السر الحاجات البتعملها، وإيه حكاية أبو الفن، يا ابني الفن لقيط مالوش أب”.
وكان هناك مشارك آخر في حب الكاشف والتعلق به، هو الفنان صديق الكحلاوي الذي كان مهووسا بالكاشف بدرجة لا تصدق. ويروي قدور أن الكاشف كان منزعجا من ذلك لأن الكحلاوي كان يحتاج ليوم واحد فقط يسمع فيه أغنية جديدة للكاشف، وينطلق مغنيا لها في اليوم التالي من حفلة لأخرى. ويروي أن الكاشف صار يفرض حالة من السرية على بروفات أغنياته الجديدة، ورغم ذلك ضبط الكحلاوي أكثر من مرة متلصصا ليسمع اللحن الجديد. ومعروف كيف أن الكحلاوي سار وراء جنازة الفنان الراحل إبراهيم الكاشف يبكي وهو يغني “وداعا روضتي الغناء”.

التعليقات مغلقة.