لمن يهمه الأمر

لمن يهمه الأمر
  • 24 أغسطس 2022
  • لا توجد تعليقات

عروة الصادق

  1. أعظم المحطات التاريخية في كيان الأنصار وحزب الأمة القومي هي تلك التي عبر فيها بمزاوجة ثنائيات الظهر والنهر، والرعاة والمزارعين، والبدو والحضر، ورجال الدين والمثقفين، والمحافظين والحداثويين، وضم في طياته بذلك أول تأسيس للسودان الجامع حتى بكيانات جنوب السودان القبلية والدينية وعوائله اللغوية البانتيو نيلية والنيجركنجولية التي انفصلت عن السودان.
  2. مثلت هذه الميزة أهم ممسكات البلاد وثوابتها الوطنية طوال الفترات الإستعمارية والاستقلالية والاستبدادية، ولأن هذه الميزة من مصدات التشظي القبلي والإثني والجهوي عكفت أجهزة المخابرات في جميع الأنظمة للعبث بها، فالمستعمر حاول إخضاع أو استبدال الإدارات الأهلية الموروثة بأخرى مهادنة وممالئة له حتى تم كسر قلم السير ميكمايكل، وتكرر الأمر في كل الحقب الإستبدادية وتدرج إلى أن وصل ذروته في عهد نظام الإنقاذ المباد.
  3. فقد أسست الإنقاذ إدارات تخصصت في التفتيت وتحصنت بالسلطة وسطوة الأجهزة الأمنية التي ابتدعت إدارات متخصصة في تفتيت الولاءات القبلية والهيمنة على تكويناتها الأولية للدرجة التي تم فيها استحداث إمارات لأمراء كانوا بمثابة أمراء حرب وضباط تجنيد للدولة لشن حروب أهلية خلفت زهاء الثلاثة ملايين ضحية وملايين النازحين واللاجئين.
  4. وقد أسست تلك الإدارات والأجهزة الأمنية لـ “التناقض الاجتماعي” بسفور. مع العلم أنه ليست كل التناقضات في المجتمع “تناقضات اجتماعية”. ويمكن التعامل مع فهم الناس وتذويبها كما فعلت المهدية ومن بعدها حزب الأمة القومي والحركة السياسية السودانية.
  5. قامت تلك الأجهزة بفحص تلك التناقضات الاجتماعية على كافة المستويات فعلى المستوى الكلي، تحصلوا على نظرة عامة وخلصوا إلى أنها من الطبيعي تواجدها ويمكن احتواء أي خلاف قد ينشب. ولذلك لجأوا إلى تجزئة تلك التناقضات بشكل هندسي متسلسل بصورة تقسيم المقسم، ما عقد التفاهم بين أبناء البلد الواحد شمال وجنوب وانفصل الجنوب، شمال وغرب، وتقسم الغرب إلى زرقة وعرب، وتقسم العرب واقتتلوا فيما بينهم كما اقتتلت القبائل الأفريقية فيما بينها وتقسمت الحركة الواحدة إلى حركتين ومن ثم إلى حركات إنشطارية.
  6. في خضم ذلك دعم جهاز المخابرات شعراء وكيانات ثقافية وجماعات ساخرة لترسيخ نعرات التدابر الاجتماعي فصرنا نضحك على أهل العوض دون أن يرمش لنا جفن، والأداريب، والدناقلة والشوايقة والنوبة ودين الحلفاويين وحمية الجعليين وصولا للسخرية من الجنوب الذي انفصل لحاله وتركنا نواصل مشروع السخرية التمزيقي للوطن.
  7. وهو الأمر الذي اضطر بعض القبائل والكيانات الإجتماعية المحايدة في ظل هذا التناقض الاجتماعي والصراع المحموم لللجوء والإنضمام إرغاما إلى معسكرات متضادة إما للسلطة المسلحة أو المعارضة المسلحة.
  8. استمر هذا الوضع إلى أن اندلعت ثورة دسمبر في 2018م وحاول النظام الإخواني المباد توظيف إدارات القبائل في إدارة أزمته تجاه الثورة، وبدأ تدرجا بالإعتقال التمييزي، وفيه يتم اعتقال مجموعات كبيرة من النشطاء من شتى الاتجاهات ولكنه يزيد الجرعة التعذيبية على أسس إثنية فمثلا: (أزعم أنني من أشد الكوادر الذين تم تعذيبهم في فترات الإعتقال، ولكن كل ذلك لا يضاهي جزء يسير من تعذيب زملائي من إقليم دارفور الذين كانت دماؤهم تسبقهم إلى النزول من الأسانسير في معتقلات الأمن قبل نزولهم عنه) وكثيرا ما نسمع أنتم أولاد عرب ما الذي يخرجكم مع هؤلاء العبيد؟؟؟ ولجهله بأني (عب) من هؤلاء العبيد عبوديه أعتز بفردانيتها وخلوصها لوجه الله، واستمر هذا الأمر حتى مارس صلاح قوش خديعته الكبرى بالقبض على عدد من أبناء دارفور واتهمهم بانتمائهم لحركة القائد عبد الواحد نور وتخابرهم مع إسرائل وانتفض الشعب وهو يردد: “يا عنصري ومغرور كل البلد دارفور”.
  9. واستمرت هذه الوحدة العاطفية المؤقتة حتى قبيل تكوين الحكومة الانتقالية الأولى وما أن تكونت حكومة د. عبد الله حمدوك الأولى حتى نشطت تلك الإدارات التي ورثتها المؤسسة العسكرية وتقاسمتها بين الدعم السريع والجيش وبدأ ضباط التنظيم الإخواني يواصلون خطتهم عبر دسها لصانع القرار في المؤسسة العسكرية، وشارك سياسيون من الحكومة الانتقالية في تسهيل هيمنة العسكر على ملف السلام وإنجازه على أسس جهوية استحالت فيما بعض لتحالفات إثنية.
  10. تواصل الأمر بمحاولات مستميتة من رئيس الإنقلاب بتوظيف هذه النعرات وتوصيف بعض زملائه في الحكومة بأنهم (غرابة) يريدون التشفي والانتقام من أبناء نهر النيل والشمالية وفي ذلك نشطت الآلة الإعلامية وكوادر التنظيم العنصرية في هذا الملف إلى أن بلغ ذروته في تأسيس منابر إنفصالية يقودها موالون للبرهان ونشط ضباط المخابرات من تلك المناطق لاستمالة أبنائهم للمشروع العنصري إلى أن أفصح بسفور رئيس الإنقلاب عن توجهه بما قاله في منطقته بنهر النيل وأتبع قوله بالعمل وإحالته لأعداد كيبرة من ضباط برتب رفيعة وتخصصات مهنية نادرة وخبرات ثرة في القوات المسلحة إلى التقاعد جلهم من جهات تناوئ مشروعه الجهوي.
  11. وفي المقابل نشطت إدارات متخصصة واستشاريون قبليون في الدعم السريع لمحاولات اختراق الكيانات القومية واستمالة الكوادر على أساس الجهة أولا (الغرب) ومن ثم الكيان (العرقي) ومن ثم (القبيلة)، وفي ذلك تمت مخاطبة كوادر وقيادات في أحزاب سياسية وكيانات دينية واجتماعية ولم تنج حتى خلاوى تعليم القرآن من ذلك الاستقطاب المقيت، وفي سبيل ذلك نشط كوادر رقم انتمائهم إلى تلك الكيانات الجامعة في خطب ود زملائهم للعسكر ومحاولة (الكشكشة) بالمال والحماية والمناصب، وهو ما قوبل بحملات صد ورد عنيفة يرجى أن تتواصل لإخراص جميع تلك النداءات العنصرية في الأحزاب والقوات المسلحة والدعم السريع والحركات المسلحة وصولا للحمة وطنية قومية موحدة تحول دون المشروعات التمزيقية التي تطل برأسها بين الفينة والأخرى ويتولى كبرها قادة مؤسسات الدولة.
  12. ولن تتثنى لنا الحيلولة دون تنفيذ تلك المشروعات التقسيمية والتمزيقية إلآ من خلال استيعاب هذا التناقض الاجتماعي والتعدد الثقافي والتنوع العرقي على مستوى وسطي يمكننا من الحصول على تكييف مناسب وفعال لاستيعاب ذلك الثراء وفي تقديري هنالك عدد من المشاريع النظرية التي تؤسس لذلك ولكن عمليا قد تجاوز حزب الأمة القومي هذه المحطة منذ 1945م مرورا بمراحل تطوره المختلفة إلى أن وصل الدرجة التي ضم فيها مكتبه السياسي ومؤسساته الأخرى مختلف أبناء وبنات السودان بثقافاتهم وأديانهم وجهاتهم للدرجة التي لا تستطيع أن تميز بين فضل السيد نعيم وعبد الحميد الفضل رحمهما الله تعالى.
  13. ختاماً: شخصي من منطقة فريده ضمت حوالي 500 قبيلة، ومن كيان بتلك المواصفات، وإلى مرحلة متأخرة من العمر لم أكن أعلم قبيلتي التي كنت أظنها قبيلة (كونوا)، فالوالد أمد الله في عمره ظل يردد ويقرأ قوله تعالى من صورة الصف: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ ) (الصف: 14)، ومن كيان مرجعيته بالصورة الثرة التي بينتها في صدر المقال، لذلك انصب خوفي وتوجسي من كافة الممارسات الإثنية التي تحض على التقسيم بل حتى الدينية وظللت طوال فترات حياتي رافضا لأي اصطفاف ضد وحدة الكيان السوداني والإنساني، ففي الجامعة تصدينا لإساءات السلفيين للمتصوفة وللإخوة المسيحيين، وحمينا تأسيس روابط دارفور وحركات الكفاح المسلح وكنا ندافع عن القضية التي يتبنوها، وأسسنا تحالف الحركة الطلابية الديمقراطية التي ضمت خيرة أبناء شعبنا حتى الجنوبيين قبيل الإنفصال، ورفضت تجييش أهلي لصالح مشروع الحرب الذي كان يقوده نافع علي نافع، وهأنذا أواصل مسيرتي في كيان قومي جامع مانع يحاول عنصريون ودخلاء السياسة وعملاء المشروع الصهيوني تمزيقه لتمزيق السودان، لذلك سأواصل دأبي في التصدي لهم وكشف خطل وخطر مشروعهم المرعي من جهات داخلية وخارجيه تهدف لتفتيت السودان، وسأواصل في دراسة فهم التناقضات الاجتماعية وصولا لاستدامة نموذج ضم مثال بالنسبة لي الأمراء: (أبو قرجة، ودقنة، وأبو عنجة، والزاكي طمل، ويعقوب، وعلي ود حلو، ورابحة الكنانية عليهم الرضوان)، ومواصلة لنهج: (أمين التوم ساتي والأمير نقد الله ود. عبد النبي علي أحمد ود. عمر نور الدائم) الذين تآخوا مع جوزيف لطيف صباغ ومحمد دينق، وصولا للسودان الموحد في ذاته والمتآخي مع الجنوب والمتواصل مع جواره الجغرافي والملي والإنساني.

العندو حق بضحي وبحميهو بي زندو
والماعندو حق ضهرو الجبل ما بسندو

في: 23 أغسطس 2022م
البقعة

orwaalsadig@gmail.com

التعليقات مغلقة.