تأملات معاصرة في بعض آراء مستر بول عن البجا

تأملات معاصرة في بعض آراء مستر بول عن البجا
  • 28 أغسطس 2022
  • لا توجد تعليقات

محمد جميل أحمد


يقول مستر بول عن البجا في كتابة:(تاريخ قبائل البجا بشرق السودان صفحة 8 ترجمة د. أوشيك أدم علي ): ” أنا على اعتقاد جازم بأنهم – أي البجا – سوف لن يتطوروا في المستقبل، مالم تبذل مساع جادة في رفع مستواهم المعيشي (كما هو الحال في القاش) أو تغيير بيئتهم بصورة جذرية وهذا أقل الاحتمالات”
ملاحظات على كلام مستر بول
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أولاً – مستر بول يقصد بكلمة “بجا” في هذا السياق المجموعتين (الناطقين بالبدوايت والناطقين بالتقراييت) حتى لايظن بعض ممن لايعرفون الحقائق عن تاريخ البجا أن المقصود بكلمة ” بجا ” هنا مجموعة البداويت فقط… فقد ذكر مستر بول في الصفحة ذاتها كلتا لغتى البجا ” البدويت والتقري” حين وصف اللغتين بقوله: ” وتتصف كلتا اللغتين – البداويت والتقري – بذخيرة ضخمة من الفصاحة والبلاغة تتجلى مقدرتهما أثناء النقاش والحديث اللذان يدوران في أوقات الفراغ تحت ظلال الأشجار وحول الآبار أو حول فناجين القهوة في الأمسيات”
ثانياً – مستر بول ذكر مشروع القاش (وغالباً أن مستر بول كتب كتابه هذا في الأربعينات الذي كتب مقدمته في كسلا عام 1954) وإذا عرفنا اليوم المصير الذي أصبح عليه مشروع دلتا القاش سنعرف بصيرة هذا الرجل (الذي كان يجيد لغتي البجا : البدوايت والتقراييت ووصف معرفته بالبجا في كتابه هذا بأنها معرفة دقيقة) وتوقعاته المتشائمة لمستقبل البجا.
ثالثاً : إذا أضفنا إلى ذلك أن الذي حدث للبجا بعد ذلك على يد الحكومات الوطنية المتعاقبة بعد خروج البيرطانيين؛ هو تماما ما كان على عكس الشرط الذي اشترطه مستر بول في كتابه هذا لتغيير حياة البجا للأفضل بقوله ( مالم تبذل مساع جادة في رفع مستواهم المعيشي و تغيير بيئتهم بصورة جذرية) وقد أدركنا أن الحكومات الوطنية عملت بعكس الشروط التي افترضها مستر بول لتحسين أحوال البجا – رغم تشاومه – الذي نستشفه من قوله في المقطع:
” وهذا أقل الاحتمالات توقعاً ” سنعرف، نتيجةً لذلك، حقيقة مهمة جداً – بعد مرور هذا الزمن الطويل من كتابة هذا الكتاب – وهي أن الرجل لم يكن يتخّرص أو يتجّنى على البجا في ما استنتجه وخبره بالمعايشة لعشرات السنين بين البجا، ومن ثم فإن توقعاته التي تظهر حقيقتها العارية اليوم أمام أعيننا في شرق السودان، ستنفي عن الرجل أي احتمال لقول البعض: أن رأي مستر بول عن وضع البجا؛ هو رأي استعماري حاقد فالاستعمار قد ذهب قبل 60 عاماً.
تبقى الحقيقة العارية والمرة وهي : أن البجا هم في الحقيقة حتى الآن لايزالون عاجزين عن رؤية التحديات الحقيقية التي تواجههم وتقف أمام تطور حياتهم – خصوصاً بعد 30 سنة من حكم كيزاني دمر البقية الباقية من هيكل الدولة، ولازال الكيزان يستثمرون في استغلال بعض البجا ضمن مشروع الثورة المضادة للأسف.
والخلاصة، هي: على كل بجاوي مستنير أن يعرف هذا الحقيقة المرة وهي أن البجا اليوم بكل مكوناتهم ليسوا بخير، أولاً، وأنهم ثانياً، جزء من مشاريع الآخرين لافتقادهم لأي مشروع حقيقي أصيل يمثلهم.
وفي النهاية على كل بجاوي أن لاينخدع بسماسرة قضية البجا – مادام الوضع الحقيقي هو الواقع المر الذي نعيشه اليوم. لكن على كل بجاوي أيضاً أن يفكر في البحث عن المخلصين والمستنيرين الوطنيين من أبناء البجا اليوم وهم في الحقيقة موجودون في كل المجموعتين لكنهم – حتى لاينصدم – عليه أن يعرف أنهم قلة وصوتهم ليس له ضجيج. ومع ذلك فإن هؤلاء القلة هم الذين وحدهم من يستطيعون انقاذ البجا عبر المعرفة والفكر والرؤية.

التعليقات مغلقة.