النخبة السودانية والمصرية على صفيح ساخن

النخبة السودانية والمصرية على صفيح ساخن
  • 12 سبتمبر 2022
  • لا توجد تعليقات

زين العابدين صالح عبدالرحمن

الأسئلة المهمة المرتبطة بالمصالح السودانية خارج الحدود و التي يجب أن تجيب عليها النخبة السياسية السودانية “عسكرية و مدنية” على مختلف تياراتهم الفكرية قبل الدخول في مضمون المقال. هل هذه النخبة واعية لمصالح البلاد الحقيقة في آطار علاقتها مع الدول الأخرى، و كيفية تحقيق هذه المصالح؟ هل هذه النخب مدركة أن تحقيق المصالح و الحفاظ عليها هي مهمة الدولة و مؤسساتها؟ هل مصالح الدولة السودانية تحققها لها إدارة دولة أخرى أم الإدارة السياسية في الدولة؟ و أين الإدارة السياسية في الدولة السودانية التي يقع عليها عبء الحفاظ على المصالح السودانية؟ لماذا فشلت النخبة السياسية السودانية منذ الاستقلال و ماتزال تواصل الفشل في صناعة مؤسسات الحكم الدائمة لكي ترع المصالح السودانية؟ مصر واعية لمصالحها في السودان و تفحص باستمرار أدواتها المناط استخدامها لتحقيق هذه المصالح. هل النخبة السودانية السياسية واعية لمصالحها في مصر و كيفية تحقيق هذه المصالح؟ و هل لنا في السودان مراكز بحوث و دراسات تسهم في توضيح هذه المصالح؟
أن الندوة التي أقامها المنبر الثقافي بجنوب كاليفورنيا بعنوان ” مستقبل العلاقات السودانية المصرية في ظل المتغيرات الراهنة” و تحدثت فيها الدكتورة أماني الطويل الباحث في مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية. و الدكتور النور حمد و الأستاذ غسان عثمان على ” مقدم برنامج الوراق في قناة سودانية “24 و عقب عليها الدكتور طلعت محمد الطيب. ليست هي الندوة الأولي التي ناقشت قضية العلاقة و المصالح بين السودان و مصر، بل كانت هناك ندوات عديد أقيمت لمناقشت الموضوع، حيث أقام ” مركزأبحاث الديمقراطية و الدراسات الاستراتيجية” في أستراليا ندوتين استضاف فيها الدكتورة أماني الطويل، و الغريب أن الدكتور دائما تتعرض للتجريح الشخصي من قبل المتداخلين، و رغم ذلك لا ترفض تلبية الدعوات من المنابر السودانية.
الملاحظة الأولى: في الندوات التي يقيمها السودانيين عن العلاقات السودانية المصرية، و التي يجب الإشارة إليها أن أغلبية النخب السودانية خاصة المتداخلين يحضرون الندواتو هم غير مطلعين على الموضوع أطلاع علمي يجعل حديثهم مرتبا يعتمد على منهج نقدي أو تقديم وثائق تجعل الموضوعية في الحديث، بل يحضرون رغبتهم تفريغ مخزون يعتقده تظلمات يجب على الأخرين الاعتراف به، الأمر الذي يحرج الذين رتبوا لهذه الندوات.
الملاحظة الثانية: أشار إليها الأستاذ غسان عثمان بقوله: أن النخبة السودانية لم تستطيع أن تخرج من شرنقة التظلمات التاريخية حتى تستطيع أن تنظر للمستقبل بصورة أفضل لتأسيس علاقة مستقبيلية قائمة على المصالح المشتركة.
الملاحظة الثالثة: جاءت من خلال حديث الدكتورة أماني الطويل في ردها على الدكتور النور حمد؛ و كانت الدكتور أماني الطويل قالت: أن سلاح المهندسين المصريين هو الذي جاء بالكباري المركبة التي عبرت بها القوات السودانية الأنهار العديد و المجاري المائية لاسترداد أراضي الفشقة الكبرى و الصغرى. رد عليها الدكتور النور حمد هذه العملية هي التي خلقت جفوة بين السودان و أثيوبيا. قالت أماني الطويل ردا على ذلك أن الخلاف بين النخبتين السودانية و المصرية هي طريقة التفكير. النخبة المصرية و حتى المجتمع المصري يعتقدون أن الذي يساعدك على استرداد أرضك هو الصديق الحقيقي، و الذي يجب أن تقف إلي جانبه و تستمر في العلاقة معه. كان المتوقع من الدكتور النور حمد يقول شكرا على هذه المساعدة من قبل مصر ساعدتنا على أسترداد أرضي الفشقة، لكن ذلك لا يمنعنا من حق استرداد أراضي سودانية أخرى في ” حلايب و شلاتين” أن يستخدم المنهج البرجماتي الذي يقوم على تحقيق المصالح. حقيقة أن النخبة السودانية ينقصها الخبرة في إدارة الأزمات و كيفية تحقيق مصالح الدولة. إذا وجدت مساعدة أن استرد أرضي سودانية تستثمر فيها دولة أخرى أرفض ذلك حتى لا تسوء علاقتي مع الدولة التي تستحوذ عليها، هذا بالفعل منطق قريب. أخذ ارض و أدخلها لحضن الوطن و هذا لا يمنع أن أسعى أيضا لاسترداد حلايب و شلاتين.
الملاحظة الرابعة: أن الدكتورة أماني الطويل منذ أوائل تسعينات القرن الماضي و هي تمارس مهنة الصحافة، كانت مهتمة بالشأن السوداني، ثم أصبحت باحثة في مركز دراسات الأهرام مسؤولة عن الشأن الأفريقي، و من ضمن هذه الدراسة يحتل السودان مساحة واسعة، و بالتالي هي متخصصة في الموضوع الذي دعيت له. السودانيين يهتمون بالجوانب الإعلامية و السياسية دون وضع اهتمام للتخصصية، الأمر الذي يجعلهم ينحرفون بالحديث إلي استدعاء التاريخ و تظلماته، مما يجعل الحديث فاقد للمنهجية، و عدم الإتكاءة على القاعدة المعرفية و الوثائقية. أن دعوة المتخصصين في الموضوع المطروح و تقديم فرص المداخلات فقط للمتخصصين مسألة ضرورية جدا، حتى نعرف ماذا نريد أن تكون هذه العلاقات. لكن تقديم فرص لمتداخلين ليس لهم إلمام بالموضوع معرفيا يضر بالندوة و أيضا بالمنبر صاحب الدعوة.
الملاحظة الخامسة: مصر عند تحقيق مصالحها في السودان تكون مستوعب لهذه المصالح، و بما أنها دولة قديمة، و تلك مؤسسات راسخة، تحاول توظيف كل هذه المؤسسات لخدمة مصالحها، و لا اعتقد يقع عليها اللوم. لكن الدولة السودانية غير المستقرة و النخبة التي تتصارع حول السلطة، ليس لها الفسحة التي تمكنها أن يكون لها تصور عن ماهية المصالح السودانية في مصر و كيفية تحقيقها، بل تصبح القضية كلها من باب الاجتهادات الفردية، أو مجموعات لا تستطيع أن توظف كل مؤسسات الدولة و حتى المؤسسات المدنية من أجل تحقيق مصالح الدولة.
الملاحظة السادسة: هناك بعض النخب السياسية السودانية عندها اعتقاد أن النخب المصرية تجعلهم في دائرة التنميط الدوني. الحقيقة أن السودانيين هم الذي يضعوا أنفسهم في دائرة التنميط الدوني، عندما تقدم للشخص فرصة للمداخلة في قضية مطروحة للنقاش في ندوة و ينحرف بالحديث إلى الاتهامات و أقوال تفارق مسار المعرفة و المنهجية، ما هي ردة الفعل المتوقعة من الجانب الأخر؟ لابد أن تضع انطباعا سالبا عند الجهة المقابلة في اعتقاد هذه الحديث ينبع من نخبة مثقفة لا تراع للمنهجية و فاقدة للمعرفة. أن الحوار لا يمنع أن تطالب بالحوار في قضية حلايب و شالتين باعتبارها أرضي سودانية لكن كيف؟
الملاحظة السابعة: من لقاء حوار قديم؛ كان في أواخر تسعينيات القرن الماضي، حيث لبيت دعوة حفل شاي في بيت محمد الحسن عبد الله يسن عضو مجلس رأٍس الدولة في ديمقراطية إبريل 1985م، و ضم الحوار قيادات اتحادية منهم محمد توفيق أحمد الذي كان وزيرا للخارجية، و أحمد السيد حمد و مضوي محمد أحمد و عبد الله فرح رئيس الحزب في السعودية. و من الجانب المصري اللواء عمر قناوي الذي كان يشغل وكيل وزارة المخابرات المصرية و اللواء محمود عبد الخالق الذي يرأس ملف السودان في المخابرات في ذلك الوقت. قدم الاتحاديون سؤالين للأخوة في المخابرة عن رفض مصر تقديم دعما للمعارضة، و الثاني أن الدولة المصرية فضلت التعامل مع البيت الختمي و ليس الاتحاديين، و قالوا قد جاء أختلال العلاقة منذ تأييد الاتحاديون للاستقلال من داخل البرلمان. قال اللواء قناوي أن مصر رفضت تقديم أي مساعدة للمعارضة، أن كان يتمثل في دعم عسكري أو إعلامي، أي تقديم موجة في هيئة الإذاعة المصرية، و أيضا الرفض شمل تقديم صفحة في أحدى الصحف الحكومية، لأنهم جميعا محسوبين على الدولة المصرية، و لا نريد أن تكون الدولة المصرية مشاركة في عمل المعارضة السودانية، و لكن كل أحزاب المعارضة تقاتل الحكومة السودانية من الأراضي الاريترية، و يتنقلون بين مصر و اريتريا، هل سألنا أي شخص في المعارضة عما يدور في أريتريا، هل اعترضنا على هذا التنقل لا. أما عن اختلال علاقة مصر بالاتحاديين، الختمية علاقتنا معهم في حدود الطريقة و هم يعرفون ماذا يريدون من مصر. هل الاتحاديون يستطيعوا أن يوضحوا لنا ماذا يريدون من مصر؟
الملاحظة الثامنة: في ندوة كان قد أقامها الأمام الصادق المهدي في مؤسسة الأهرام، تطرق فيها للعلاقات السودانية المصرية. قال أننا يجب أن نتجاوز أخفاقاتنا التاريخية في هذه العلاقة، و أيضا نتجاوز الصراع الذي كان دائرا بين القوى السياسية السودانية من أجل الاستقلال ” وحدة وادي النيل – الاستقلال” إلي علاقات جيدة تخدم مصالح الشعبين، و تكون النخب المثقفة في البلدين هي راعية لهذه العلاقات، لأنها سوف تحمل معها رؤى محكومة بثقافة جديدة، و تصورات جديدة تتجاوز مرارات الماضي، و يجب أن تستوعب القوى المثقفة حدود العلاقة أين تبدأ العلاقة الرسمية التي تتدخل فيها مؤسسات الدولة، و أين حدود العلاقة الشعبية التي تتحرك في مساحات واسعة.
أن العلاقة المصرية السودانية بالفعل يجب أن ترتبط بحبلين غير متداخلين الأول العلاقة المحكومة بمؤسسات الدولة، و التي تحدد فيها إستراتيجية العلاقة و المصالح المرتبطة بالعلاقات الاقتصادية و السياسية و الأمنية، و علاقات شعبية و أكاديمية و غيرها.فالنخبة المصرية الحاكمة و غير الحاكمة تعرف ما هية المصالح المصرية التي يجب تحقيقها في دولة السودان. و يجب على النخبة السياسية السودانية أن تعرف ماهية المصالح السودان التي تريد تحقيقها في أو مع الدولة المصرية. و نخرج من دائرة المشاحنات التي لم تحقق غير غبار كثيف مضر بالصحة في الدولة و الإنسان. نسأل الله حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com

التعليقات مغلقة.