القوى التقليدية والشيوعي واختراق الأزمة

القوى التقليدية والشيوعي واختراق الأزمة
  • 19 سبتمبر 2022
  • لا توجد تعليقات

زين العابدين صالح عبدالرحمن

إن مفهوم الثورة و مقاصدها تختلف اختلافاً كبيراً بين رؤية حزب الأمة القومي و الحزب الشيوعي السوداني في الكيف و الكم، و يرجع ذلك لاختلاف المرجعيات الفكرية التي ينطلق منها الحزبان. رغم هذا الاختلاف لكن ضم الحزبان تحالفات عديدة في مسيرتهما التاريخية منذ النضال من أجل الاستقلال، و آخرها التجمع الوطني الديمقراطي وتحالف قوى الاجماع الوطني، ثم قوى الحرية و التغيير، و رغم هذه التحالفات لكن كانت المسافة للتقارب بعيدة، وكما يقول المثل “لا بريدك و لا بحمل بلاك”.

في حياة الإمام الصادق المهدي: كان حزب الأمة رافضاً المشاركة في مؤسسات الفترة الانتقالية، و كانت رؤية الإمام أن حزب الأمة يحتاج إلى أن يلملم أطرافه، خاصة أن عقود الإنقاذ الثلاثة قد أثرت تأثيراً سالباً فيعضوية حزب الأمة، حيث خرجت العديد من القيادات تصاحبها مجموعات من الحزب، و ذهبت مشاركة للإنقاذ، إضافة للحروب التي حدثت في كل من دارفور و كردفان حيث ذهبت مجموعات كبيرة تقاتل في صفوف الحركات المسلحة، و هي خصم على عضوية حزب الأمة، لذلك فضل الأمة أن تتفرغ قيادات الحزب إلي جمع صف الحزب و الحفاظ على عضويته، هذا السبب جعل حزب الأمة أول الأحزاب السياسية يقوم بطواف على الأقاليم لجمع وحدة الصف.

بعد تعيين حكومة حمدوك الأولي، شعر الحزب الشيوعي أن هناك مجموعة استشارية تعمل مع حمدوك أغلبيتهم من العناصر التي خرجت من الحزب الشيوعي، و هؤلاء سوف يكون لهم أثر سالب في الحزب الشيوعي، و الخوف أن هؤلاء يستغلون سلطاتهم و التأثير في عضوية الحزب لينفتح باب الصراع مرة أخرى. لذلك فضل الحزب الشيوعي أن يبتعد تماما عن الفترة الانتقالية، و عن تحالف قوى الحرية و التغيير. حتى وصل إلى قرار إعلان إسقاط حكومة حمدوك. ويستغل حالة التذمر التي بدأت تظهر في الشارع على الحكومة لتجاهلها للجان المقاومة، و أيضاً أن يوجهها أيضا ضد القوى السياسية التي تشكل حاضنة للحكومة.

و أعلن الحزب الشيوعي انسحابه من قوى الاجماع الوطني و من قوى الحرية و التغيير، في هذه اللحظة شعرت قيادة حزب الأمة بالفراغ السياسي الذي خلفه الحزب الشيوعي، و فك الحزب تجميده من قوى الحرية و التغيير، ليصبح العمود الفقري للتحالف” Backbone ” باعتباره حزب ذي قاعدة اجتماعية عريضة، و الرجوع سوف يمنح الحزب دوراً جديداً يستطيع من خلاله أن يستميل كل عضويته.

بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021م، خرجت الجماهير ضد الانقلاب تنادي بالدولة المدنية الديمقراطية، الانقلاب قد أعطى الحزب الشيوعي فرصة كبيرة جداً لكي يستعيد دوره الريادي في الشارع، لذلك كثف الحزب الشيوعي هجومه على الانقلاب، و الذين كانوا مناصرين للعسكر في الفترة الانتقالية، و استطاع أن يخلق جفوة كبيرة بين الشارع ممثلاً في عدد من لجان المقاومة و قوى الحرية و التغيير المركزي، و حرص الحزب الشيوعي ألا تضعف قوة الشارع، و أن يواصل الخروج في مسيرات متواصلة. الهدف منها أن يهندس العمل السياسي بالصورة التي يريدها، و في ذات الوقت أن يشل قدرات الحرية المركزي بألا تستطيع العودة لبناء علاقات مع الشارع، واستطاع أن يحرج قيادت المركزي عند خروجها في المسيرات، الأمر جعل الحزب الشيوعي يتحكم في المشهد السياسي، وذهبت قيادته والتقت بكل من عبد العزيز الحلو وعبد الواحد محمد نور لكي يوسع دائرة تحالفه التي تستطيع أن تنجز معه أهداف برنامجه السياسي، لذلك أعلنت قيادة الحزب الشيوعي في مؤتمر صحفي عقده سكرتير الحزب و نائبة المتحدث باسم الحزب آمال الزين في دار الحزب بعد عودتهم من جوبا، أعلنا عن قيام “تحالف الأقوياء” و لكن لم تسر المسألة بالصورة التي خطط لها الحزب الشيوعي، لذلك تم إعلان ” إعلان تحالف القوى الجذرية” مكون من الحزب الشيوعي و واجهاته، و بعض من قوى لجان المقاومة، وظل عبد العزيز الحلو بعيداً عن التحالف و أيضا عبد الواحد محمد نور. و هي رسالة واضحة للزملاء أن السياسة ليست شعارات إنما فعل له نتائج على الأرض، فالقوى التقليدية قادرة على الحركة و قادرة أن تجهض أي يعمل لا يدعم طريق الديمقراطية. الزملاء دائما يحاولوا أن يتناسوا منذ اربعينات القرن الماضي أن حالة عداء الكتلة الاتحادية ليس في مصلحتهم، لأن الخلاف بين الاتحادي عادي و كثير لكن في الحظات الحرجة تتأكد للكل قدرتهم على وحدة مواقفهم لأنهم دعاة حرية و ديمقراطية و يخبرون بمساراتها تماماً.

بعد إعلان البرهان رئيس مجلس السيادة انسحاب العسكر من الحوار السياسي، و قال يجب على القوى المدنية أن تتحاور لوحدها، و تتوافق لكي تستلم السلطة، شعرت قوى الحرية و التغيير المركزي أنها سوف تخسر وضعها السياسي، و أن فكرة البرهان أن لا تسلم السلطة وفقاً للوضع السابق، الأمر الذي أثار حفيظتها، و قالت قيادات المركزي خاصة خطابات الواثق البرير الأمين العام لحزب الأمة إن هذا هروب و رفض لمخاطبة جذور المشكلة، و المقصود بجذور المشكلة وضع حد نهاية الانقلاب، وتسليم السلطة لقوى الحرية المركزي، باعتبار أنها الشريك في الوثيقة الدستورية. و كثفت اتصالاتها بالقوى الدولية و الاتحادي الأوروبي و الولايات المتحدة و الإمارات و السعودية للضغط على العسكر لكي يسلموا السلطة للمدنيين، و المقصود بالمدنيين الشريك الذي كان مع العسكر قبل الانقلاب. فكان اجتماع في منزل السفير السعودي الذي ضم قوى الحرية المركزي و بعض عناصر المكون العسكري، و كان قد حضرته مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأفريقية مولي في، وشعرت قوى الحرية في ذلك الاجتماع أن العسكر لن يسلموها السلطة إلا بعد توسيع قاعدة المشاركة. الأمر الذي يصعب المهمة، و كان لابد من الاتصال بأحزاب لها قاعدة جتماعية واسعة لكي تغير معادلة القوى.

بعد اجتماع منزل السفير السعودي، شعرت قيادة الحرية المركزي بأنها سوف تواجه تحدياً كبيراً ليس كما كانت تتصور، وأنها لا تستطيع أن تسير في طريق اللقاءات مع العسكر إلا إذا قدمت تنازلات سوف تفقدها القوى المؤيدة لها في الشارع، كما أنها لا تستطيع أن تتحدى لاءات الشارع الثلاث في حوار مفتوح مع العسكر، إلا إذا تستخدم أدوات تكتيكية تستطيع أن تخترق بها الأزمة السياسية. بالفعل أن الحزب الشيوعي استطاع أن يقيد حركتها في فترة.

استطاعت قيادات الأمة أن تحدث اختراقاً في الأزمة لكي تعيد الحرية المركزي للواجهة بقوة وتفك الحصار الذي ضربه الحزب الشيوعي عليها في الشارع، عندما ذهب رئيس حزب الأمة فضل الله برمة ناصر و نائبة الرئيس للقاء السيد محمد عثمان الميرغني، والاتفاق معه من أجل إعادة الديمقراطية للبلاد من خلال أن يكون للقوى التاريخية دور رائد في ذلك، ثم التقت مع المؤتمر الشعبي باعتباره الحزب الذي عارض انقلاب 25 أكتوبر 2021م، ثم التقوا أيضاً بوفد يمثل قوى الحرية التوافق الوطني، و هؤلاء يشكلون الأغلبية في الشارع السياسي. لكن قوى الحرية لا تستطيع أن تعلن هذا التوافق خاصة أن الاتحادي الأصل والمؤتمر الشعبي كانا مشاركين الإنقاذ حتى لحظة سقوطها، لذلك لابد من استخدام “محلل” فجاءت فكرة أن يكون هناك طرف ثالث يستطيع أن يجمع كل القوى، فكانت فكرة ورشة اللجنة التسييرية لنقابة المحاميين و صناعة الوثيقة الدستورية و دعوة كل القوى للمشاركة لكي تشكل الوثيقة أرضية سياسية لهذه القوى، وتشكل تحالفا سياسيا جديدا يستطيع أن يتسلم السلطة من العسكر، ويكون مؤسسات الفترة الانتقالية. لذلك كان تصريح الدكتورة مريم الصادق المهدي للجزيرة مباشر في شهر أغسطس سوف تكون انفراجة الأزمة. إلا أن التعقيدات جاءت من بعض القوى داخل التحالف. و في جانب آخر استطاعت بعض من القيادات التاريخية للاتحاديين خاصة في منطقة بحري و الجزيرة أن تتحرك وسط لجان المقاومة لكي تقنعهم أن الديمقراطية عائدة، وسوف يكونون هم قادتها، لذلك استطاع المركزي أن يكسب لجاناً عديدة، و تطرح شعار وحدة القوى الثورية. و وجد الحزب الشيوعي أن حركته مقيدة مرة أخرى في حدود واجهاته الخاصة.

هل سألت قيادة الحزب الشيوعي نفسها: لماذا تعثرت إجراءات تكوين ” تحالف الأقوياء” و لماذا جعل عبد العزيز الحلو وعبد الواحد محمد نور أنفسهم بعيدا عن تحالف يضمهم فقط مع الحزب الشيوعي؟ و يجب على القوى الواعية المدركة لدورها الوطني أن تعي القوى القادرة على تتحقق مصالح الوطن و المواطن حقيقة و ليس شعارات تردد.

إن السياسة هي فن تحقيق الممكن. إن الرؤية التي كان قد قدمها المكتب السياسي للحزب الشيوعي عن ورشة المحامين التي قال فيها ( الجوهري كما قدمنا أن جهة التنفيذ أيًا كانت لم تستبق انعقاد الورشة بورقة أو كراسة تتضمن رؤيتها حول موضوعاتها ،كما أغفلت المبادئ والمناهج التي تساعد على الوصول إلى وثيقة تلائم مطلوبات الانتقال المعقد في السودان، كما تساعد أيضًا على إيجاد الحلول الجذرية لحزمة الأزمات التي تعيق تحقيق أهداف الثورة ومهام الفترة الانتقالية، ويبدو واضحًا أن الورشة قد تنكبت الطريق الموصل لتلك الأهداف، ونستدل على ذلك بأن الشكل والمضمون المطلوبين في الدستور وفي القوانين وفي أجهزة تطبيقهما أيضًا، يجب أن تنطلق من حقيقة استمرار الثورة وتصاعد حركة الجماهير الفاعلة في نضالاتها وتضحياتها، وأن تتسق معها بالضرورة، قدر اعترافها ومعرفتها باتساع دائرة العنف والقمع الموجهين إلى إفشال الثورة وتقزيمها وهزيمتها بشكل كامل خدمة لمصالح أعدائها وإرجاع حكم الأقلية البائد الذي أسقطته الثورة.)

إن الورشة قد أخرجت توصياتها و قراراتها، إذا أراد الحزب الشيوعي أن يلحق بقطار الديمقراطية عليه أن يترك أسلوب الوصايا الذي يستخدمه و يتواضع لكي ينجز مع الآخرين عملية التحول الديمقراطي، أو ينتظر حتى يقدم نقدا ذاتيا كما فعله ذلك في عام 1953م في الحكم الذاتي. لذلك يجب على القيادات التاريخية للحزب الشيوعي التي لم تستطع أن تستوعب التغييرات التي حدثت في العالم، و حتى في الفكر الماركسي، أن تنسحب من المشهد السياسي و تترك القيادة لقوى جديدة قادرة على فهم التغييرات الحادثة، وقادرة أن تعيد للحزب دوره في صناعة الديمقراطية في السودان من خلال فكر جديد و رؤى جديدة و عقل جديد. و نسأل الله حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com

التعليقات مغلقة.