عن “ملهمات” حسن الجزولي

عن “ملهمات” حسن الجزولي
  • 05 أكتوبر 2022
  • لا توجد تعليقات

من مركز عبد الكريم ميرغني عزز الباحث حسن الجزولي إصداراته الاستقصائية بأخري جديدة تحت عنوان “ملهمات” وملهمات حسب التصنيف الثقافي، فإنه يقع في جنسية التاريخ الاجتماعي للأشخاص وفي سبيل الوصول إلي شخوصه خاض حسن تجربة حساسة وصعبة لأنه اختار شخوصه هذه المرة من “التابو” المحرم حسب ايقاعه الزمني، والمحرمات في السودان، وإن تراجعت كثيراً بحكم المتغيرات الكبيرة، فإن رواسبها لاتزال موجودة عند بعض الأسر .
بحث الجزولي هذه المرة في موضوع ثقافي ساد في عصر كان للشعر فيه سيادة وهي مادة الشعر نفسه التي تمثلت في المراة وحدها، وفاقم الجدار الذي كان قائما بين هذه المرأة والرجل من حدة الحس الشعري لدي الشعراء، فكانوا يحوّلون حرمانهم المادي بالتغني في الجنس الاخر إلى اكتفاء عاطفي فقط، وإن كانت الرغبة الجنسية المخفية هي المحرك الحقيقي لهم ولكن ليس في قدرتهم الوصول إلى من يحبون لأن المجتمع لا يسمح بذلك.
قبل الدخول في ملهمات حسن كان عليه شرح حالة العصر الذي عاش فيه شعراؤه وملهماته وهو عصر كان غارقاً في التخلف بمقاييس اليوم، فلم يكن الناس يعرفون الكهرباء، وكانت وسيلة المواصلات الوحيدة هي الحمير، وكان بالمحطة الوسطي مربط كبير لحمير الموظفين حتي ظهر الترام “الترماج”، وعدد قليل من السيارات، أما من ناحيه المعمار، فلم يكن للبيوت نوافذ كما نعرفها اليوم، فجدرانها كانت عالية جداً ليدخل الضوء والهواء عن طريق “الطاقة”، وهي كوة صغيرة موجودة في أعلى سقوف المنازل الطينية، وفي خطوة متقدمة تحول المجتمع إلى مجتمع اخر عندما أدخل الإنجليز الكهرباء، واللاسلكي، والبريد والبرق، والسكة الحديد، ومّثل هذا التطور مجتمعا جديدا إلا ان استجابة القيم الاجتماعية كانت ضعيفة جدا،هذا ذا لم تكن موجودة اصلا،فرغم الحداثة الحادثة كانت المراة هي “التابو” المحرم، ومثل نساء الخليج اليوم كانت المرأة تستخدم “البلامة ” لتغطية وجهها، وفي غرب السودان كانت النساء يركعن للرجل ويزحفن زحفاً لملاقاته، اما في المدن وفي حفلات العرس كانت الفتيات يجلسن ووجوههن غب الحائط، ويتلاصقن كالحملان مزيداً من الحشمة، والعريس فقط هو المسموح له اختيار البنات للرقيص، ولا يفوز بالشبال إلا من كان من أهل العرس، أو قريباً منهم، ولكن مع كل ذلك تتسرب عيون الفتيات وتتجاوب سراً مع الشباب الطامحين في الزواج .
من بين هؤلاء كان للشعراء حضور في “اللعبات” ملقين بصنارتهم في نهر الجميلات، وكانوا يصطادون من تعلق بذائقاتهم الشعرية، وفي تنافس ادبي في صراع التفوق إلى الشهرة يسعي الجميع إلى إجادة السبك لتبز قافية الوصف في المحبوبة قواف لشعراء آخرين وفي أحايين كثيرة تجري المباريات بينهم في وصف الملهمة .
وفي هذا العصر بمواصفاته التي أشرنا اليها، وفي جرأة حساسة دخل حسن الجزولي التجربة واستمر الخوف يلازمه من الفشل، أو ربما نفور مصادره منه إذا لم يكن الطرد أو الإساءة غير أنه اختار أسلوباً ذكياً في الوصول إلى المعلومات يبدأ بالتدقيق والتمحيص والبحث عن المصادر الحي منها وهو قليل، او عن طريق الحفدة الذين لا تزال ذاكرتهم تحتفظ ببعض المعلومات عن الملهمات، ونجح الكاتب في أن يصل إلى الحقيقي من المعلومات.

يتقدم الكاتب حتى يصل عصر الستينيات والمجتمع ينتقل من اللاسلكي والتلغراف إلى الراديو والتلفزيون والسينما والجامعة، ففي الجامعة كان الاختلاط لأول مرة بين الجنسين شباب وشابات من مختلف المدن والأرياف ولقاءات رسمية علي مدرجات المحاضرات تلي ذلك لقاءات في مقهي الجامعة وصحف الحائط التي كانت قنوات لإيصال الرسائل إلى الملهمات فكتب كامل عبد الماجد، وعلي عبد القيوم ومبارك بشير وفضل الله محمد، والزين عباس عمارة.
وفي الخارج كانت الحياة تتغيّر أيضاً مع إيقاع التطور، وهنا صار الشعراء يعيشون التجربة واقعاً عن قرب، وليس عن تمنيات، ومع ذلك كانت السرية شأن شخصي للشاعر والملهمة، فكتب الحسين الحسن، وصديق مدثر، وإبراهيم الرشيد، وعوض أحمد خليفة، وإسماعيل حسن وسيف الدين الدسوقي ومصطفي سند.
ومن داخل صندوق حسن الجزولي وفي الثلاثينيات والخمسينيات كان المجتمع ينتج قيمه الخاصة، وبالرغم من أن الناس كانوا يطربون للغناء ولكنهم كانوا يصفون الفنانين بالصياع أي الصعاليك، وحتي حين ظهور مغنيات رسميات من الإذاعة، فانهم كانوا ينسبوهن إلى أسرهم نسباً عنصرياً، وقمة المأساة، وكنت عليها شاهداً، وأنا في الثالثة عشر أن جرى اغتيال شابة من مدينة المناقل غنت في مناسبة عرس في حي الحلة الجديدة، فقد جاء أهلها تحملهم اللواري بالسيوف تحت هدير النحاس ليرتكبوا الجريمة البشعة ” ليغسلوا ” شرف الأسرة الذي دنسته ابنتهم .
siddiqmeheasi7@gmail.com

التعليقات مغلقة.