هل أصبح السودان مقبرة للاستثمار الخليجي؟

هل أصبح السودان مقبرة للاستثمار الخليجي؟
  • 09 أكتوبر 2022
  • لا توجد تعليقات

حسن أبو زينب عمر

أنما فسدت الرعية بفساد الملوك
وفساد الملوك بفساد العلماء
ولولا القضاة السوء والعلماء السوء
لقل فساد الملوك خوفا من انكارهم
الشيخ محمد الغزالي
تدور في وسائل التواصل الاجتماعي هذه الأيام رسالة مسربة يبدو انها لمستثمر خليجي تعرض لتجارب قاسية مؤلمة من النصب والاحتيال في السودان قاوم كبتها لفترة من الزمان ولكن هزمته مؤخرا مشاعر الخيبة والإحباط التي كانت تغلي كالمرجل في دواخله براكينا من الغضب فأطلقها في الفضاء العام زفرات حرى بسعير الحمم و طعم الحنظل للتنفيس عن الهواء الساخن . استوقفتني الصراحة التي يتحدث بها لأول مرة دون تحفظ .الاتهامات هنا لمستثمر ذائع الصيت تقدر ثروته ب 18 مليار دولار ولديه استثمارات في سلسلة من الفنادق والشركات وخطوط الطيران وأذكر ان حكومة الإنقاذ دعته لزيارة السودان في عنفوان حكمها وحاصرته بالحوافز للاستثمار في السودان ..لبى الدعوة ولكنه لم يلتزم بشيء فالبشير ووزرائه ومستشاريه الذين أحاطوا به في القصر الجمهوري أحاطة السوار بالمعصم لم يحصدوا منه شيئا سوى تبرع يتيم لم يتجاوز المليون دولار للأعمال الإنسانية .
(2)
الشريط تناول حالة الاستثمار في السودان فيقول (أن السودان حالة خاصة ليس في افريقيا وفي المنطقة العربية فحسب بل في العالم أجمع فكل ما يخطر على البال موجود في السودان من سوء إدارة وسوء قوانين و تقلبات سياسية من رؤية سقيمة للمستثمر من نظرة قاتلة للاستثمار والمستثمرين السعوديين خاصة والخليجيين على وجه العموم بل أن رجال الأعمال السودانيين أنفسهم هربوا باستثماراتهم الى أثيوبيا ومصر وتركيا وتشاد ) ..ويصب المستثمر مزيدا من الزيت على نيران هجومه فيقول (ان مسئولي الاستثمار في السودان أشبه بضباع تنقض على فريسة تنهش لحمها وتلتهمها وهي حية وهناك سوء في النظرة الشعبية للمستثمر مقرونة بحسد ) ويضيف رجل الأعمال الغاضب (باختصار كل شيء في السودان لا يصلح الاستثمار فيه فهناك ضرائب فوق الطاولة وضرائب تحت الطاولة مع وجود جيش من المدراء ووكلاء الوزارات لديهم سلطة التوقيع فضلا عن كم هائل من اللصوصية ومن الثقافة المريضة من التكالب على المستثمر مع عدم وجود دولة منذ ذهاب النميري ) .انتهى كلام المستثمر الخليجي .
(3)
الحقيقة ان هذه ليست التجربة المؤلمة الأولى عن الاستثمار في السودان فقد قرأت قبل أسبوع ما نشيت عريض لصحيفة سودانية يقول (اتجاه لرجال أعمال سودانيين لنقل استثماراتهم خارج السودان ) . وقرأت قبل سنوات حوارا مع رجل أعمال سوداني يقول انه اتجه الى أثيوبيا هروبا من الفساد والبيروقراطية للاستثمار في الزراعة بسبب ما وجده من مغريات وحوافز وتسهيلات ومع تسجيله نجاحا في هذا المنحى اتجه للتصنيع الزراعي . النتيجة أننا رغم اكتمال كل عناصر الإنتاج من أراض خصبة ومياه ومناخات متنوعة ومزايا أخرى منها موقعنا الجغرافي المميز الذي يقع على فركة كعب من دول الخليج أكبر أسواق استيراد الغذاء في العالم فلم نفلح في جذب المستثمر الخليجي (السعودي نموذجا) بدأ من الوليد بن طلال ومرورا بصالح كامل وليس انتهاءا بالراجحي فكل هؤلاء تعرضوا بصورة أو بأخرى لأنواع من الفساد الاقتصادي والمالي والاداري والسياسي والأخلاقي .
(4)
السبب قناعات راسخة في ذهن السلطة أيا كانت ان المستثمر هو (بقرة حلوب) ينبغي حلبها دون هوادة وليس أدل على ذلك هنا سوى الممارسات الشاذة التي شهد عليها المستثمرون بالاجماع أجانب كانوا أم أولاد بلد والتي تتعلق بازدواجية المعايير والقوانين في المركز والاقليم ..يأتي رجل الأعمال الى الخرطوم ويبرم اتفاقيات رسمية موثقة وموقعة تعلوها أختام الجهة المعنية بالاستثمار ولكن في المنطقة المستهدفة بالاستثمار يفاجيء بقوانين ومتطلبات جديدة تختلف عن ما يحمله من العقود الصادرة من رئاسة الوزارة في العاصمة .. يواجه هناك بمطالب جديدة هي المدخل للفساد جزء منها يتم تحت مظلة المسئولية المجتمعية وبعضها تسهيلات (اسم الدلع للرشوة) . هذا قبل أن يصطدم بالأهالي أنفسهم بتهمة تغوله في أراضيهم دون وجه حق .
(5)
الأرض مشكلة في السودان لا تقل عن مشكلة الفساد وهي خط أحمر دونه المهج والأرواح بطول البلاد وعرضها وهي المعوق الأول للاستثمار الذي هو أملنا الوحيد في الانعتاق من قبضة الجوع واذا لم يتم حسمها بإيجاد المعالجات العادلة فانها ستقف عقبة كؤود . وفي تقديري لن نستطيع محاربة الفساد الا بتشريعات رقابية صارمة watch dog من مجالس تشريعية منتخبة في ظل نظام ديموقراطي اذ ان كل أشكال الفساد ترعرعت في تربة دكتاتورية .لا تذهبوا بعيدا ..أنظروا الى دول مثل سنغافورة واليابان وهي بلاد ليست لها موارد طبيعية مثلنا ولكنها تعتبر الأكثر تقدما وتطورا في العالم .
(6)
الفساد الذي حرمنا الاستفادة من مواردنا الطبيعية الثرة في السودان وجعلنا كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول هو مسرح عبث له مؤلفون ومخرجون وأبطال وكومبارس كل له دور يؤديه في مشهد بائس محبط ينعى تماما امكانية أن نكون سلة غذاء ليس للعالم فحسب بل حتى سلة غذاء للإنسان السوداني . وحالتنا الآن أشبه بحالة العرب قبل حرب حزيران فمثلما كنا نحلم بسلة غذاء للعالم كان عرب حزيران يتمايلون من المحيط الى الخليج طربا مع كوكب الشرق وخطب أحمد سعيد ويحلمون برمي إسرائيل في البحر قبل أن ينهال الطيران الإسرائيلي على القواعد العربية ويقلب عاليها سافلها في هزيمة تأريخية نكراء أطلقوا عليها (النكسة) ..
(7)
وهي التي شهدت ولادة قصيدة دفاتر على هامش النكسة للشاعر نزار قباني الذي أبدع في تصويرها اذ يقول أكثر بيوتها ايلاما ..
كان بوسع بترولنا الدافق في الصحراء
أن يستحيل خنجرا من لهب ونار
لكنه وا حسرة الأشراف من قريش
وحسرة الاشراف من أوس ومن نزار
يراق تحت أرجل الجواري
ولمراعاة فارق التوقيت يرجى استبدال كلمة (بترولنا) بعبارة (ثرواتنا الطبيعية ) واحلال عبارة (أرجل الجواري) بعبارة (جيوب الفسدة والمفسدين ) .

oabuzinap@gmail.com

التعليقات مغلقة.