“الحرية والتغيير” – التوافق الوطني: ماذا بعد الإعلان السياسي؟

“الحرية والتغيير” – التوافق الوطني: ماذا بعد الإعلان السياسي؟
  • 10 أكتوبر 2022
  • لا توجد تعليقات

إسماعيل عبدالله

أعلن تحالف الحرية والتغيير – التوافق الوطني الحاضن السياسي لانقلاب الخامس والعشرين من اكتوبر الماضي، بالتضامن مع حزب البعث السوداني والحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، عن إعلان سياسي حدد ملامح ما أطلق عليه الترتيبات الدستورية المعنية بالفترة الانتقالية، وأهم ملامح هذا الطرح السياسي إجراء تعديلات على الوثيقة الدستورية التي نحرها الإنقلاب، وما عاد لها وجود أو مسوغ دستوري بعد كارثة الردة العسكرية التي حدثت قبل عام، فغريب أن نسمع من حاضنة الإنقلاب مثل هذا الحديث، لقد قام الانقلابيون بتصفير العداد، وإن أراد التوافقيون ابتدار الحلول الوطنية الصادقة للخروج من عنق زجاجة الإنقلاب العسكري، عليهم بالرجوع لمشروع تأسيس سلطة الشعب، المقدم من لجان المقاومة بولايات السودان، فلم يعد ترميم الوثيقة الدستورية البائدة يجدي فتيلا، أما فيما يتعلق بما طرحه هذا الإعلان السياسي من مسألة معالجة أوجه القصور باتفاق جوبا، فإنّ الأفيد للناس جميعاً إلغاء هذا الاتفاق الفتنة، الذي أصبح وبالاً على أهل دارفور، قبل أن يكون طعنة نجلاء في خاصرة التحوّل المدني لعموم أهل السودان، فالمحاصصة الإثنية لرموز الاتفاق خلقت غبن وحنق وفجوة وجفوة بين الناس، ومن باب أولى أن يتم التراجع الكلي عن هذه المهزلة، بدلاً عن استمراء المضي قدماً في هذا الطريق المخاتل.
إنّ خلاصة الزخم الإعلامي حول هذا الإعلان السياسي جاء مختصراً ومفيداً في الحوار التلفزيوني، الذي أجرته قناة العربية – الحدث مع عضو لجان مقاومة الخرطوم الشاب أحمد عصمت ومقرر تحالف الحرية والتغيير – التوافق الوطني أحمد الدفينة، الذي فنّد فيه الشاب أحمد كل إدعاءات الدفينة التي لا تمت إلى الواقع بصلة، حيث كشف عصمت عن هلامية الجسم المسمى بلجان المقاومة الذي أتى به التوافقيون لمنصة تأسيس إعلانهم السياسي، فقام هذا الشاب المقاوم الحصيف والراجح العقل بافحام مقرر التوافق الوطني، بأن اثبت له بمنطق بائن وحجة دامغة، عدم وجود مثل هذا الجسم الهلامي بين صفوفهم الممتدة عبر كل ولايات السودان، لم يقف عصمت عند هذا الحد، بل تبرع لضيفه في المقابلة بجرعة توعوية ثورية وطنية خالصة ليته ينتفع منها، ذلك بأن ذكّره بجميع المبادرات النخبوية الفاشلة والمملة المطروحة على المسرح السياسي، منذ خروج المستعمر من البلاد حتى آخر هذه المبادرات الفاقدة للمعنى والمقدمة من قبل العسكر، فلقّنه درساً في تاريخ النخب السياسية المدمنة للفشل، التي ظلت تصدر مثل هذه الاعلانات سعياً للحفاظ عن مصالحها الذاتية، وختم الثائر الصغير محاضرته القيّمة بتأكيده على تمسكهم بمباديء الثورة وباللاءات الثلاث، وأنّهم غير قابيلن للابتزاز أو الارتشاء.
إنّ جماعة التوافق الوطني قد انتحرت سياسياً منذ اليوم الذي أعلنت فيه عن وقوفها جنباً إلى جنب مع الإنقلاب، فكان يوم عيدها واستبشارها بالانقلاب هو اليوم الذي نُحرت فيه من الوريد إلى الوريد، فلم يستفد بعض رموز التوافق الوطني ممن كانوا تلامذة نجباء لشيخهم الراحل حسن عبدالله الترابي، من توبته النصوح من رعاية الانقلابات العسكرية وكفره البواح بدعمها ومساندتها، ولقد قيل في الأثر (من خالف شيخه فقد ضل الطريق)، فأنا استغرب لشخصيات مثل جبريل ابراهيم وسليمان صندل وأحمد آدم بخيت، الذين اكتووا بنار العسكر وانقلابهم اليونيوي المشؤوم تعذيباً وتشريداً وطرداً من الديار، أن يختموا حياتهم (السياسية) بهذا الانتحار العلني والمشهود، إذا كان الغريران أردول وأركو ممن هم تحت التدريب، فلا يجب أن يكون الشيوخ الكبار الذين كسا الشعر الأبيض لحاهم ورؤوسهم بهذا الغباء السياسي، إنّ هذه البلاد وغيرها من بلدان الجوار الأفريقي والعربي لن يُجدي معها استخدام القوة العسكرية، في التحكم على مصائر شعوبها التي جُبِلت على رفض الغطرسة والهيمنة العسكرية، فتقديرات التوافقيين (الحركيين) لم تكن بذلك القدر من القراءة الصحيحة لمآلات االأمور، وها نحن نشاهد صباح كل يوم جديد التخبط والترنح الذي أمسى سمة بارزة لداعمي الإنقلاب هؤلاء.

اسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com
9 اكتوبر 2022

التعليقات مغلقة.