بعد انقطاع 24 عامًا.. امتحنت وأحرزت 71% في الثانوية.. ماجدة المنا: الانقطاع حول حلمي من “الشرطة” إلى “الإعلام”

بعد انقطاع 24 عامًا.. امتحنت وأحرزت 71% في الثانوية.. ماجدة المنا: الانقطاع حول حلمي من “الشرطة” إلى “الإعلام”
ماجدة المنا
  • 17 أكتوبر 2022
  • لا توجد تعليقات

خاص التحرير

ممتنة لأمي وزوجي وأبنائي لتشجيعي

مدارس رفضت قبولها لعامل السن واحتضنتها مدارس امتداد حلة كوكو

حوار: د. حسين حسن حسين


ماجدة المنا توتو المنا طالبة أحرزت نسبة 71% في امتحان الشهادة الثانوية، طبعًا هذا أمر عادي، فهناك عدد كبير من الطالبات حصلن على نسب أعلى منها بكثير، ولكن ما يميزها أنها عادت إلى الدراسة بعد انقطاع دام 24 عامًا، وامتحنت مع ابنها مصعب وابنتها روان، اللذين نجحا أيضًا.
تحكي ماجدة في هذا اللقاء جوانب من قصتها، حتى تكون ملهمة لكثيرين يراودهم حلم استكمال الدراسة إلا أن التعلل بالسن والظروف يمنعهم من تحويل حلمهم إلى حقيقة.
تجربة ماجدة وراءها زوج يتفهم رغبة زوجته ويشجعها، وأبناء فرحوا للخطوة، فكانوا عونًا لها.
مدارس وقفت عقبة أمامها وكانت سببًا في إحباطها، ومدرسة ومديرتها ومعلماتها قدمن الدعم والتشجيع، وهذا يتطلّب قرارات واضحة من وزارة التعليم تتيح الفرصة لكل من يريد العودة للدراسة، ونيل حقه في التعليم.
في هذا الحوار مع هذه الأم المربية، والتلميذة المجتهدة والطموحة، نقف على محطات في تجربتها الملهمة لغيرها، وهي توجه نداءً لمن بيده الأمر بأن تنال منحة لدراسة الإعلام، الذي تعشقه، خصوصًا مع تميز قدراتها الصوتية.

ماجدة مع أسرتها

كيف تلقيتِ خبر نجاحك؟
كانت مفاجأة كبيرة لي، “أنا مبسوطة شديد لأنه أهم إنجاز لي هذا العام “.

كيف كان رد فعل زوجك وأولادك؟
استقبل أولادي خبر نجاحي بالتصفيق، وأطلقوا صرخات الفرح، وضموني عليهم، وباركوا لي بفرحة لا توصف.
ولدي البكر يدرس في كلية الحقوق بجامعة القاهرة (مصر)، اتصل بي قال لي: “مبروك يا ماما رفعتِ راسنا فوق”.
واتصل زوجي من المملكة العربية السعودية “وهو فرحان شديد”، بارك لي، وقال لي “إذا من زمان امتحنتِ كان هسه خلصتِ جامعة لكن الآن الفرصة قدامك “.
واحتفل بفرحته ببوست تهنئة على صفحته في الفيسبوك، مع الدعاء بالتوفيق. أنا مدينه له؛ لأنه أكبر داعم و سند لي لتحقيق النجاح .

ما التخصص الذي تريدين دراسته؟
بإذن الله تعالى، سألتحق بكلية الإعلام.

ما أسباب اختيارك له؟
أنا منذ الصغر أي من مرحلة الأساس كنت أشارك في الإذاعة المدرسية، وعندما كنت في السعودية كنت قدم برامج الجمعيات الثقافية في الرياض، ونلت الإعجاب والإشادة من المحيطين بي، وعندما رجعت السودان نلت كورسات ودورات تدريبية في الإعلام وتدربت في بعض الإذاعات، مثل: إذاعة جامعة الخرطوم، وإذاعة الخرطوم الاقتصادية، وإذاعة جامعة أفريقيا العالمية، وأشكر كثيرًا الأساتذة الذين تدربت على أيديهم، واكتشفوا قدراتي، وإمكانيات صوتي في التقديم الإذاعي، إلا أنه في كل مرة أحاول فيها الالتحاق بعمل إعلامي تواجهني مشكلة الشهادة، وتقف عائقًا أمام طموحي؛ لذلك قررت جادة الرجوع للدراسة ، والتخصص في الإعلام تحديدًا.
هل كنتِ ستختارين التخصص نفسه إذا لم تنقطعي عن الدراسة؟
لا، لأن كانت تطلعاتي في السابق أن أصبح ضابط شرطة، ولكن مع مرور الوقت، وتقدم العمر تتغير الرغبات والاهتمامات.

كم انقطعتِ عن الدراسة؟
انقطعت 24 عامًا، لكن خلالها لم أفقد الأمل يومًا. في كل عام، عندما تُذاع أسماء الطلاب والطالبات الناجحين، كنت أقول في نفسي: “يوما ما أنا سوف أقف مكانكم”، وقد كان.. الحمدلله كثيرًا .

لماذا كان هذا الانقطاع؟
بعد أن تزوجت اغتربت في السعودية حيث يعمل زوجي، وأنجبت خمسة من الأولاد والبنات، وانشغلت برعاية الأبناء، وكل ما أنوي الرجوع للدراسة، يكون عندي أحد من أولادي ممتحن في مرحلة ما، فكنا أفضل أن أتفرغ له وأركز معه، إلى أن امتحن أبنائي الثلاثة الكبار، فشعرت بأنَّ الضغوط والمسؤولية خفت قليلاً؛ لذلك قررت أن أمتحن هذه السنة.
كيف كان أثر الانقطاع في مشاعرك وحياتك؟
نعم، أنا توقفت عن الدراسة، ولكن كنت مطلعة ومثقفة نوعًا ما، ولكن دائمًا كنت أشعر أنَّ هناك شيئًا ما ينقصني، لكون طموحي ليس حدود.
وإطلاقا لم يؤثر انقطاعي عن الدراسة في حياتي؛ لأن زوجي دائمًا كان بحثني على مواصلة الدراسة، وبرغم من أنه خريج محاسبة إلا أنه لم يجعل الإحساس بالدونية يتسلل إلى نفسي، لأنه دائمًا “بشوفني ذكية ومثقفة وطموحة”.

كيف عدتِ إلى مقاعد الدراسة؟
عندما قررت أن أجلس لامتحان الشهادة هذا العام، راجعت عددًا من المدارس، إلا أنها للأسف كانت ترفض قبولي، عندما تعلم بسنوات انقطاعي عن الدراسة، وبعدها ذهبت إلى مدرسة امتداد حلة كوكو، وقابلت مديرة المدرسة الأستاذة إحسان عبد العال، والأستاذة جميلة جلاب مشرفة فصول الاتحاد، وبعد أن حكيت لهما قصتي، وأبديت رغبتي في العودة إلى فصول الدراسة، وامتحان الشهادة، رحبا بي، موضحتين أن من حقي أن أمتحن، وأنال الشهادة، ولهذا أود أن أشكرهما، وكل المعلمات، ومنهن من كن يقدمن لي المذكرات بلا مقابل، وأخصُّ بالشكر الأستاذة أميرة معلمة الرياضيات، التي كانت تتكبد مشاق الطريق، وتأتيني في البيت لتشرح لي، وأ شكر للأستاذة نايلة الحاج أحمد معلمة اللغة العربية التي كانت تتأخر معنا لساعات إضافية بعد نهاية اليوم الدراسي في المدرسة، وأشكر ابنتي الكبرى روان التي جعلت لي مادة اللغة الانجليزي سهله ومحببة، ويمكن النجاح فيها .
كما أنني ممتنة جدًا لزوجي الذي كان يتابع معي أيام الامتحانات، ويسألني بشكل يومي عن أدائي، ويرفع معنوياتي.
أقول لهم: ألف شكر وتقدير لكم جميعًا.. لولاكم لم يكن هذا الحلم حقيقة.

ما أهم دوافع العودة؟
عندما كنت اتدرب على التقديم الاذاعي في الإذاعة، كانت هناك فرص عمل أفضل، لكن كان من أهم الشروط الحصول على بكالوريوس الإعلام.
كنت كلما أذهب للأمام بسبب الموهبة وقدراتي الصوتية، أجد عدم الشهادة يقف سدًا منيعًا أمام أن أتقدم، لذلك كان هذا أقوى دافع للرجوع للدراسة، وتحقيق حلمي بدراسة الإعلام .

هل كان لأحد دور في ذلك؟
كان لأمي الدور الأكبر بالدعم والمساندة والدعوات، “ربنا يخليها لينا”.
وأيضًا لزوجي دور كبير في عودتي إلى الدراسة.. التحية والتجلة له.

كيف كان شعور الزوج حين اتخذت هذا القرار؟
كان سعيدًا، و”مبسوط شديد “، وقال لي: “الدراسة ما عندها عمر معين الآن يمكن تواصلي وتوصلي لحلمك “.

كيف كان تعامل الأبناء معكِ وأنتِ تشاركينهم المذاكرة؟
في الأيام الأولى، كنت أرى نظرات الاستغراب في عيونهم. في المساء كنا نجلس سويّاً في طاولة المذاكرة، نحل الواجبات، ونحفظ القصائد والسور، وابني الأوسط مصعب وابنتي الكبرى روان كانا يقدمان لي المساعدة، بالاهتمام بدراسة إخوانهم، ومقسمين المواد بينا “.
وكانت روان تشرح لي مادة اللغة الإنجليزية؛ لأنها خريجة مدارس عالمية، وأنا نجحت في الانجليزي بفضل مجهودها معي.

هل كان للعودة تأثير إيجابي في الأبناء؟
نعم لاحظت تأثيرًا ايجابيّاً فيهم، فقد صاروا أكثر التزامًا بحل الواجبات والمذاكرة، وأكثر حماسة من قبل.
أنا كنت أقول لهم أفضل لكم أن تدرسوا وتخلصوا وأنتم صغار؛ لأن الدراسة بعد تقدم العمر فيها صعوبات، بسبب كثرة الهموم والمسؤوليات، وقلّة التركيز.

كيف كان رد فعل من حولك؟
أسرتي الكبيرة وأسرتي الصغيرة كانتا سعيدتين، وداعمتين، وفرح أفرادهما بنجاحي كثيرًا.
وكانوا بقولون لي: مبروك.. خطوة في الاتجاه الصحيح، كما كنت قدوة لبعض المترددين في أخذ هذا القرار ، فمثلا سلفتي (زوجة شقيق زوجي) عادت الآن لصفوف الدراسة مرة أخرى.

هل داخلكِ الياس يومًا ما، وقررت الانقطاع عن الدراسة مرة أخرى؟
لا لم يداخلني اليأس يومًا، برغم أنَّ المذاكرة كانت قد قلّت في شهر رمضان؛ لانشغالي بالعبادات، وطقوس رمضان، ومع هذا كنت دائمًا أضع نصب عيني تحقيق الهدف، وتفضيل أن أتعب مرة واحدة، حتى أصل إلى مرادي، بدلاً من الاستكانة والإحباط.

كيف استطعت التوفيق بين واجبات البيت والدراسة؟
في أول أيام تعبت جدّاً، لأنني أخرج الصباح مع اولادي، وأذهب إلى مدرستي، وبعد العودة من المدرسة أدخل المطبخ.
وقررت بعد فترة أن يكون برنامج الطبخ والتنظيف والغسيل في المساء.
كانت ابنتي روان وابني مصعب يساعدان كثيرًا في واجبات البيت، وفي المذاكرة لإخوانهما.
كنت أصحو مبكرًا، وبعد أن أصلي الفجر، أذاكر لمدة لمدة ساعة أو أكثر يوميّاً، ومن ثم، أبدأ بتجهيز أبنائي للمدارس، وفي المساء، بعد حل الواجبات كنت أذاكر لأطول فترة ممكنة .
وقد انقطعت عن التلفاز ما عدا الأخبار، وضيقت مشاركاتي الاجتماعية، و”الحمدلله أنا مبسوطة أنَّ كل هذا التعب لم يذهب هباءً.

كيف تعاملتِ مع الامتحانات؟
قللت ساعات النوم، وأغلب وقتي كنت أذاكر لدرجة أنني كنت أنان وسط كتبي ومذكراتي.
أتذكر في أول امتحان وكان تربية إسلامية، بعد أن تم إجلاسنا، وبدأت المعلمات المراقبات بالنصائح، شعرت بالخوف من الفشل، وانهرت بالبكاء، بينما المعلمات بدأن في تطييب خاطري، وطمأنتي، وتمنين لي النجاح، وأوضحت لهن أنني منذ 24 عامًا لم أجلس هذه الجلسة .
ومن المواقف الطريفة التي مرت بي أيام الامتحانات : أن الشرطي حارس البوابة قال لي: أنتِ كل يوم تحضرين إلى هنا، “عندك بنت ممتحنة هنا ولا شنو؟”، قلت له : “لا ممتحنة أنا ذاتي”، ردّ بإعجاب:ما شاء الله، الله يوفقك.

هل هذه هي المرة الأولى التي جلست فيها لامتحان الشهادة الثانوية؟
لا جلست للمرة الأولي عندما كان عمري 18 عامًا من مدرسة الخرطوم القديمة في العمارات.

بماذا توصين كل من يريد العودة للدراسة؟
أوصيهم بالتوكل علي الله، وألا يفقدوا الامل أبدًا، وأن يثقوا في أنفسهم، وفي قدراتهم كثيرًا، وأن يجتهدوا ويثابروا لنيل النجاح، و تحقيق طموحاتهم، فما نيل المطالب بالتمني .
النجاح استحقاق الجهود، وتجاوز التحديات، كما قال الكاتب عثمان نواي.
وأوصي الجميع بالتعليم ثم التعليم؛ لأنه لغة هذا العصر.

ما الذي تتمنيه اليوم وأنتِ على أبواب الجامعة؟
أتمنى أن أوفق بمنحة جزئية في كلية الإعلام بجامعة مرموقة، لأن أنا واثنين من أبنائي (مصعب وروان) على أعتاب الجامعة هذا العام، وهذا سيزيد العبء والمسؤوليات على زوجي؛ لذلك أتمني ان تسنح لي الفرصة حتي لا أنقطع عن الدراسة مرة أخرى، وأتمنى أن اتميز في مجال التعليق الصوتي علي طريقة الأفلام الوثائقية، فهذا الحلم كثيرًا ما تمنيته.
وأتمني التوفيق لأبنائي في مسيرتهم التعليمية، وربنا يحقق أحلامنا فيهم، وأتمنّى النجاح لكل من يريد العودة لصفوف الدراسة مجددًا .
والشكر أجزله لصحيفتكم على إتاحة هذه الفرصة، وتقبلوا تحياتي.

الزوج يحيى أندو: إنجازها ملهم للأبناء وأتمنى أن تكمل الدراسات العليا

يحيى أندو

كان اللقاء مع الزوج الأستاذ يحيى أندو المغترب في المملكة العربية السعودية – وهو بالمناسبة رياضي، وكان حارس مرمى فريق بري – ليتحدث عما حققته زوجته من إنجاز.

ما شعورك وأم الأولاد تنال الشهادة الثانوية بعد طول انقطاع عن الدراسة؟
والله الواحد سعيد كل السعادة على هذا الإنجاز العظيم، وكنت دائمًا أحثها على مواصلة تعليمها؛ بعد أن لمست نبوغها واهتمامها بالتعليم، إلى جانب ثقافتها العالية.
طبعًا هي جلست لامتحان الشهادة أول مره قبل 24 عامًا، وتزوجنا مباشرةً بعد الامتحانات، ونسبتها لم تمكنها من المنافسة، وكنت دائمًا أشجعها على مواصلة التعليم، ولكن رعاية الأولاد حالت دون ذلك، فقد رزقنا – بحمد الله- خمسة من الأبناء والبنات (ثلاثة أولاد وبنتان)، ولكن بعد أن أصبح في إمكانهم الاعتماد على أنفسهم، فالابن الكبير محمد في كلية الحقوق بجامعة القاهرة (مصر)، وهو على وشك التخرج، والابنة روان ومصعب امتحنا الشهادة البريطانية IGCSE ، وهما على وشك الالتحاق بالجامعة، والابن مصطفى في الصف الثاني الثانوي بكلية كمبونى، ورنيم في الصف الخامس.

كيف ترى إصرار زوجتكم على تحقيق هذا الإنجاز؟
أرى أن لديها الإرادة القوية، وتحدّت كل الصعاب، رغم مسؤوليات الأولاد والبيت، وخصوصًا أنني في الاغتراب، وبعيد عنهم، استطاعت أن تحقق هذا الإنجاز.

كيف كان دوركم ودور الأبناء في دعمها؟
كما ذكرت سلفًا كنت دائمًا أشجعها وأدعمها معنويًا لمواصلة تعليمها، وكنا أؤكد لها أن التعليم ليس له عمر محدد، أما دور الأبناء فتمثّل في مساعدتها في استذكار بعض المواد، خاصة اللغة الإنجليزية؛ لأنهم درسوا المنهج العالمي، كما كانوا يساعدونها في مسؤوليات البيت.

ماذا لو أصرت على إكمال الدراسة الجامعية؟
الهدف من عودتها للجلوس لامتحان الشهادة هو إكمال الدراسة الجامعية، بل الدراسات فوق الجامعية كذلك.

ألا تخشى أن يؤثر ذلك في اهتمامها بأسرتها؟
لا أبدًا، فكونها تجلس لامتحان الشهادة، وتحرز هذا الإنجاز من دون أن يؤثر ذلك في اهتمامها ببيتها، دليل على أنها قادرة على التوفيق بين دراستها ومسؤوليات الأسرة.

كيف سيغير هذا الإنجاز حياتكم؟
لا شك له أثر إيجابي كبير في كل النواحي، فأولاً يلهم الأبناء ويشجعهم على الاهتمام بالتعليم، وثانيًا يبين لهم أهمية إدارة الوقت، والاستفادة منه في الشيء المفيد.
في الختام نشكر لكم تسليط الضوء على هذه التجربة، ونأمل أن تكون مفيدة للقراء الكرام.

نُشر بالتزامن مع صحيفة أخبار اليوم، الاثنين (17 أكتوبر 2022م)

التعليقات مغلقة.