المتحولون عرقياً .. و المتحولون سياسياً!!

المتحولون عرقياً .. و المتحولون سياسياً!!
  • 29 أكتوبر 2022
  • لا توجد تعليقات

د. حامد برقو عبدالرحمن

حملة “التحرير”: لا لخطاب العنصرية والكراهية

(1)
قبل سنوات، وفي رحلة بحث عن فرص التنقيب بإحدي دول جنوب غربي افريقيا؛ أخذني المرافقون المحليون إلى مقر سلطان القبيلة. بحسب قوانين تلك الدولة، فإن موافقة المجتمعات المحلية أمر حاسم في نيل امتياز التنقيب.
رغم البروتوكولات التقليدية، فإن مجلس السلطان كان عصرياً للغاية.
سأل السلطان من حوله من المساعدين إن كنت أجيد لغة الفلاتا؛ فأجابوه بالنفي. رد السلطان باستنكار مفتعل كيف يكون أفريقياً، وهو لا يجيد لغة الفلاتا.
ثم تحدث معي بالإنجليزية بلكنة الرئيس بارك اوباما. لاحقاً عرفت بأنه يجيد العربية ايضاً، بجانب العديد من اللغات الحية.
الرجل ليس سلطاناً تقليدياً فحسب، بل كان ترتيبه الثالث في دستور الدولة؛ بعد رئيس الجمهورية و رئيس البرلمان، بجانب أنه رئيس وعضو مجالس إدارة عدد من الجامعات الإفريقية.
صفة الفلاتي في كثير من دول غرب ووسط غربي أفريقيا تعنى مسلم.
لذا فهي مصدر اعتزاز الناس هناك، ومن حسن حظي أأنا واحد من المعتزين بتلك المجموعة العرقية الفاضلة.

(2)
عابني البعض على الإسراف في تناول معضلة الجهوية و العنصرية في السودان؛ لكن بتصوري أن لا شيء يحفز على الاستمرار في الدواء غير بقاء الداء .
و داء القبلية والجهوية في السودان قد شارف مستوى كارثياً يستدعي معه تدخل خبراء علم النفس الاجتماعي، بالتزامن مع تشريعات قانونية لحماية المجتمع في كنف التزام سياسي صارم و تعاون وثيق من منظمات المجتمع المدنى.
إلا و على العالم ان يعد نفسه لتكرار مشاهد رواندا (لا سمح الله بها).

(3)
ليس من المصادفات ان يكون أكثر وزراء الداخلية الذين مروا على المملكة المتحدة في السنوات الاخيرة تشدداً تجاه المهاجرين من أصول غير بريطانية. و هما الوزيرة بريتي باتيل التي شغلت المنصب في حكومة بوريس جونسون من عام 2019 حتى سبتمبر 2022. و هي صاحبة فكرة ترحيل طالبي اللجوء .
ثم الوزيرة سويلا برافرمان التي لم تمكث في منصبها غير اسابيع في حكومة ليز تراس المنهارة.
الوزيرة برافرمان ستقالت بشكل أساسي بسبب استخدام بريدها الخاص لعمل رسمي، لكن في خطاب استقالتها ذكرت سبباً اضافياً، وهو عدم التزام الحكومة بتعهداتها في مكافحة الهجرة غير الشرعية.
المفارقة: كلتاهما من الأصول الهندية المهاجرة.
حالة رفض من هم من أصول مهاجرة للاخرين تستدعي البحث والدراسة السايكولوجيين.

(4)
بالمقال السابق عندما تمنيت تأسيس وزارة خاصة ل( التضامن الإجتماعي وتعزيز المواطنة) بغرض إعادة تلاحم لحمتنا الوطنية، مع اقتراح لإجراء فحص الحمض النووي لعدد معين بكل قبيلة من قبائل السودان لمقارنتها فيما بينها و مع نظيراتها في المحيطين العربي و الافريقي، بغرض تبديد وهم التباين الذي يتمالك بعض السودانيين؛ غضب البعض.
بل اعتبروا الأمر نفسه دعوة للعنصرية.
فهو منطق معوج و معطوب. ربما ظن هؤلاء الناس بأنني اسعي الي نفي قرابة بعض السودانيين للسوريين أو اللبنانيين أو إثبات صلتهم بالإثيوبيين و النيجيريين.
ليس هذا أو ذاك، انما الفحص سيعزز مدى قرابة السودانيين لبعضهم البعض.
مثلما تكرم احد المعلقين الظرفاء بالقول: بإنه ليس فحصاً ل( HIV) انما فحص الحمض النووي ( DNA) للغرض المذكور ثم لمعرفة من نحن ومن نكون .!!

(5)
خلال السنوات الماضية مارس المتحولون سياسياً استعداء غير مبرر تجاه تظيماتهم السياسية السابقة.
للأسف فإن الأمر قد اصبح أكثر ضراوة لكن هذه المرة من قبل المتحولين عرقيا أو قبلياً.
دعكم عن التشبث بالكونغوليين أو السعوديين؛ فإن كثيراً من السياسيين السودانيين الذين تصدروا الساحة من قبل، قد تحولوا من قبائلهم الأصلية إلى قبائل أخرى( ظناً مريضاً منهم بأفضلية من تحولوا إليهم، و لا يدرون ان جميع السودانيين من نبت واحد او متقارب على الأقل).

(6)
في الأسبوع الماضي عندما أصدرت دولة الإمارات العربية المتحدة قراراً بحظر تأشيرات معينة لرعايا عشرين دولة افريقية، من ضمنها السودان ( وهو قرار سيادي من قبل إخوتنا بدولة الأمارات، نحترمه و نتفهمه).
لكن السودانيين كعادتهم انقسموا الي فريقين – فريق غاضب لا لشيء غير ورود اسم السودان ضمن الدول الافريقية، بينما فريق آخر اجتاحه الفرح ، و مبعث ابتهاج الفريق الأخير ايضاً وضع اسم السودان ضمن قائمة الدول الافريقية، نكاية بسودانيين آخرين ، حتى ان كان المبتهجين هؤلاء متضررين من القرار الاماراتي.

دعونا نكون سودانيين فحسب – لا أفريقيين و لا شرق اوسطيين.
برأيي، فإن هذا يكفي !!

د. حامد برقو عبدالرحمن
NicePresident@hotmail.com

التعليقات مغلقة.