انحراف البناء القاعدي للجان

انحراف البناء القاعدي للجان
  • 06 نوفمبر 2022
  • لا توجد تعليقات

د. يوسف السندي

الكره والحقد غير المبرر على الاحزاب السياسية السودانية جعل كثيراً من النشطاء والكوادر المستقلة الفاعلة في الفضاء العام تسعى بيديها ورجليها من أجل أن تحل لجان المقاومة محل الاحزاب السياسية، مع نسف هذه الاحزاب وتدميرها وذرها للريح، ليمثل هذا أكبر الانحرافات في مسيرة ثورة ديسمبر بل اكبر الانحرافات في تاريخ العمل السياسي والنضالي السوداني.

الانحراف الحالي في دور اللجان ظهر مؤخراً ولم يكن موجوداً في السابق، فالدعوات التي صدرت من أجل البناء القاعدي، كانت دعوات موضوعية ومنطقية من أجل تنظيم المقاومة في كل منطقة جغرافية، كان هذا هو هدف البناء القاعدي، وكان هدفه الاستراتيجي الموضوعي بعيد المدى هو المحافظة على هذا البناء ليكون قوة ضغط شعبية راسخة مهما تعاقب الحكومات، وهو ما يضمن لهذه المناطق حقوقها كما يمثل حارس للدولة المدنية ومانع لانزلاق الحكومات نحو الفساد والشمولية.

هذا هو المدى الطبيعي والمفهوم الذي شجعنا عبره البناء القاعدي، ولكن يبدو ان البعض كان يضمر اجندة خفية خطيرة، وهي بناء أجسام جغرافية سياسية تحل محل الاحزاب السياسية وتضرب وجودها.

هذا المخطط استفاد من حملة طويلة الأمد استهدفت النيل من قيمة الاحزاب السياسية ومن رموزها وقادتها، حملة قادتها وغذتها الانظمة الشمولية والدكتاتوريات، وصرفت عليها بسخاء، مستثمرة الفشل السياسي في استقرار الديمقراطية وتطاول الشموليات باعتباره نتاج اساسي لوجود هذه الاحزاب السياسية.

الحملة الشمولية ضد الاحزاب السياسية المدنية شوهت الواقع السياسي وحقنت الواقع الراهن بجرعات عالية من سم الكراهية وجراثيم النقد غير الموضوعي لنشاط وأفعال الاحزاب، مما جعل الكثيرون يفقدون الثقة في هذه الاحزاب ويعزفون مع الجوقة نشيد الخراب القائل:( تسقط النخب، تسقط الاحزاب ).

يظن الكثيرون ان الاحزاب اختطفت الثورات، بينما الحقيقة ان الثورات اندلعت لان الاحزاب ظلت تعمل طيلة سنين الشموليات في فضح الشموليات وفي تبصير الجماهير بضرورة وفوائد التغيير، وقدمت الاحزاب في سبيل نشر هذا الوعي تضحيات عظيمة عبر الاعتقالات والتعذيب والقتل والفصل من الوظيفة ومصادرة دور الاحزاب ومنعها من النشاط السياسي الخ.

لولا الوعي السياسي الذي أدّت أحزاب السودان المناضلة دورا جوهريا في تمليكه للجماهير، لما اندلعت ثورة شعبية في السودان في عام ١٩٦٤ ولما تكررت في ١٩٨٦ وفي ٢٠١٨، والدليل ان الدول التي من حولنا والتي لا توجد فيها أحزاب سياسية لم تشهد قيام ثورات شعبية الا بعد مجيء العولمة وانتقال الوعي السياسي إلي جماهيرها عبر الإنترنت ووسائل الإعلام الحرة.

sondy25@gmail.com

التعليقات مغلقة.