مدير سجن كوبر من أحفاد غزية

مدير سجن كوبر من أحفاد غزية
  • 13 ديسمبر 2022
  • لا توجد تعليقات

حيدر المكاشفي

كأني بمدير سجن كوبر حين امتنع عن تنفيذ أمر المحكمة الذي قضى بفك أغلال الثائر توباك ونقله إلى الزنزانة التي يحتجز فيها بقية رفقائه المتهمين، كأني به كان يتمثل عصبية الشاعر دريد ابن الصمة لقبيلته، عندما قال (وما أنا الا من غزية ان غوت غويت وان ترشد غزية أرشد)، فتعصب مدير السجن لقبيلته المهنية (الشرطة) ولم يمتثل لأمر القاضي، ففي جلسة المحاكمة التي انعقدت الاسبوع الماضي لمحاكمة الثائر توباك وبقية زملائه الثوار المتهمين بقتل العميد شرطة بريمة، جئ بالثائر توباك الى قاعة المحكمة وهو مصفد بالسلاسل وتبدو على وجهه آثار اعتداء ظاهرة، وازاء هذه المخالفات القانونية البينة التي تصادم مقتضى العدالة وحقوق المتهم، قرر هذا القاضي الشجاع تعليق الجلسة بعد وقت وجيز من بدايتها وأصدر أوامره لادارة السجن بنقل المتهم توباك من زنزانة الغربيات إلى الزنزانة الشرقية مع المتهمين معه، وعدم وضع القيود الحديدية على أيادي وأقدام المتهمين عند إحضارهم للمحاكمة، ولكن عند انعقاد الجلسة التالية بداية الأسبوع الجاري، لاحظ القاضي إن مدير السجن لم ينفذ أوامر المحكمة بما يعد اهانة لها ويستبطن عدم اعتراف واستهتار بأوامر القاضي، فأصدر أمرا بتقييد دعوى جنائية في مواجهة مدير سجن كوبرالاتحادي لعدم تنفيذه أوامر المحكمة، ولمخالفته نص المادة 90 من القانون الجنائي السوداني لسنة 1991 كما أمر بنقل المتهم الأول توباك إلى سجن آخر..
الشاهد في عدم خضوع مدير سجن كوبر لأمر المحكمة، أنه يكشف عن روح متغطرسة ومتعالية متفشية في أوساط القيادات الأمنية والعسكرية، باستنكافها لتنفيذ أية توجيهات أو أوامر تصدر من (ملكي) حتى ولو كان التوجيه والأمر صادر من قاض، كما أنها تؤكد أيضا حقيقة تعصب العسكريين بعضهم لبعض، ودفاعهم عن بعضهم البعض وتبرئة بعضهم البعض ولو بالباطل، وقد شاهدنا ذلك في الاستضافات التي تتم لبعضهم في الفضائيات أو الاذاعات أو الصحف، فما إن يسأل أحدهم عن رأيه في الانتهاكات الجسيمة المفضية الى القتل التي تلغ فيها القوات الموكل اليها فض مواكب الثوار السلمية، إلا وينبري لتبرئة هذه القوات والدفاع عنها وايجاد المبررات لها، يفعل ذلك حتى العسكريين بالمعاش، رغم وضوح هذه الانتهاكات الفظيعة وسقوط عشرات الضحايا ومئات المصابين، مما لا يترك مجالا لانكارها أو الالتفاف على حقائقها الناصعة الموثقة إلا مكابرة،
وظل العسكريون وما انفكوا يكابرون حين يواجهون بهذا السؤال المحرج لهم، فيعمدون الى (اللولوة والدغمسة) ومحاولة دمغ الثوار السلميين بالعنف والتخريب، في مسعى مفضوح لتبرئة قتل المتظاهرين وسحلهم، وما تلك الا عصبية عسكرية منتنة لا تقل خطرا عن العصبية الاثنية التي انهكت حرث البلاد ونسلها، وكما يتوجب محاربة العصبية الاثنية ، يتوجب كذلك محاربة العصبية العسكرية، وهي عصبية مقيتة لاعلاقة لها بالغيرة المهنية، فالغيرة المهنية مطلوبة ومرغوبة لجهة أنها تجعل الشخص يحب عمله ويتفانى فيه ويدافع عنه بالحق وليس بالباطل ويسعى إلى تطويره وتنقيته من الشوائب، لا أن يكون من آل غزية كما قال الشاعر معهم في كل الأحوال حتى ان غووا، والمهنة العسكرية مثلها مثل المهن الأخرى ليس من المستبعد بل المؤكد وجود بعض عديمى الاخلاق والمتجاوزين بين ظهراني ممتهنيها، فالمهنة ليست أكثر من انتماء وظيفى، يسعى من خلاله أعضاء المهنة لضمان تطورها، وحسن ممارستها، أما أن تتحول المهنة إلى انتماء مغلق أصم، يمثل فى ذاته فى بعض الأحيان ما يشبه التضامن المظلم الظالم الذى تحدث عنه عالم الاجتماع الشهير روبرت بوتنام فتلك مصيبة..
فالتعصب المهني الأعمى، الذى يجعلنا نأبى مجرد قبول فكرة أن لكل شخص مثالب، قد تؤثر بشكل أو بآخر على مهنته، مهما علا أو قل شأنه، وكما أن هناك أشخاصا يستحقون نوط الجدارة والشرف، فقطعا هناك من يستحقون الازدراء والقرف..
الجريدة

التعليقات مغلقة.