إلى دعاة السـلام والتـحول الديمقراطى.. سـلامات..وقف الحـرب يبدأ بمحاصـرة الخطاب الذي أشعلها!!

  • 12 مايو 2023
  • لا توجد تعليقات

محمد الأمين عبدالنبي

الثابت في كل الحـروب سيما في العصر الحديث أن الأسلحة الدعائية التي تروج للحرب لا تقل أهمية من الأسلحة القتالية التي تستخدم في أرض المعركة، وتكاد تكون أفتك منها، فصدق من قال (إن الدعاية للحرب تلوث روح الإنسان الأمر الذي يعد أسوأ من تدمير جسد الإنسان نفسه).
من نافلة القول إن طبيعة الحرب التي دارت رحاها في الخرطوم حرب عبثية فاقدة لأي منطق أو مسوغ أو مبرر، ولكن شكلت الدعاية للحرب التي قادتها قوى الردة والثورة المضادة عاملاً أساسياً خطيراً في مسارها، والترويج للحرب كان قبل إندلاعها بشهور، وتصاعدت وتيرة الحملات في الإفطارات الرمضانية كمنابر للحملات الدعائية التي روجت إلى حتمية الحرب والتجييش وزرع الفتن وبث خطاب الكراهية والعنصرية، وعند إندلاع الحرب تمظهرت الدعاية الحربية في شعارات منظمة وتصنيفها تارة إنقلاباً وتارة أخرى تمرداً، وعمدت آلة التعبئة والدعاية إلى تحميل الإتفاق الإطاري المسئولية عن الحرب، والمعلوم بداهةً أن الطرفين لم يكونا مختلفين حوله بل العكس صحيح كان محل إجماع وتوافق بينهما، وحتي ورشة الإصلاح الأمني والعسكري آخر ورش ومؤتمرات القضايا الخمس في الإتفاق الإطاري تمت بموافقة ومشاركة كل الأطراف العسكرية والمدنية والأجهزة النظامية الأخري تنظيماً وترتيباً وحضوراً ونقاشاً، كما أن لجنة صياغة الإتفاق السياسي النهائي قد أكملت أعمالها بمشاركة الطرفين، وكذلك عقدت إجتماعات لجنة صياغة الدستور الإنتقالي أيضآ بمشاركة الطرفين لآخر إجتماع قبل إندلاع الحرب بيوم، هذه الفرية لم تنطلي على الشعب السوداني على الرغم من تكرارها مراراً، فقد وقفت هذه الدعاية حجر عثرة أمام احتـواء الحرب في مهدها، وكانت وراء إستمرارها حتى الآن.
شواهد كثيرة تؤكد على أن من زرع بذور الفتنة ومهد الطريق إلى الحرب وجـر العسكريين لها هم فلول النظام البائد، صحيح هناك تباين بين القوات المسلحة والدعم السريع في الجوانب الفنية للإصلاح والدمج والتحديث، وقد إستخدم هذا التباين في حملات إعلامية ممنهجة بغية عدم الوصول إلى إتفاق حوله وفي ذات الوقت بناء جدار سميك بين القوات المسلحة والدعم السريع من إنعدام الثقة مما فتح الباب أمام تبادل الإتهامات والتجييش والتوتـر ومن ثم التصعيد الذي قاد إلى الطلقة الأولى في الحرب.
كان واضحاً أن هناك تسابقاً بين القوى المدنية الموقعة على الإتفاق الإطاري وحلفائها في إيجاد حل للتباين بين القوات المسلحة والدعم السريع وخفض التوتر وإيقاف التصعيد وإقناع أطراف أخرى بالإنخراط في العملية السياسية، وما بين قوى الثورة المضادة، وقد إستطاعت الأخيرة عبر آليات الاعلام والدعاية قيادة المشهد للمواجهة والإشتباك والإقتتال، ويمكن القول بكل ثقة بأن هذه الحرب صنيعة الاعلام والدعاية المضادة للعملية السياسية وحلقة من حلقات إجهاضها، والتي أصبحت بعد ذلك واقعاً مأساوياً تجاوز الإستقطاب السياسي وأصبح مهدد لكيان الدولة نفسها، ومع ذلك لم تتوقف الدعاية الحربية بل ظلت تضـخ مزيد من الزيت لإستمرار إشتعالها، ورفض أي مبادرة للهدنة أو التهدئة أو التفاوض لوقف إطلاق النار ولو لدواعي إنسانية، فقد حجبت الدعاية الحربية للفلول وداعمي الحرب الآخرين الحقيقة والمصلحة الوطنية، وأصرت على أن لا تنطفئ شرارة الحرب بل تزيد ضـراوتها، وقد وصل الحال ببعض مروجي الحرب إلى البحث عن النجومية والشهرة بالترويـج للحرب والتشفي بالقتل والتشريد.
وتحولت حملات الدعاية المكثفة – عبر منصات وشخصيات سياسية وإعلامية – الحرب من كونها إقتتال كان يمكن إحتواءه إلى كأنها حرب بالوكالة ذات أبعاد آيدلوجية وسياسية، ساعد على ذلك النشر الواسع للشائعات المصاحب للدمار والخراب ونشر الرعب والذعر للمواطنين.
ركزت الحرب الإعلامية على شيطنة واسعة لكل من يرفض الحرب من المدنيين ورميه بالعمالة، ووصـم كل من يرفضها من العسكريين بالخيانة العظمى، وإطلاق عبارات عدوانية من أجل إيجاد شرعية للحرب، وتسويق خطاب يؤسس للتبرير الأخلاقي والمعنوي لها.
هذه الحملات الدعائية التي تروج للحرب جعلتها أكثر تعقيداً وعبثيةً كما وصفها القائد العام للقوات المسلحة.
المؤكد الذي لا يختلف حوله أثنين أن الدعاية الحربية كان لها دوراً كبيراً في تأجيـج الصراع بين الطرفين وتصويره كأنه صـراع كسـر عظم بين طرف منتصر وآخر مهزوم، دون مراعاة لدمار البنية التحتية للوطن وقتل المواطنين العزل الذي يعد العامل الأهم في معادلة الحرب والسلام، في المقابل والغريب تجد أن الخطاب الإعلامي لقيادة القوات المسلحة والدعم السريع على السواء ينطلق من أن أي منهما قد دخل الحرب مرغماً ويوافق على الهدنة والتهدئة والتفاوض وتخفيف آثارها وتداعياتها، وهذا ما فضـح خطاب مروجي الحرب، وعلى الرغم من خطورة هذا الفعل الترويجي والضخ الإعلامي الهائل للشائعات والدعايات والأخبار الكاذبة والمضللة والقصص المفبركة كوسائل لتشكيل الرأي العام إلا أنها لم تُقنع الشعب السوداني بجـدوى وشرعية هذه الحرب، بل ظل الصـوت الأعلى يرفض الحرب ويدعو الي إيقافها، كما أن حجم الدمـار والخـراب والقتل والمأساويات والخسائر التي تسببت فيها الحرب قد أيقظت الضمائر والعقول.
عمدت الدعاية الحربية على إخفاء الهدف من الحرب وخداع الشعب السوداني بتضخيم الخلاف من تباين محدود حول عملية الإصلاح والدمج والتحديث إلى الإتهام بالإنقلاب على السلطة – علماً أن أي طرف يتهم الآخر بالانقلاب وكلاهما يدرك أن الطرف الثالث هو مدبر الإنقلاب – وقد راهنت الدعاية الحربية على إخفاء المعلومات وصعوبة الحصول عليها في ظل إستمرار الإشتباكات، ولكنها لم تستطع اخفاء النوايا وضمور الغدر وقطع الطريق أمام التحول الديمقراطي، فقد أساؤوا الظن في ذاكرة الشعب السوداني الذي لم ولن ينسى ثلاثين عاماً من الإستبداد والطغيان.
صحيح انتصرت الدعاية الحربية، بالتأكيد هذا الإنتصار يقف وراءه الإستعداد المبكر لهذه الحرب والتخطيط لزعزعة الأمن والإستقرار ومعاقبة الشعب على ثورته المباركة، ولكن، أيضا كان هناك عامل مساعد آخر يتمثل في ضعف إعلام دعاة السلام والتحول الديمقراطي، وبالرغم من الخطوة الجبـارة في تكوين جبهة مدنية لوقف الحرب واستـعادة الديمقراطية، وإعلان مئات الكيانات والمجموعات ولجان المقاومة رفض الحرب، ونشر عشرات المقالات والبيانات والتصريحات التي تحث الطرفين بوقف الإقتتال، والظهور الإعلامي الواسع في القنوات الفضائية لمحللين وسياسيين وإعلاميين داعين لوقف الحرب إلا أن الأداء الإعلامي دون المطلوب بكثير، والمهمة التي لا تقبل التأجيل هي تأسيس خطاب إعلامي يقوم على الآتي:
١. يضع هذه الحرب في سياقها الصحيح بإعتبارها حرب بين دعاة حكم مدني ديمقراطي ودعاة ردة سياسية وديكتاتورية، فلا مصلحة للقوات المسلحة والدعم السريع في استمرارها وبالتالي لا معنى للتمسك بالمواقف الآنية على حساب المصالح الوطنية، وفي ذات الوقت لا تخدم الحرب قضايا الشعب السوداني بل خصماً علي تطوره وتنميته وأمنه واستقراره.
٢. خطاب يؤكد حيثيات من المستفيد من الحرب وإستمرارها، ومحاكمته سياسياً وأخلاقياً.
٣. خطاب يحدد حجم الإنتهاكات والجرائم والخراب الذي خلفته الحرب حتى الآن.
٤. خطاب يستنفر كل قطاعات الشعب لتخفيف معاناة المواطنين وإطلاق حملات الإغاثة والرعاية الصحية والإجتماعية وحماية حقوق الإنسان.
٥. خطاب يواكب تطورات الأحداث والمبادرات المجتمعية والوساطة الإقليمية والدولية التي تدعو للتهدئة والتفاوض.
٦. خطاب يشكل ضغط على الطرفين لوقف إطلاق النار، ويحذر من مغبة الإستمرار فيها.
٧. خطاب يعمل على تعبئة شعبية واسعة لوقف الحرب وعزل المروجين لها.
٨. خطاب يضع في أولوياته تماسك المجتمع السوداني وتقليل مخاطر وخسائر الحرب والحيلولة دون زرع الفتن بين القبائل والحرب الأهلية كتطور طبيعي لإستمرارها.
٩. خطاب يضع ملامح سودان ما بعد الحرب وخطط إعادة إعمار ما دمرته الحرب.
١٠. خطاب يعالج أسباب وجذور الازمة السياسية، ويستوعب التطورات التي فرضتها الحرب على المشهد السياسي وكيفية تماسك الجبهة الداخلية في مواجهة قوى الردة.
١١. خطاب يحاصر الكراهية والعنصرية والتطرف والشطط.
١٢. خطاب يحذر من عمليات السلب والنهب وحرمة الدماء.
هناك جهات تعمل على هذا النوع من الخطاب الإعلامي ومع ذلك يظل الفريضة الغائبة لغياب التنسيق والتكامل، ويظل عامل حاسم في إنهاء هذه الحرب.
على دعاة السلام والتحول الديمقراطي التحلي بالإرادة السياسية الكاملة في الدفع بخطوات ثابتة نحو إقناع الطرفين بوقف الحرب فوراً وتحمل المسؤولية التاريخية والأخلاقية. وعلى إعلام دعاة السلام والتحول الديمقراطي أن يدرك بأن هذه الحرب اللعينة لن تنتهي ما لم ينتصر إعلام السلام والتحول الديمقراطي على إعلام الحرب والديكتاتورية، ومحاصرة الكلمات الملغومة في السوشل ميديا كخطوة ضرورية لوقف الطلقات المميتة في الشوارع.
إنني على قناعة وثقة بأن الحق سوف ينتصر بإذن الله وسوف تضع الحرب أوزارها، ولكن أخشى على شعبنا من إستمرار ثقافة الحرب وويلاتها، وعلى عجـز القادرين على التمام..

لا_ للحرب

أرضآ_سلاح

التعليقات مغلقة.