حالتان.. السودان والجزائر

حالتان.. السودان والجزائر
  • 05 أبريل 2019
  • لا توجد تعليقات

صديق محيسي

واخيرا وبعد مماطلات من الحرس القديم انتصرت ارادة الشعب الجزائري وخرج الالاف منهم في الجزائر العاصمة ومدن أخرى، مبتهجين بالنصر, وشهدت شوارع العاصمة والساحات مهرجانات من الفرح لنهاية الصراع في صالحهم و”قال قطاع واسع منهم إنها البداية في انتظار صدور قرارات أخرى وطالبوا برحيل حكومة تصريف الأعمال الجديدة بقيادة رئيس الوزراء الجزائري نور الدين بدوي.”

اما في السودان فحدث العكس تماما حيث انحاز كبار الضباط الي صف البشير وسط دهشة الجماهيرالتي لم تتوقع مثل هذه الخطوة، فالبرغم من ان “فايروس” الحالة السودانية انتقل سريعا الي الجزائرثم تبعته الان غزة حتي علي صعيد هيكلية الثورة وشعاراتها مما يؤكد ان الشباب السوداني قدم نموذجا جديدا لصيف عربي ساخن غاب محتواه الحقيقي عن معظم القنوات العربية وكذاعلي المحللين السياسيين بعضهم قاصري الفهم لطبيعة السودان فلم يشاء احد منهم ان يشير الي ذلك عمدا كان ذلك ام جهلا والجهل هو الأرجح.

في الجزائر انحاز الجيش الوطني بعد تررد حذر الي الشارع عندما احس هزيمتة وهزيمة الطبقة المخملية التي كانت تساند بوتفليقة، وفي السودان قدم الجيش نموذجا سيئا وهو موقف لايمكن وصفه الإ بخيانة قسم الولاء الذي يحدد وظيفة الجيش وهي حماية الوطن.

إنحاز كبار الضباط الي البشير حماية له من المحكمة الجنائية الدولية، وحماية لمصالحهم العضوية التي ارتبطت تاريخيا بمنظومة “اسلاموية” فاسدة اكملت في الحكم مايقارب الثلاثين عاما.

في الجزائر كان الجيش الوطني سليل ثورة مسلحة قدمت مليون شهيد وهو تراث عسكري شارك في صنعه بعض قادته خصوصا اولئك الذين خاضوا حرب التحرير ضد الفرنسيين ولم يكن شديد الإرتباط ايديولوجيا بحزب جبهة التحرير الحاكم، ولكن كان بعض كبار قادته مستفيدون من “ايديولوجية” اخري هي “ايديولوجية” الفساد التي كانت تناضل من اجل إبقاء بوتقليقة في الحكم، علي ان هذا الإنحياز حسب صحيفة ليبراسيون الفرنسية لم يكن ليتحقق لولا ضغط الشارع المتواصل وصغار الضباط الذين لوّحوا بحسم المعركة لصالح الثوار،ولكن مع هذه الإنتصارات المدوية لاتزال الجماهير تطالب بتغيير الخارطة السياسية بمجملها لجزائر جديدة لتلقي وراء ظهرها تراث شمولية حزبية دامت عشرون عاما.

اما في الحالة السودانية فالأمر مختلف تماما، ففي السودان قام تنظيم الجبهة القومية الإسلامية بزعامة الدكتور حسن الترابي بانقلاب عسكري عام 89 استولي بموجبه علي السلطة وعطل الدستور، وحل الأحزاب السياسية، والنقابات ومنظمات المجتمع المدني، وفصل جنوب البلاد، ويقترب الان من عامه الثلاثين وهي اول تجربة حكم “اسلامي” في العالم كله وسط افلاس إقتصادي اوصل الجنيه السوداني الي الحضيض.

في السودان اختار كبارالضباط كما ذكرنا الوقوف الي جانب البشير الحاكم الأوحد للبلاد ولذلك خلفية سياسية واسعة سنأتي علي ذكرها لاحقا.
قلنا منذ اليوم الأول للعملية العسكرية قام الإنقلابيون الإسلاميون بتعطيل الدستور وحل الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني تلك الادوات التي اسقطت نظام عبود في اكتوبر عام 1964 من القرن الماضي ونظام النميري في ابريل عام 1985م، فقد انتبه قادة الإنقلاب الجدد منذ اللحظات الأولي لذلك السر فشرعوا فورا في تأسيس مشروع بديل كان نتيجته فصل الاف النقابيين والمعارضين من الخدمة إستنادا علي نظرية “التمكين” التي إجترحها الترابي ليحل شرط الإنتماء الي الجماعة محل شرط الكفاءة الذي كان سائدا في قانون الخدمة المدنية منذ خروج الإستعمارالبريطاني من السودان وحتي حكومات مابعد الإستقلال، اما الخطوة الكبري والخطيرة كانت مسخ الجيش الوطني وتغيير تركيبته التاريخية وتحويله من جيش كل السودان الي جيش كل الحركة الإسلامية، ففي بداية حكمهم طرح الإسلامويون مشروعهم الخاص اطلقوا عليه اسم “المشروع الحضاري”وهو إستبدال “الدولة العلمانية الكافرة “بالدولة الإسلامية “المؤمنة ” فغيروا القوانين القديمة وصاغوا اخري مغايرة طاولت مناهج التعليم من مرحلة الأساس حتي المرحلة الجامعية، وإجتماعيا إستنسخوا التجربة السعودية الوهابية “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” بنسخة مشوهة اطلقوا عليها قانون النظام العام وهو القانون الذي اهتم اكثرما اهتم بملابس النساء وسط بيئة سياسية غطي الفساد سماؤها وارضها وهو القانون ايضا الذي عاد الرئيس البشير وهاجمه بالرغم من انه هوالذي وقّع عليه.

اذن ماهي صورة المشهد الان في الصراع بين سلطة لاتعترف بالأزمة وشارع يستمر في الإحتجاجات تصعيدا للأزمة .

يري محللون سياسيون إن المواجهة بين الشارع والسلطة سيطول اجله لأن النظام اعتمد خيار القوة والقمع لوقف الإنتفاضة التي عمت البلاد، وصار إحتمال تدخل الجيش في صالح الشعب فرصته ضعيفة إلا اذا تغّير قانون الصراع عبر الشارع واسيلت الدماء وسقط مزيد من الشهداء فلربما يحرك المشهد الدموي هذا ضمير شريحة من الضباط لتتوقف طاحونة القتل التي تديرها المجموعة الحاكمة.

قلنا ان الجيش لم يعد كما كان في عهدي عبود والنميري ولايوجد سوار ذهب جديد يمكن ان ينحاز الي صف الثوار، فوزير الدفاع صارنائبا للبشير وهي رشوة له وفي الوقت نفسه يكون تحت المراقبة، وقد تابعت وسائل الميديا السودانية الرجل وهو يلقي كلمة السودان في مؤتمر القمة العربي في تونس كيف تعثر في نطق ما هو مكتوب له كأنما العربية لم تكن لغته الأم اصلا.
في سبيل عدم تخليه عن السلطة خطا البشير خطوة اخري لتثبيت حكمه فأنقلب حتي علي حزبه المؤتمر الوطني فحل الحكومة المدنية ليعسكر الحكم ويختار جنرالات مقربين منه حكاما للولايات السودانية بعد ان كانوا من حزبه .

اعقب ذلك تصفيات طاولت العديد من الضباط احيلوا الي التقاعد بالشك في انهم يتعاطفون مع الشارع، علي ان صعوبة سقوط النظام بالوسائل القديمة تزداد عندما نكتشف إن للرئيس البشير نفسه ميلشيا خاصة به تحت مسمي”قوات التدخل السريع” والتي كان يطلق عليها سابقا ” الجنجويد “وهي قوة مدججة بالسلاح تساوي قوة الجيش الرسمى في التسليح، يضاف الي ذلك جيش اخر هو جيش الأمن الذي يقوده رئيس المخابرات صلاح قوش فهذا الجيش يملك احدث الأسلحة ويجري تحديثه من حين لاخر .

من هذه الخلفية يري مراقبون للحالة السودانية انه لم يعد في حكم الوارد ان تتكرر سيناريوهات ثورتي اكتوبر وابريل مرة اخري اي ان ينحاز الجيش الي جانب الشعب كما حدث في الجزائر. ففي الجزائراجبرت تظاهرات الكتل المليونة السلطة القديمة علي الإنصياع لمطالب الشارع وكلما قدمت من تنازلات طالبها الشارع بالمزيد حتي لجأت الي مواد دستورية تعلن اطاحة بوتفليقة، ومع ذلك لايزال الشارع يصرعلي رحيل كل الحرس القديم بما في ذلك قايد صالح نفسه الممسك بخيوط اللعبة السياسية ,غير ان ما يجري في السودان عبر تجمع المهنيين هو ان هذا الكيان الجديد يمارس مع النظام سياسة “دخلت نملة وخرجت نملة” اي ان مخططه من وراء التظاهرات المتناسلة هو اضعاف النظام ماليا ودفع قوات امنه الي الياس من طول امد الصراع حتي يستسلم النظام ويخضع الي رغبة الثوار.

في حالة الجزائر اقعد المرض بوتفليقه لدرجة انه لم يستطع بيولوجيا ان يستوعب ما يجري حوله، وحتي خطاب الإستقاله الذي كتب له لم يستطع قراءته فصورته الكاميرا كأنما الرجل قام بذلك.

اما في حالة السودان فأن البشير رهن الشعب السوداني كله مقابل الآ يسلم نفسه الي المحكمة الجنائية في لاهاي ليواجه تهمتي القتل والإبادة الجماعية الموجهتين له وهذا هو الهاجس الذي يلازمه ليل نهار ليجعله اسير هذا الشبح المحّوم فوق رأسه وينسحب شبح المحكمةعلي قائمة طويلة من اركان النظام خصوصا نائبه الجديد في رئاسة الحزب احمد هارون المطلوب ايضا للمحكمة.

معارضو البشيرحتي من الإسلاميين الذين إنسلخوا من حزبه يرون ان الرجل يعيش عالما خاصا به ليس فيه إرادة شعب السودان، وهو لايزال يتحدث عن شعب لاوجود له في الواقع عندما قال في احتفال في دافور ان لا احد يمكن إزاحته إلا الشعب السوداني في الوقت الذي كان يسمع بأذنيه الهتافات ضده والتي تطالبه بالرحيل .
siddiqmeheasi7@gmail.com

الوسوم صديق-محيسي

التعليقات مغلقة.