لماذا يهاجم الشيوعي الامارات و السعودية ؟

لماذا يهاجم الشيوعي الامارات و السعودية ؟
  • 03 نوفمبر 2019
  • لا توجد تعليقات

يوسف السندي

خرج الأستاذ محمد مختار الخطيب السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني عن كل خطوط الدبلوماسية السياسية ليلة الأمس في ندوة لحزبه بامدرمان حيث ذكر بالاسم دولتي الامارات و السعودية و اتهمهما علانية بانهما يسعيان لتقويض ثورة ديسمبر.

بغض النظر عن صحة الاتهام من عدمه ، فإن اللباقة السياسية و اللياقة و الذوق المعروف عالميا في كل متحدثي السياسة ان تتم الإشارة إلى الجهات التي يشك فيها بغير ذكر الاسماء و يترك لفطنة السامع الوصول إلى الدولة المعنية ، خاصة إذا كان في الأمر اتهامات تصل لدرجة ان تلك الدول تستهدف مع سبق الإصرار و الترصد الإطاحة بنظام وطني داخلي ، سواء كان ثوريا او غير ذلك . و لا يتم الإشارة بالاسم مباشرة الا في حالة وجود حرب مستعرة و أزمة حقيقية بين الدول .

و بالتالي فإن ما صدر عن السكرتير العام للحزب الشيوعي في ندوة الأمس تجاوز كل أسس الدبلوماسية السياسية ، خاصة و ان الرجل يقود حزبا عضوا في قوى اعلان الحرية و التغيير و هي القوى السياسية الرئيسية الحاكمة الآن في السودان بعد ثورة ديسمبر .

لذلك لم يكن مستغربا أن يتم الرد على تصريحات السكرتير العام للحزب الشيوعي من قبل الوزير الإماراتي قرقاش و غير مستبعد كذلك ان يرد عليها من جهات أخرى، و بالتأكيد لن تمر هذه التصريحات بلا ان تخلق أزمة سياسية بلادنا في غنى عنها و هي تتلمس طريقها لبناء دولتها الجديدة.

بالتأكيد لم يكن الخطيب يظن أن حديثه في ليل ام درمان الساكن عن السعودية و الامارات سيكون له وقع الانفجار الضخم في الخارج ، و انه سيتصدر كل الصحف ، و يدخل الحكومة الانتقالية عبر حزب عضو في الحرية و التغيير في أزمة سياسية مع بلدين مهمين في الساحة الإقليمية، و يبدو أن السكرتير العام للحزب الشيوعي انسته سنين المعارضة المتطاولة ضريبة ان يكون جزء من تحالف حاكم مما يفرض عليه ان يحسب كلماته و يوزنها قبل إطلاقها .

نعم للحزب الشيوعي تحفظاته على اتفاق و وثيقة الحكومة الانتقالية الدستورية و لكنه مازال احد الاعضاء النشطين جدا في تحالف الحرية و التغيير الحاكم، و آخر اجتماع مشترك لأقطاب الحكومة الثلاثة المجلس السيادي و مجلس الوزراء و قوى اعلان الحرية و التغيير كان ممثل الحزب الشيوعي موجودا ، و بالتالي فإن موقف الحزب الشيوعي موقف رمادي لا هو حكومة و لا هو معارضة ، و هذا مضر بالحزب الشيوعي و بعضويته و بالحكومة و بالمعارضة و بالجماهير كذلك . و هذا الموقف المتذبذب بكل تأكيد هو المصدر النفسي لكل التصريحات المتوترة و المنفلتة و غير المحسوبة التي تصدر هنا و هناك من قيادات الحزب الشيوعي .

ليس خافيا ان الهجوم ضد السعودية و الامارات ما قصد به الخطيب الا رفقاءه في الحرية و التغيير المخالفين له في الرأي و الذين يطلق عليهم الخطيب اسم قوى الهبوط الناعم ، و ليس خافيا ان هذه التصريحات كان قصدها فضحهم ، و لكن الطريقة و الاختيار و الأسلوب أفضى إلى نتيجة معاكسة تماما ، حيث أدخلت هذه التصريحات الحزب الشيوعي حاضرا و مستقبلا في معارك دولية ما كان يحتاجها ، و بالمقابل قدم خدمة ممتازة لقوى الهبوط الناعم بأن جعلهم الخيار الدولي الأول في المنطقة و الإقليم و اظهرهم امام الجماهير بسفراء الدبلوماسية ، عكس الخطاب التنفيري و المليء بالاتهامات للدول الذي صاغه الخطيب ، و هو خطاب طالما سمعته الجماهير من المخلوع البشير و الذي ما صعد منبرا الا و اتهم دول اجنبيه بالتآمر على السودان و السعي لتقويض النظام القائم.

في عالم اليوم تتأثر الدول و تؤثر فيما حولها ، و لا توجد دولة تعيش منفصلة في كهف عن بقية العالم ، بل التواصل و العلاقات شرط لازم من شروط الاندماج الاقتصادي و العمل العالمي المشترك في القضايا المصيرية ، لذلك مهم ان ينضبط خطابنا السياسي مع العالم ، و ان يحافظ على العلاقات مع الجميع في إطارها الودي ، و ان نعمل على إقامة علاقات متوازنة مع الجميع تمكننا من حجز مقعدنا في العالم و تحفظ لنا كينونتنا كبلد حر و مستقل بعيدا عن اتهامات الغير او السعي لتحويلهم من صف الأصدقاء إلى صف الأعداء.


sondy25@gmail.com

التعليقات مغلقة.