اين هو المشروع الفكري لثورة ديسمبر ؟

اين هو المشروع الفكري لثورة ديسمبر ؟
  • 18 مارس 2020
  • لا توجد تعليقات

يوسف السندي

اتفق السودانيون جميعا وبشكل صارم على الهدف الأول من ثورة ديسمبر وهو إسقاط البشير ( تسقط بس ) ، ما بعد الإسقاط كان يشار اليه بعناوين وفاقية غير مفصلة ، كشعارات الحرية والسلام و العدالة ، هذه العناوين الفضفاضة لم ينتبه إلى عمق أثرها الكثيرين حتى اكتمل الإسقاط واودع المخلوع في السجن ، وقتها طفقوا يبحثون عن المشروع المتكامل خلف هذه العناوين .

عنقاء الثورة ضمت بين جناحيها كل أطياف السودان الفكرية ، جمعت متناقضات فكرية متعددة ، تحت حد أدنى عبر عنه بإعلان الحرية والتغيير ، وهو مجرد اعلان يحمل احلام التغيير العامة في السلام ودولة الديمقراطية والحريات وبعض الآليات المقترحة كالمؤتمر القومي الدستوري . لاحقا تم تدعيم هذا الإعلان بالكثير من البرامج والمشاريع الفكرية ، ولكنها كانت تعبر عن وجهة نظر مقدميها، حتى الوثيقة الدستورية اعتبرت من قبل الكثيرين ومنهم قيادات واحزاب في الحرية والتغيير لا تعبر الا عن من كتبها ومن وقع عليها ، لذلك هناك غيم كثيف مازال يحوم حول مشروع الثورة الصلب ، حول أساسها المتين وعروتها الوثقى .

الثورة في مفهومها الاعمق هي التغيير الذي يقلب الموروث رأسا على عقب ، وليست مجرد تلوين على سطح الموروث ريثما يتأكل ويظهر الموروث الأول من جديد . وهذا ما يستدعي السؤال هل كانت ديسمبر ثورة بالفعل ؟ إذا كانت الاجابة نعم ، فإن السؤال اللاحق هو ماهو مشروعها الفكري ؟ هذا سؤال لا يمكن الاجابة عليه بإبراز اعلان الحرية والتغيير ، ولا باظهار مساهمات الأحزاب الفكرية الفردية للفترة الانتقالية ، ولا مساهمات كتلها ، ولا مساهمات قوى الحرية والتغيير مجتمعة ، فهي في نهاية الأمر مشاريع محدودة المصدر ، قاصرة عن كونها مشروع ثوري حقيقي ، إضافة إلى انها مشاريع موجودة من قبل ، وكثير منها مجرب ، وبالتالي لا يصلح الاستدلال بها كمشاريع ثورية .

المشروع الفكري الثوري يتبلور في الحقيقة مع تدفق الثورة ، مع صعود مدها ومع بروز قيادات جديدة وأفكار جديدة وثقافة مجتمعية جديدة وتيارات جديدة تلبس ثيابا لم تكن مشاهدة من قبل ، ولا رأتها الجماهير قبلا ، وتقدم طرحا غير مالوفا ولكنه عادل ، غير مفهوم لدى الكثيرين ولكنه قابل للتطبيق، غير مكترث بكثير من المشاعر والمحاذير ولكنه ملهم وباعث على الأمل حتى في الضحايا ، لذلك السؤال يتجدد هل أفرزت ديسمبر هذا المشروع ؟

لا يعني بروز التيار الثوري الجديد إلغاء القديم وإنما يعني تنور القديم بنور الثورة ، يعني استيعاب الهياكل الموجودة لحقيقة الثورة واستجابتها بصورة عميقة لمطالب التغيير الكامل الشامل الذي يقود الواقع مع مد الثورة لا ضده ، مع تيار الثورة لا عكسه .

لا يهبط الثوار من السماء لأحداث الثورة ،ولا يقطفون فكرهم الثوري الجديد بالكلية من العدم ، وإنما يولدون في الأرض ويعيشون حياتهم كبشر، ولكنهم في لحظة الثورة يلبسون التغيير بالكامل ، لا يلبسون عمامة منه على ملابسهم القديمة ، ولا يتخذون منه جلبابا على حذاءهم الموروث، بل يلبسونه عمامة وطاقية وجلباب وحذاء ويرشون جلودهم بطلاءه، حتى لا يبدو لك من سحنتهم القديمة الا ذكريات وطيف ، فأنت مع شخص جديد، مع فكرة جديدة، مع مشروع جديد ، جاء ليبقى وليصنع التغيير الحقيقي ، هل هذا ما حدث ؟ أم أن ديسمبر لم تكن ثورة ؟!

sondy25@gmail.com

التعليقات مغلقة.