السودان بين مطرقة الاقتصاد وسندان الكورونا

السودان بين مطرقة الاقتصاد وسندان الكورونا
  • 20 أبريل 2020
  • لا توجد تعليقات

يوسف السندي

لن يتمنى أي شخص أن يكون في موقع صناع القرار في بلادنا في الوقت الراهن، فهم في ضغوط لا تحصى ، تزداد يوميا بصورة لا تطاق، ضغوط من الشركاء ، ضغوط من الشارع، ضغوط من الدولة العميقة ، ضغوط أسرية. وهي ضغوطات اوجدتها الظروف والعوامل المتراكمة المعقدة التي تسلسلت زمانا ومكانا حتى جعلت الحكومة الانتقالية الان في وضع صعب وخانق .

سوف أوضح بعض من هذه الظروف والعوامل حتى لا يتهم الكثيرون الحكومة الانتقالية بالتقصير المتعمد . واول هذه العوامل يرجع إلى نهاية عهد المخلوع ، البلاد وصلت إلى مرحلة خانقة اقتصاديا وكانت الصفوف في كل مكان نتيجة الفشل والفساد وسوء الإدارة ، وهي ظروف اقتصادية توالت في الانحدار ، الإنتاج المفترض أن يعالجها لم يحدث حتى الآن ، والسبب هذا العامل نفسه والعوامل اللاحقة . العامل الثاني استمرار المظاهرات والاحتقانات في البلاد لفترة طويلة تعدت ال ١٠ شهور من ديسمبر ٢٠١٨ حتى إعلان تشكيل الحكومة الوزارية في ٥ سبتمبر ٢٠١٩ ، وهي فترة طويلة جدا توقفت فيها الحركة والإنتاج بصورة حادة وتأثر وضع الدولة الاقتصادي بصورة كبيرة ، مما أنتج خللا ضخما ما كان له أن ينتهي بتشكيل الحكومة أو بمرور عام على تشكيلها .

العامل الثالث هو حكومة المجلس العسكري التي حكمت البلاد لحوالي خمسة شهور ، شهدت صراعا عميقا بين العسكر والمدنيين ، خلق حالة من الاستقطاب والاستقطاب المضاد ، مما أوجد هوة عظيمة من عدم الثقة بين الطرفين ، مازالت أثار هذه الهوة موجودة حتى بعد تشكيل الحكومة الانتقالية ومرور أكثر من نصف عام على تشكيلها .

العامل الرابع هو تعدد أقطاب الحكم ، فالحكومة الانتقالية لها ثلاث رؤوس ، المجلس السيادي، مجلس الوزراء ، قوى الحرية والتغيير، تعدد الرؤوس خلق بطء في عملية إدارة الدولة وخلاف في كثير من الملفات مما جعل الحكومة الانتقالية بطيئة الحركة ، ضعيفة التجاوب مع الأزمات .
العامل الخامس عدم اكتمال هياكل الحكم ، إذ لم يعين حتى الآن الولاة المدنيين ، ولم يعين المجلس التشريعي ، وهو ما ساهم في وجود خلل كبير في عملية إدارة الدولة وفي التشريع ، مما جعل الحكومة الانتقالية كأنها بلا غطاء شرعي وبلا أذرع حقيقية في الولايات .

العامل السادس الجبهة الثورية ، نص اعلان جوبا على توقيع اتفاق السلام في او قبل ١٤ ديسمبر ٢٠١٩ ، وهو ما لم يتحقق حتى بعد مرور أربعة أشهر على هذا التاريخ، ومع ذلك تمانع الجبهة الثورية في أي تحرك نحو إكمال الهياكل الدولة بتعيين الولاة و المجلس التشريعي.

العامل السابع الولاة العسكريين ، مع الاحترام لجهودهم الا ان الولاة العسكريين كانوا دون الطموح في محاربة الدولة العميقة ، ومرد ذلك ربما لأنهم أصلا لم يشعروا سوى بأنهم حكام مكلفون ومؤقتون، لذلك لم يكونوا عند الموعد في إنجاز الملفات السياسية وفي حسم تحركات الدولة العميقة .

العامل الثامن الدولة العميقة ، تستغل الدولة العميقة عدم وصول التفكيك إلى الولايات وإلى عدد من الأجهزة القومية ولذلك تنشط في تأخير العمل وتعطيله بقصد من أجل زيادة الغضب الشعبي ، وتصوير ان الواقع الاقتصادي هو من صنيع حكومة الثورة حتى يخرج عليها الشعب ويعودون هم من جديد .

العامل التاسع كورونا ، كان العالم مهتما بدعم السودان ، وكان المفترض أن يشهد مارس وابريل ويونيو مؤتمرات اصدقاء ومانحين ، وكان من المفترض ان تتواصل جلسات الحوار مع أمريكا لرفع اسم السودان من قائمة الدول الرعاية للارهاب، ولكن فيروس كورونا غير الموازين والخطط ، وأصبحت الدول مشغولة بنفسها ، وبالتالي فقدت الحكومة الانتقالية المساهمات التي كان من المفترض أن تصل البلاد وتساهم في فك الضائقة الاقتصادية ، هذا غير أن كورونا أثرت على السودان نفسه وجعلت الحكومة تتخذ خطوات صعبة ولكنها ضرورية في إيقاف العمل وإغلاق المدن ، وهو ما يضاعف من الأزمة الاقتصادية وآثارها السلبية .

هذه بعض العوامل التي اجتمعت مع بعضها البعض لتخنق الحكومة الانتقالية ، وهي عوامل مقدر لها ان تفعل نفس الأثر الذي نشاهده اليوم في أي حكومة وربما أشد، لذلك لا يمكن أن نلوم الحكومة الانتقالية وهي تجتهد لتغالب كل هذه العوامل والظروف الصعبة ، وإنما الواجب أن نساعدها وان نمد لها يد العون ، وخاصة من لجان المقاومة ومن الشباب ومن السياسيين ، هذا الدور على الجميع ان يتصدى كله ، كما تصدوا للرصاص والبمبان عليهم أن يتصدوا لمعركة البناء وحدة واحدة كالبنيان المرصوص ، وسننتصر لا محالة .


sondy25@gmail.com

التعليقات مغلقة.