صاحب الوطن …الصحفى العصامى

صاحب الوطن …الصحفى العصامى
  • 30 أبريل 2020
  • لا توجد تعليقات

معالى ابوشريف



كم هذا اليوم حزين فى السودان واهله يودعون صحفيا شعبيا التصق طوال حياته بهموم الناس وقضاياهم منحازا اليهم دوما الى اخر يوم فى حياته ..


ودع السودان اليوم الصحفى سيداحمد خليفة الى مثواه الاخير بعد حياة حافلة فى شان الحياة من اجل الناس وبالناس ..


منذ ان غادر قريته الصغيرة فى شمال السودان ظل سيداحمد خليف يكد ويجتهد الى ان ساقه الزمان الى مهنة النكد التى احبها لانها تربطه بمن احب وهم الفقراء من شاكلته والتى تعانى مثله من هموم ومشاكل كان الجميع يعانى منها قبل وبعد الاستقلال ..

فى صحيفة الصحافة وتحت رعاية عبد الرحمن مختار كانت بداياته واشتهر فى اوساط القراء بعد تناوله لقضية سكان امتداد الصحافة التى اهتم بها وتابعها مع المواطنيين المستحقين وقتها واشعل الموقف بين الجهات المسؤولة والاهالى حتى اضطرت الحكومة الى تنفيذ الخطة باسرع ما يمكن وعلى اضواء الرتاين ليلا ونهارا وكان سيداحمد يتابع كصحفى ملتزم بقضايا الناس التوزيع الى ان شبت مدينة الصحافة واخذ كل مستحق قطعة الارض التى تخصه وتكريما له و لدور الصحافة والتزامها جانب الشعب اطلق الاهالى على المدينة اسم امتداد الصحافة وظل الاسم حتى اليوم يتذكره اهلها ولن ينسوا صاحب الفضل فيه الى الصحفى سيداحمد خليفة ..


عقب الانتفاضة التى اطاحت بالرئيس نميرى ترشح فى دائرة الصحافة وجبرة عن حزب الامة بعد ان انضم اليه وهو بالسجن فى كوبر عندما التقى بالصادق المهدى هناك واعجب بافكاره وكانت معرفتى به الشخصية اثناء هذه الانتخابات اذ كنت اشرف على الاعلام لقوى الانتفاضة فى مواجهة مرشح الجبهة الاسلامية حسن الترابى ..


ورغم تكتل القوى الحزبية مع مرشح الاتحادى الا ان سيداحمد كان الاوفر نشاطا وتحرك تحركا متواصلا لم يهدا له بال الا ان سقط مرشح الجبهة الاسلامية امام مرشح قوى الانتفاضة حسن شبو المرشح وقتها عن الحزب الاتحادى الديمقراطى و..وكان لسيداحمد فضيلة المجتهد الاول الذى لم يهدا له بال الى ان تحققت النتيجة وكان اكثرهم فرحا وهو ينادى بالمايكرفون فى الصحافة معلنا فوز شبو على حسن الترابى الى ان تجمهر حوله الناس وسارت تظاهرة فرح لم يشهد لها السودان مثيلا يتقدمها سيداحمد خليفة ومرشحى قوى الانتفاضة استطعنا نقلها عبر الاذاعات العالمية واهمها هيئة الاذاعة البريطانية ..

لن استطيع هنا حصر تاريخ نشاط فقيدنا ولكن سوف اجعل هذا البوست منبرا للذين يعرفونه وسوف اواصل معكم لسرد تاريخ زميل واستاذ لنا فى يومه الاخير ..
رحمه الله
قبل ان الخوض فى مسيرة وتاريخ عمل الفقيد فى مشواره الطويل اريد ان اتحدث عن مهنية الفقيد وكيف تشرب روح العمل الصحفى وهو الشخص غير المتعلم تعليما اكاديميا عاليا ..

عقب الانتخابات كنت احد المتبرعين بتقديم الجهد وما نعرف فى هذا المجال لاى صحيفة جديدة تنشا فى ظل الوضع الديموقراطى ..


ووقع اخيارى على صحيفة الوطن بعد ذلك اللقاء الذى جمعنى بصاحبها فى منزل ود الحسين ورحب بى كثيرا وكان متهللا بالفرح وقال اوصيك ان تبدا معى بالاخبار وخليك من حكاية كتابة التقارير والمقالات دى ..
وبدات معه فى الاخبار كمحرردسك وهو المحرر الذى تنتهى عنده كل الاخبار اخر اليوم وهو من يعيد صياغة بعضها ويضع العناوين المناسبة لكل واحد منها ..


وفى كثير من الاحيان كان يصوبنى لاخطاء اقع فيها رغم اننى دارس ومتخصص وهو بحكم خبرته الطويلة التى اكتسبها تفوق علينا فيها ..


فى احدى المرات وانا عائد من المنزل الى مقر الصحيفة رايت نارا ضخمة تشتعل بزرائب الفحم بجبرة والتى كانت تقع بالقرب من العشش القديمة واحترقت الزريبة بمن فيها فكتبت الخبر الذى قابلنى بالصدفة واعطيته لسيداحمد الذى نظر للخبر مليا وسالنى سؤالا واحدا ومباشر لكن وين القصة فى الخبر دا فقلت له اى قصة تعنى فرد قائلا ما لازم تكون فى جانب طريف فى الخبر نذكره ..ضحكت واستغربت لان سيداحمد لم يدرس هذا الكلام الذى قاله لى وانا الذى درسته من اين له بهذه الفكرة العلمية فى الخبر وهو لم يدرسها وتذكرت تلك البنت الجميلة التى كان همها الاول قطتها الصغيرة بعد ان احترق منزلهم بما فيه والتى درسناها بالجامعة ..


كيفية اضافة عنصر تشويق فى الخبر .
.فقلت له مستغربا اين علمت بهذا يا استاذ فقال لى من عبد الرحمن مختار طبعا عبد الرحمن درس الصحافة بامريكا .
وعدت الى مكان الحريق لعمل استطلاع وهناك علمت من احد اصحاب الزرائب بان شقيقه فقد شيلة الزواج فى هذا الحريق وكانت هى الاضافة الطريفة فى الخبر المحزن ولكن سيداحمد وضع العنوان الفرعى له وكان حريق يلتهم زرائب الفحم والحطب بجبرة …عريس يفقد شيلة زواجه وسط النيران ..

ظل سيداحمد خليفة مترددا على سجون نميرى واهل الانقاذ بعد انقلابهم وعودته من الخارج ..


وفى فترة النضال ضد نظام مايو قام سيداحمد خليفة بدور كبير فى دعم الجبهة الوطنية من موقعه بصحيفة المدينة السعودية التى كانت تهتم بالمعارضة وتنشر بياناتها واخبارها ومقالات لمنسوبيها من امثال الصادق المهدى و الشريف حسين الهندى
وفى احدى زياراته للسودان تم القبض عليه واودع سجن كوبر ولم يخرج الا بعد المصالحة ثم اعيد للسجن عدة مرات الى ان استطاع الخروج ..
وكان نميرى يرفض الوساطة لاخراجه ويصر على ان مكانه هو السجن ..
وبعد خروجه من السجت عقب المصالحة الوطنية ذهب للصومال وعمل هناك مستشارا لسياد برى الرئيس الصومالى الاسبق وقضى اجمل ايامه هناك دونها فى كتاب اعترافات نادرة ..
كتب فيها عن سيرة حياته فى الصومال وعلاقات الواسعة هناك ..
وارتباطه بالقرن الافريقى وخاصة ارتيريا واثيوبيا التى كان يعشقها ويحب اهلها ومواطنيها وكان من المؤمنين بقضية الشعب الارتيرى العادلة وقدم لهم الكثير من الدعم ..
من اهم مميزات الراحل سيداحمد انه يعطى الصحفى كامل الحرية فى الحركة والكتابة والتعبير عن نفسه سواء كان المكتوب خبر او راى او تحقيق لا يتدخل الا فى الجوانب الفنية او لابداء راى بحكم الخبرة باسلوب يرضاه منه الجميع ..
وسوف احكى للقارىء هنا سببا لاختلافى معه فى موضوع خبر كان يزمع ان ينشره واعترضت عليه واحترم راىى ولكن نشره وسبب له من المتاعب الكثير ..
الخبر يتعلق بقضية عثمان خالد مضوى اذ وجدته ومجموعة من المحامين معه بمكتبه يشاورهم فى جوانب قانونية بشان خبر مهم بالنسبة اليه وقتئذ ..
فخرج الى خارج قاعة المكتب واخبرنى بفحوى الخبر وهنا اعترضت عليه ورجوته ان لا ينشره لانه خبر شخصى فطلب منى ان اقف بعيد لان له معركة خاصة مع اعلام الجبهة الاسلامية و قال لى ان ما قراتموه عن شرف المهنة واخلاقياتها هنا فى هذا الميدان لا مكان له وشرح لى انت رايت كيف يمارسون الاعلام بشكله الساقط نحوى فى الوان والراية ودى فرصة لن افوتها..

هنا قلت له اعفينى من اليوم عن العمل فقال لى لن اعفيك ولكن خليك معانا ان كانت مثالياتك تحكمك تمنعك عن العمل الرسمى ..
وكانت الوان دائما ما تنشر صورا شخصية لسيداحمد خليفة مع نساء فى اجتماع عام.

فشكرته على ما تلك الروح وعذرته فكان ان نشر الخبر القنبلة الذى انهى هالة الجبهة الاسلامية والقدسية التى كانت تصبغها على منسوبيها بالدين فى ذلك الوقت ..
فى اليوم الذى تم فيه نشر الخبر جئت للصحيفة باكرا لاتابع ردة فعل الجبهة الاسلامية على الخبر الذى هز اركانها الاربعة وجعل من صحيفة الوطن الاعلى توزيعا وسط كل الصحف الكثيرة التى كانت تصدر ربما لغرابة الخبر وتحدى الصحيفة لاعلام الجبهة الاسلامية وقتها ..
فى مكتب الصحيفة اخبرنى احد العاملين ان تظاهرة من اعضاء الجبهة الاسلامية تجمهعت امام فندق مريديان بشارع القصر يقودها حاج نور ومحمد طه محمد احمد تتجه نحو الجريدة ..
بسرعة اتصلت بالشرطة واخبرتهم بان تظاهرة تتجه نحو الجريدة وتتجمع الان امام المريديان ..
ونسبة لتعذر الاتصالات وقتها لم استطع ان الاتصال بسيداحمد خليفة صاحب الصحيفة ورئيس التحرير وانا احاول فى تلفون المنزل جاءنى من يخبرنى بان والدة سيداحمد توفيت وانهم الان يستعدون للذهاب الى المقابر ..
وبعد ان تفرقت التظاهرة التى كانت تحمل البنزين لاشعال النار بالصحيفة اذ استطاع الخطاط داود الامساك بحامل جالون البنزين وواستلمه منه عنوة . وسلمه لضابط الشرطة الذى كان يشرف على حمايةمقر الصحيفة ..
مر الموقف بسلام بفضل تحذيرات الشرطة من استخدام اى عنف او رمى بالحجارة ورغم ذلك ملات الحجارة امام مدخل الصحيفة وكلنا كنا خارج مقر الصحيفة اذ تجمع العاملين والمتعاطفين معنا لحماية الوطن ..

وبعد ان تفرقت التظاهرة ذهبنا جميعا للاستاذ سيداحمد خليفة بالمنزل لمواساته فى فقده للوالدة وانتحيت به جانبا واخبرته بما حصل فقال لى انا فى المقابر عرفت كل شىء وشكرنى وشكر الاخوة الزملاء محمد نعيم وداود وبقية العاملين على ما قمنا به بالتبليغ الفورى للشرطة ..

تحول عزاء والدة سيداحمد لمنتدى سياسى الكل يتحدث فيه عن الخبر وتوابعه على الديموقراطية والصحافة الحرة واستطاعة سيداحمد الوقوف امام اعلام هادم لنظام ديموقراطى اقتلعه الشعب السودانى بثوريته المعهودة فيه الكل كان يتحدث حديث المشفق على ما ستؤول اليه الاحوال ..

بعد انتهاء ايام العزاء فوجئت بالاستاذ سيداحمد ياتى الى بالسوق العربى فى متجرى الخاص ويطلب منى العودة للعمل بالصحيفة ..شكرته على مشاعره واكبرت فيه المجىء والحضور والبحث عنى فقلت له انت الان فى معركة خاصة بينك وبين اعلام الجبهة الاسلامية وانت تعرف اننى اعمل متطوعا دون اجر حماية للصحافة الحرة ودعما لنظام ديموقراطى لا يزال يحبو وان اتجاهكم فى مقارعة اعلام الجبهة يصرفنا عن قضايا كثيرة ومهمة تطوعنا لحمايتها فانا وانت الان مختلفان لن امنعك لانك فى موقف المدافع وانت وحدك امام اعلام جائر ولكن ما اخشاه هو تاثير ذلك على نظامنا الذى ارتضيناه..

وانتهت العلاقة العملية الى هنا وظلت علاقتنا الاخوية دائمة الى وفاته يرحمه الله

بعد انقلاب الجبهة الاسلامية على السلطة عام 1989 توقع كل الناس القبض على سيداحمد خليفة والانتقام منه فورا ..
ولكن سببا واحدا منع اهل الانقاذ من ذلك هو انهم كانوا ينكرون انهم جبهة اسلامية او لهم اى صلة بها لدواعى التمكين وكانوا يدللون على ذلك باعتقال الترابى وعدم القبض على سيداحمد خليفة ..
وتجد البسطاء يقولون لك …
(ياخى الجماعة ديل ما عندهم اى علاقة بالجبهة.. طيب لو جبهة ما كانوا قبضوا على سيداحمد خليفة ؟ )

بعد الانقلاب بحوالى عشرة ايام قابلته بالصحافة فى عزاء جلست بالقرب منه قلت له بصوت هامس بلغة اهلنا البلدية انت لليلى ما قبضوك ؟ فقال لى والله لسع فقلت له النافعك الجماعة ناكرين لكن قبل ما يعترفوا شوفلك طريقة اتخارج ما اظنهم يتركوك فقال لى لكن كيف وكل الناس ممنوعة من السفر ..قلت له غايتو شوفلك طريقة ..
وقد كان
عقب زياتى للسودان بعد غيبة دامت اكثر من عشر سنوات كتبت هنا فى بوست وهل استطيع شكركم ما يلى
اقراه الى ان اعود الى سيرة الفقيد مرة اخرى

زرت صحيفة الوطن لعلى اجد الاخوان والزملاء القدامى وبدات بالعريس سيداحمد خليفة رئيس ر التحرير الذى عاد شابا بعد زواجه الاخير و كتب عنه كثيرا وما شاء الله وهو الان اكثر محافظة لنفسه و هو .كما هو .
يعمل بكل طاقته ومتابع نشط للاخبار ..
والوطن اول صحيفة عملت فيها بعد الانتفاضة وعودتنا من مصر .. وكتبت من قبل عن فترتى بالوطن وخروجى منها عقب حادثة عثمان خالد لاعتراضى على النشر وقتها وحماسى للمحافظة على الديموقراطية وابعاد الجوانب الشخصية بقدر الامكان عن العمل الصحفى … عندما كتبت عن سيداحمد خليفة ابان وعكته فى لندن عقب قفل اهل الانقاذ للصحيفة ..
لم اجد من اسرة التحرير القديمة غير محمد نعيم وهو رجل مجتهد علم نفسه ودرس الجامعة فى اخر العمر والان يحضر للماجستير .
بدا معنا العمل فى الوطن وهو من اكتشف سرقة بدرالدين للكهرباء من المسجد ذهب وصور مسار السلك الى ان ادخله الى منزله ..
قابلته بعد الانقلاب وكنت دائما اخوفه اقول له سوف يقيض عليك فى يوم من الايام وان ما ينفعك ان الجماعة ناكرين علاقتهم بالانقلاب لكن ليك يوم .. ولم التقيه منذ تلك الايام الى ان قابلته فى هذه الزيارة فقلت له ليك يوم وانفجر ضاحكا وهو الان عاد للوطن وفاءا لتلك الايام رغم ان الوطن ليست هى الوطن التى تحمسنا لها..
كان لابد لى وفاءا لعلاقتى الخاصة بمحمد طه محمد احمد ان ازور صحيفته الوقاق وهناك وجدت الاخ محمد سيداحمد المطيب الذى يتولى ادارة التحرير بعد ان غاب صاحبها ..
كان معى فى هذه الزيارة الاخ والصديق محمد كدكى ..وهو متعاون معهم وخاصة فى المجال الرياضى والثقافة فهو مريخى مرضان كما نقول له ومرضان دى عندنا فى الشمالية نطلقها على الانسان المتعصب وفعلا هو مرضان ولى قصص كثيرة معه ..
المهم ان الاخ المطيب وعدنى بان يمدنى بكل الشتائم التى نالها من اخوانه فى التنظيم عندما اختلف معهم لاضافتها لكتابى عن فتنة السلطة والجاه الهمز واللمز بين الاخوان .. وكيف ولماذا شهروا به فى ذلك الوقت ووقوف محمد طه معه فى تلك الايام رغم ان قولة الحق فى ذلك الوقت كانت تؤدى بالمعارض والذى يقولها الى باطن الارض ..

التعليقات مغلقة.