جيرانا بيض نحن و الأفرو-أميريكان

جيرانا بيض نحن و الأفرو-أميريكان
  • 08 يونيو 2020
  • لا توجد تعليقات

تاج السر الملك

تم اختراع الأمبى (مسوح ماقبل الحداثة)، والديانا (مسوح العولمة)، وغيرهما من الاخلاط والامتزاجات، بناء على نظرية نازية، تقول في محكم خلاصتها، ( أحمر منك بدرجة.. أسمح و أفهم منك بسنة). فاندعكت أمم وملل ونحل وقبائل، بغية إدراك الدرجة ( الفاتحة)، أوما تيسر منها، بكل ما يقع تحت أيدي طلاب الاحمرار، مزيج وكريم، وليس قليل من ( موية نار)، وفي سبيل تبرير فعل (التمرفن)، اتهمت الشمس، وبنفسج إشعاعها، بأنها ( قلبتك أزرق)، تماما مثلما يتهم بعض أسلاف الأفرواميريكان، القهوة بتسويد الجلد، وذلك بعد انتفاء مبدأ حريق الشمس الأفريقية،

وعسف الميلانين، حال استيطانهم مرغمين في أسفير شمال امريكا، وسقوط بعض مزاعم ( داروين) فى المناخ و أثره.
وقد هيمن هاجس اللون على أهل إفريقيا، ونحن في معيتهم، فاندلع الشعر والغناء والحرب الضروس، بسبب اللون، واقتنص البعض فرصة تواجدهم فى بلاد (الناس الحمر)، وتزاوجوا معهم عملا بمأثور القول، (هاف كاست أخير من عدمه). والطريف في الأمر، أن من بين هؤلاء، بعض غلاة قومية، وعصبية للأفريقاني، وبعض تراثيين، وبعض ناشطين، فى مجال حقوق العرقيات والأقليات، وكثير من مناهضي، غطرسة الجنس القوقازي، والأنجلو سكسون .


وقد نمت نتاجا لفكرة أهمية اللون، عقدة الشعور بالدونية، لدى خلق عظيم من السمر، تجاه كل ما هو ابيض، أوما هو ( خواجة)، في منطوق الأدب الشعبي، دونية مغلفة بكبرياء هشة، وثوب عزة شفاف، لا يلبث أن ينحسر، أو تزداد شفافيته، حال سقوط ماء الحقيقة عليه، وبرغم هذه المشاعر العدائية المحايدة، إلا أن حبلا من الود و الإعجاب، لا يزال منعقدا بيننا و بين هؤلاء البيض، ويتجلى ذلك في حالنا كمهاجرين، نثق في التعامل معهم، ونبدى الإعجاب بكل ما يفعلونه. فبالرغم من قناعتنا الخفية، بزيف ابتساماتهم الماكرة فى وجوهنا، وحصافتهم في إخفاء مشاعرهم ، ومسارعتهم للرحيل فى المغارب، لحظة ان نجاورهم السكنى، إلا أننا ظللنا نعزى أنفسنا، بوهم اختلقناه إرضاء لذواتنا، وذواتنا فقط، وذلك أننا، ولسبب ما، أفضل في نظرالبيض، من اخواننا الأفرواميركان .


نحن في نظر ( الخواجة)، أفضل من الأمريكي الأسود، نحن أفضل من أمة أنجبت، رغم أنف أربعمائة عام من القهر، (جورج و اشنطن كارفر)، سيجورنر تروث، ماهاليا جاكسون، مايكل جوردان، مايكل جاكسون، لويس ارمسترونغ، محمد على، جيمى هندركس، و القائمة تطول، ولا تتسع الصحائف لرصدها.


نحن في نظر أنفسنا، أقرب للخواجة منهم إليه، وهي صلة قربى الى السادة، وهذا هو بيت القصيد، يحق لنا ما يحق للسادة، ويجوز لنا ما لا يجوز للسود الأمريكيين، نلسعهم بنظرة الدونية، بلا سند من معرفة، ودونما تقص لحقائق الأشياء، وقد تلعب بعض تجاربنا الشخصية، دوراً في تشكيل ردود أفعالنا تجاه السود الأمريكيين، فمعظم السودانيين الذين قتلوا في هذه البلاد، لقي معظمهم، حتفهم لسوء الحظ على ايدى سود، مثلما قد يُقتل اسود أمريكي في السودان، أو غانا أو نيجيريا، حين تواجده في المكان الخطأ، في الزمن الخطأ، وقد يكون السبب أيضا، فهمنا المغلوط عن السود، والذي غذته السينما، وأغلفة المجلات، والأسطوانات، والتي حرصت على إبتداع صورة خيالية، لا تقترب من الحقيقة، لحياة السود في أميركا، راسمة صورا زاهية للحياة في مجتمعات الأفروامريكان، فكانوا أبناء عمومتنا ، نهلل لهم تصفيقا وتشجيعا في الأفلام، وعلى حلبات الملاكمة، عروض الجاز، والرقص والموسيقى، حتى فوجئنا بزيف معظم هذه الافتراءات، والحقائق الزائفة، صعقنا لمستوى العيش المتدني، والإنحطاط المزري للتعليم، والصحة، وانتشار المخدرات، واستشراء العنف والجريمة ، حتى أن بعض دول العالم الفقيرة، تتفوق عليهم في معظم ضروب العيش، عدا الرياضة والمزيكة بالطبع، وقد قرأت أن الرعاية الصحية في بنغلاديش، أفضل من هارلم، التي تتوسط مدينة نيويورك، وعندما أعبر الجسر، الرابط بين فيرجينيا وميريلاند، أجد نفسي في منطقة ( برينس جورج كاونتي)، والتي قضت الكرونا على أهلها، بسبب من سيطرة شركة تأمين (ميدستار)، والتي تسببت فيما يسمى بالتصحر الطبي، فلم يعد بقدرة السكان السود، التكفل بمصاريف الوقاية والعلاج الباهظة.


وقد تخاذلت الرغبة عند المهاجرين السودانيين، وغير السودانيين، من افريقيا وبقاع ذوات سمرة أخرى، فى الإعتراف بوحدة الأصل، منذ أمد بعيد، وتلاشت إلى الأبد، مشاعر الوحدة، فأنتبذ القادمون من القارة السوداء، أماكن آمنة للسكنى، تعج بذوي البشرة البيضاء، عملا بمبدأ ( جيرانا بيض)، ويا دار ( ما دخلك استيك اب) .


ومن فرط الإنبساط، ود البعض رفع ( يافطة) منزل أحرار، أو أفضل من ذلك، ( بانر) ترفع فى الصباح و المساء، مكتوب عليها، ( و الله العظيم ..نحنا ما افريكان اميركان..ما ترحلوا)، كدى شوفوا العمم دى، متناسين تماما ان اللون ومصنفاته، عند اللأنجلو ساكسون، لا تتعدى اللون الأبيض، الكامل الدسم، وكل ما عدا ذلك أسود، كلما حل بجيرتهم لون عدا الأبيض ، تحولوا إلى منطقة أخرى، في هدوء وترتيب محكم، فكأنما تنشق الأرض وتبتلعهم، تصحوا من نومك، ثم وأنت تتهيأ للذهاب إلى العمل، فإذا بجارك قد تحول بقدرة قادر، إلى ( بنى كجة)..
صباح الخير يا حبة.


والبيض أمراء الابتسامات المضللة، و العطف المصطنع المحسوب بدقة، بدا بنيكاراغوا وانتهاء بدارفور، ففي الوقت الذى تظلل فيه طرقات ساوث ايست المتاخمة للكابيتول، غمامة الفقر والقتل على أيدي الشرطة، يتقمص الأبيض مسوح الرهبان، في أنحاء الأرض وفضاءات السماء، مبشرا بالعدل والسلام، أما الرعاية الصحية فدونها المال الجزيل الذي لا يقدر علي الاتصال به، الملايين من الملونين ومهمشى الإمبراطورية بسبب، فالتجأوا إلى العنف، الذى يولده الإحباط، أو المخدر الذي يغمض عيون الرعب، ويفتح بصيرة اثير خادع، من الغبطة والتحرر والسلوان.


ومثلنا مثل سوانا ابتدعنا الأسماء والصفات، للإشارة إلى الأفرومريكان ، فتارة نسميهم ( أولاد الخالة) تهكما، ( شباب التاكا) ليس تيمنا، وغير ذلك من الأسماء والألقاب. وحدثني صديق، بأن والده الذي جاء لزيارته من السودان للاطمئنان عليه، ظل يسترسل في ( ونسته)، مع رئيس صاحبي في العمل، متفاخراً بأصوله القبلية، حتى خلع عليه الخواجة، لقب رجل افريقيا الأبيض، ولم يكن يعلم أنه إنما يزدريه، و كان الرجل (أزرقاً)، مثله مثل أي من الأفروميريكانز!
و للأفرو امريكان لقب لمثل هذا النوع من الناس، حيث يسمون الأسود الذي يحمل في داخله إعجابا بكل ما هو ابيض، ( بالأوريو كوكى)، وهي قطعة بسكويت محشى ، سوداء من الخارج ، محشوة بكريم ابيض ، ولعمري فكم من قطع البسكويت الأوريو يحتوى صندوق مجتمعنا العظيم؟؟

التعليقات مغلقة.