ما أعرفه عن نجوى قدح الدم!

ما أعرفه عن نجوى قدح الدم!
  • 12 يونيو 2020
  • لا توجد تعليقات

السفير عادل شرفي

إضطررت لسرد ما أعرفه عن قدح الدم ردا على ما كتبه البعض، خصوصا بعد ما كتبه السفير حسن إبراهيم جاد كريم في مقال بعنوان ( تقاطعات في حياة المهندسة نجوى قدح الدم )، وطلب من الزملاء الذين تعاقبوا بعده على قيادة سفارتنا بكمبالا بتكملة الفجوة الزمنية الفاصلة بين فترات التكليف الدبلوماسي الذي أسند لكل منا .

٢/ لم أكن أرغب في الاستجابة الفورية لطلب الزميل العزيز ، لأعتقادي ان التوقيت غير مناسب للكتابة عن الراحلة حاليا . الا أنني عدلت عن ذلك بعد اطلاعي على التبرير المرتعد الذي نشره صلاح بندر استجابة لرد الفعل العنيف الذي واجهه جراء تسجيله الصوتي الذي انتشر في الفضاء الالكتروني ، والمتضمن إساءات وتشويه لتاريخ أسرة الراحلة وقبيلتها ، وطعن في سمعتها وأخلاقها باسلوب دخيل على قيم واخلاق السودانيين وبحديث ينضح بالكراهية والعنصرية والأكاذيب فضلا عن جرم قذفه من هي بين يدي الله ، بالإضافة الى إقحامه لشخصي في معرض ما اورده .بما ينطبق عليه القول ( رمتني بدائها وأنسلت ) حيث إدعى زورا وبهتانا أنني ضمن آخرين روجت لشائعات عن علاقة عاطفية للراحلة مع موسيفيني. لهذين السببين وجدتني مضطرا للعدول عن رأي و الإدلاء بما عرفته عن الراحلة .

٣/المرحومة المهندسة نجوى قدح الدم منذ ظهورها المفاجئ على سطح الاحداث ووقائع المشهد السياسي السوداني خلال العهد البائد ، واستمرار تمددها في أروقة السلطة في الفترة الانتقالية وحتى وفاتها منذ أيام ظلت رحمها الله وغفر لها تملأ الفضاءات وتشغل الناس كشخصية مثيرة للجدل .

٤/أود في هذه الاسطر أن أسجل للحقيقة والتاريخ ملاحظاتي ومشاهداتي عنها ، من خلال عملي كسفير في كمبالا في الفترة من يونيو ٢٠١٣ حتى يونيو ٢٠١٤ وبعد ذلك إستمرار تواصلي معها وزوجها الدكتور إكهارت نيومان Dr.Ekkehart Naumann حتى اتصالي به وزوجتي قبل أيام وتقديم العزاء له وابنته .

٥/إلتقيتها لأول مرة في أغسطس عام 2013 بمبادرة منها حيث تصادف قدومها في رحلة جوية من أوربا مع أحد أقاربي وبعد حديث بينهما في الطائرة و معرفتها أنه يمت لي بصله القرابة ذكرت له إنها تود التعرف على السفير وفعلا اخطرني وأتصل بها وتحادثنا عبر الهاتف ورحبت بها وحضرت و زارتني في دار السكن وكانت زيارة مجاملة عادية .

٦/ثم حضرت في ديسمبر في نفس العام وأسرتها وكان حضورها بدعوة من الرئيس موسيفيني لعائلتها ولم يكن الرئيس موجود فأتصلت بي من المطار وذكرت لي انها وصلت وأسرتها الا ان الرئيس غير موجود وتود الحضور لقضاء يوم او يومين معي ورحبت بها وأسرتي بدار السكن وخلال هذه الفترة التي قضتها واسرتها معي تعرفت عليها وأسرتها عن قرب وتحادثنا عن العلاقات بين السودان واوغندا وجنوب السودان وعلاقاتها مع الرئيس موسيفيني والرئيس المخلوع البشير ووزير الخارجية علي كرتي .

وأخطرتني عن رغبة الحكومة السودانية في إبعاد حركات المقاومة المسلحة من اوغندا لتحسين وتطوير العلاقات بين البلدين وقد كلفت بذلك، فذكرت لها لكن الرئيس موسيفيني لديه مبادرة لجمع الحكومة السودانية وهذه الحركات في مفاوضات (سرية وبدون شروط من الطرفين)لاحلال السلام في السودان ، فذكرت لي ان الجانب السوداني غير موافق على هذه المبادرة ولكي يوافق لابد من ابعاد هذه الحركات المسلحة المعارضة اولا من اوغندا .

وقمت بتوضيح رأي لها فقلت لها أعتقد ان مبادرة الرئيس موسيفيني هي الاصلح للسودان واوغندا لأنها اذا نجحت ستكون فرصة لإحلال السلام في السودان وتطبيع العلاقات وتطويرها مع اوغندا في نفس الوقت، لكن اذا تم ابعاد هذه الحركات المعارضة من أوغندا فلن يكون هناك أي نفوذ للرئيس موسيفيني عليها ولن يوافقوا على الجلوس للتفاوض .

وبالطبع تم ابعاد قادة هذه الحركات بعد عام من ذلك، واذكر أنه صادف في تلك الايام ذكرى عيد ميلادها وقمت وأسرتي وأسرتها بالاحتفال به في احد المطاعم بكمبالا في 24 ديسمبر 2013 . وخلال تلك الفترة لاحظت أنها تتصف بعدة صفات منها الذكاء والجرأة والطموح العالي جدا.

٧/ترجع علاقتها بالرئيس الاوغندي موسيفيني كاقوتا كما ذكرت لي في أنه إلتقاها في المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية UNIDO بفيينا عندما كانت في هذه المنظمة اعتقد في 2010وقدم لها الدعوة لزيارة أوغندا ووصلت أوغندا وعملت في مشروع للطاقة يتبع للقصر الرئاسي ثم اوكل لها الرئيس زيارة عدة مناطق في اوغندا وتوضيح إمكانية قيام مشاريع للطاقة وكيفية تمويلها .

وأستمرت علاقتها بأوغندا والرئيس حتى عام 2012 حين تم تعيينها مستشارة للرئيس الأوغندي ( للمشكلات السياسية في الاقليم ) ورافقته في هذا العام الى قمة الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا وفي هذه القمة استطاعت تنظيم لقاء للرئيس موسيفيني مع الرئيس المخلوع البشير في محاولة لتطبيع العلاقات بين البلدين .

٨/على الرغم من تعيينها رسميا كمستشارة للرئيس موسيفيني لكن لم يكن لها وجود رسمي في سجل المسئولين في اجهزة الحكم في اوغندا وكان تعاملها وتكليفها بمهامها من الرئيس موسيفيني وبعض الاحيان من السيد سام كوتيسا وزير الخارجية، هذا الوضع غير المعتاد جعل منها شخصية غامضة بالنسبة لكثير من المسئولين للدرجة التي حاول فيها صديقي وزير الداخلية الجنرال اروندا نياكريما General Aronda Nyakirima أن يسألني عنها فكان ردي عليه هي ألمانية من أصل سوداني ومستشارة للرئيس موسيفيني ومن المفترض أن أسألك عنها أنا !!!! ( الجنرال اروندا كان قد توفى في الطائرة في دبي أثناء عودته من كوريا في عام 2017).

٩/المرحومة نجوي لم تزر السفارة أبان فترة وجودي مطلقا ولم تتدخل في عمل السفارة ونشاطها وكانت نقطة التقاطع الوحيدة بيني وبينها حول وجهة نظري في أن ندعم مبادرة الرئيس موسيفيني في التفاوض مع حركات المقاومة المسلحة والذي كنت أراه خيارا أفضل لتحقيق السلام وتحسين العلاقات مع اوغندا ، بينما عملت على الضغط على ان تنفذ الحكومة الاوغندية طلب الحكومة السودانية بإبعاد هذه الحركات من أوغندا حتى تطمئن الحكومة السودانية لاوغندا كوسيط وأنها لا تقدم مساعدات لهذه الحركات، وبالطبع كما ذكرت كان لحكومة المخلوع وجهاز الأمن ما أرادوا ( بالرغم من ان الحكومة الاوغندية نفذت ذلك بإبعاد قادة الحركات فقط الى باريس دون عوائلهم وبقية مساعديهم ) حتى يوافقوا على مبادرة موسيفيني للتفاوض وكما توقعت رفض قادة هذه الحركات التفاوض مع الحكومة بعد ذلك.

١٠/ إستمرت المرحومة نجوى قدح الدم في مهمتها الاساسية لتطبيع العلاقات السودانية الاوغندية وفي عام 2016 أقنعت الرئيس موسيفيني بزيارة السودان وكانت هذه اول زيارة لموسيفني بعد عشرين عاما ، وفي هذه الزيارة قام الرئيس الاوغندي بزيارتها في منزل أسرتها بام درمان .

١١/عملت كذلك في ملف المصالحة بين الرئيس سلفاكير ونائبه ريك مشار وربما كان تدخلها بوجهة نظر الرئيس موسيفيني والتنسيق لاحقا مع الرئيس المخلوع لدعم الرئيس سلفا كير في مواجهة نائبه هو الذي ادى لتأخير الوصول لاتفاقية السلام منذ 2017 حتى2019م.

١٢/ نقطة أخرى ذكرتها لي هي أنها قامت خلال فترة عملها كمستشار للرئيس الاوغندي وبتكليف منه بمحاولات إستقطاب استثمارات حكومية او خاصة لمشروعات كبرى في اوغندا وقامت لتحقيق ذلك بزيارات لعدة دولة دول كمبعوثة من الرئيس الاوغندي شملت بعض دول الخليج ( دولة الامارات. والمملكة العربية السعودية ودولة قطر ) وتركيا وروسيا .

١٣/إستمرت في العمل كمستشارة لرئيسين في بلدين في نفس الوقت اوغندا والسودان ( وهو وضع وعمل لا أعتقد أنه قد سبقها عليه أحد من قبل )وحتى بعد قيام الثورة في السودان وتغيير الحكم إستمرت في عملها في القصر في السودان ففي عام 2019 وافق السيد رئيس المجلس العسكري الانتقالي الفريق اول البرهان على استمرارها كمستشارة بالقصر الجمهوري وقامت بتنظيم وتنسيق زيارة له الى أوغندا صحبه فيها وكيل وزارة الخارجية السابق ومدير الادارة السياسية بالقصر الجمهوري وذلك قبل تكوين الحكومة .

١٤/في عام 2020 قامت بترتيب وتنظيم اول لقاء بين السيد رئيس مجلس السيادة الفريق اول البرهان مع الرئيس الاسرائيلي نتنياهو في عنتبي بوساطة أوغندية والتي كانت تهدف كما هو معروف لتكون اول خطوة نحو كسر الجمود في تطبيع العلاقات السودانية الاسرائيلية .

١٥/قد يتساءل البعض لماذا اختارت اسرائيل اوغندا لهذا الاجتماع والاوغنديين لهذه الوساطة ، ذلك لارتباط اوغندا واسرائيل بعلاقات تعاون قديمة تعود الى عملية عنتبي في عام 1976 عندما قامت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين باختطاف طائرة ايرفرانس بها مواطنين اسرائيليين وانزلت في مطار عنتبي وتم التعاون بين اسرائيل وأوغندا في اطلاق سراح الرهائن الاسرائيليين بعد مقتل ثلاثة اسرائيليين منهم العقيد يوناتان نتنياهو ( الاخ الاكبر للرئيس الاسرائيلي الحالي ) وكان قائد فرقة الكوماندوز الاسرائيلية التي وصلت من اسرائيل وتعاونت مع الفرقة الاوغندية في اطلاق الرهائن منذ تلك العملية زاد التعاون والتنسيق بين اوغندا واسرائيل .

١٦/ نقطة أخرى لابد لي من توضيحها ، وهي أن البعض كان يعتقد ان المرحومة نجوى قدح الدم قد تسببت في تركي لوظيفتي في كمبالا ، بدعوى ان حكومة البشير كانت ترغب في تعيينها كسفير بديلا لي . أوكد ألا صحة لذلك وانني كنت ادرك انه لا يمكن ان تعين كسفيرة في كمبالا لعدة اسباب منها : انها تعمل كمستشارة للرئيس الاوغندي ، وانها تحمل الجواز الالماني وبالتالي سيسحب منها اذا تم تعيينها وعدة اسباب أخرى . والصحيح أنني غادرت منصبي كسفير لاعتراضي على محاولة النظام البائد اغتيال بعض قادة احدى حركات المقاومة المسلحة.

إستمرت علاقتي وتواصلي وعائلتي مع الراحلة حتى بعد ان تركت كمبالا ، وأذكر أنها إتصلت بنا للعزاء في ابني أمجد الذي توفي في بريطانيا ، كما اتصلت بنا مرة أخرى لتخطرنا بتخرج ابنتها ومن خلال معرفتي بالراحلة على النحو الذي ذكرت ، أؤكد بأنها كانت تتميز بالعفة والاخلاق والقيم السودانية السمحة .

التعليقات مغلقة.