انما ايه- قصيدة جديدة : نشيدُ الشُّهداء

انما ايه- قصيدة جديدة :                                                                                    نشيدُ الشُّهداء
  • 09 أغسطس 2020
  • لا توجد تعليقات

بابكر الوسيلة

اِرْجعيني إلى حُضنِكِ الشَّعبيِّ
يا ساحةَ الاعتصام..
فقد نَكِرَتني المدينةُ، عرَّابُها، أغرابُها الأغبياءُ،
والصَّدى المتردِّدُ في الكلماتِ مِن ألفِ عام.

اِرْجعيني لدُمُوعِ الرِّجال..
والمطرِ المُتنزِّلِ بين صوتِ المنازلِ للشَّمسِ
جهراً،
وبين كِفاحِ الجَمَال.

قبِّليني على النَّهرِ عصراً
بأعمقَ ممَّا يُشتهَى ويُرام.

لم يخُنْكِ بَنُوكِ،
ولا أعيِيَاءُ الخُمُور
إنَّما، أولياءُ الأُمُور
وأوصياءُ البُنُوكِ..

فقد هانَ مَن هانَ
عند المَناصِب..
وقد خانَ مَن خانَ
تلك المواكِب..
وقد بانَ مَن بانَ
حبيبُ الأجانِب..
وقد لانَ مَن لانَ
ونالَ المَراتِب..
وهو سَمِيُّ الغِيَاباتِ الذي ما دخل الامتحان..
لكنَّ المدى واسعٌ،
شاسعُ الثَّورةِ والنُّورْ..
والبدايةُ في الأرضِ لمَّا تَمُورْ.

اِرْجعيني إلى حُضْنِ أُمِّي هنالك،
وهْيَ تَحمِلُني إلى الرَّوضةِ الأُمِّ،
وهْيَ تَشيلُ حناناً إلى المدرَسة..

اِرْجعيني إلى الدَّمعِ والدَّمِ والعَرَقِ المُتساكِبِ في الرُّوح
أصلِ ماءِ البُنيَّاتِ في مُضْغةِ الهندسة.

اِرْجعيني إلى ليلِ مولايَ يبكي غمامي،
كما وَلِدَتْهُ الطَّبيعةُ حُرَّاً أمامي.
وأبكي
كما وَلِدَتْني القصيدةُ عبداً أمامَ حَرفِ الحياةِ الوحيدِ
من الشِّعرِ والذِّكريات..
وأبكي في هَدْأةِ النِّيلِ سِحراً أمام حياتي وقلبي الشَّريد،
وأصرخُ ملءَ حياتي صُراخي الشَّهيد،
وملءَ حَوضِ حَرفَيْنِ وحيدَيْنِ من الحُبِّ اِبْتكرَتْهُ الحياة.

اِرْجعيني إلى النَّهْر،
إلى سادتي أصدقائي الجميلين في قلب عبَّاسْ،
إلى النَّاسْ..
وهُمْ يَقتسمونَ الشَّظايا
كمَن يَستقبلونَ هدايا..
وهُمْ يَقتحمونَ البداية..
ويََقترحونَ على “التِّرْسِ” خطَّ النِّهاية.

فيا ساحةَ النِّيلِ
اِرْجعيني إلى ساحلِ الاعتصام؛
فقد يَنهضُ الشُّهداءُ مع الموجِ
فوجاً لفوجِ؛
فأحلامُهم ليستْ على ما يُرام،
ومشهدُ الضِّفَّةِ في “عَويشِ” العُماماتِ، وفي عَريشِ “الدَّبابيرِ”، ليس نَسْجي.

اِرْجعيني إلى النَّارِ
في غَمرةِ الموكبِ الوطنيِّ؛
فإِنَّا على الأرضِ
عُشَّاقُ هذا الزَّمان
وثُوَّارُ ما خيَّطَ العُمرُ
في دمِنا من مكان.

هُوَ السُّودانُ في لُحْمَةِ الحُبِّ بيني وبينكَ
يا صاحبي في لحظةِ الاحتراق.
هُوَ السُّودانُ
مَشرَبُنا إذا ظمِئَتْ على الرُّوحِ أرواحُنا يا رِفاق.

اِرْجعيني إلى موجةِ النَّارِ من “عطبرة”،
إلى الرَّمزِ في الشِّعرِ،
والشِّعرِ في الرَّسمِ،
والرَّسمِ من دمِ الشُّهداءِ في لحظةِ المَجْزَرة.

اِرْجعيني إليَّ أنا..
إنَّ الذي تركتُه “بكُلُمْبيا”،
لم يعُدِ الذي هُوَ الآنَ هُنا.

اِرْجعيني إلى المَلْحِ
في الموكبِ المُتعرِّقِ بين تُرابِ الفتى على قلبِهِ،
وأحلامِ هذا الزُّقاق.

اِرْجعيني إلى الموتِ حُرَّاً، حين يُعَزُّ العِناق..
إلى دفتري الأوَّلِ،
أكتُبُهُ أمَلاً أمَلاً
وهْوَ يَنسُجُ في القلبِ خيطَ الحياة.

أشتهي
أنْ تكونَ الحديقةْ..
مكاناً يَليقُ بقُبُلاتِنا
في الحقيقةْ..
وقاماتِنا في الطَّريقةْ..
وقِسْماتِنا في المُجُون.
فثمَّةُ ما يَربُطُ الحُبَّ بالأرضِ دوما..
وما يَربُطُ الأرضَ بالحُبِّ حُلْما..
فأنا بطلٌ لا أزالْ..
ولمَّا أزالُ حَمِيَّاً
كمِجْمرةِ العشقِ في طينةِ الكون،
والكونِ في لَحَظاتِ السُّؤالْ.

بي شهوةٌ أُولى: هيَ أنْ أُنَقِّي الأرضَ مِن كلِّ السِّياسيِّينَ في هذي المُتُون
وأُخرى:
أنْ أُحارِبَ لي عدُوَّاً
أو حبيباً لم تَلِدْهُ الأرضُ ذِكرى؛
بل وَلِدَتْه ذاكرةُ الجُنُون.
لي شهوةٌ عُظمى:
أكونُ
ثَمَّ أكونُ،
ثَمَّ أكون.

بابكر الوسيلة
أغسطس/2020

التعليقات مغلقة.