من طرد بكري !!

من طرد بكري !!
  • 22 أغسطس 2017
  • لا توجد تعليقات

سيف الدولة حمدناالله

ليس من الحِكمة تقييم ما قامت به جموع من المواطنين بالهُتاف ضد بكري حسن صالح (نائب الرئيس) وعبدالرحيم حسين ( والي الخرطوم)  وأحمد هارون (والي شمال كردفان) ومنعهم من المشاركة في الصلاة على جثمان الفقيدة فاطمة أحمد إبراهيم وهو المشهد الذي إنتهى بحشرهم بصعوبة في باطن السيارات وخروجهم تحت حراسة رجال الأمن، ليس من الحكمة تقييم هذا التصرّف بمنظار الخطأ والصواب من زاوية الأخلاق والأعراف التي جُبِل عليها أفراد الشعب، وإعتبار أن تداعيات هذه الحادثة قد طُويت بالبيان الذي صدر بإسم ذوي الفقيدة بتوقيع لواء في الجيش بإدانة التصرف، وبما كتبه عدد من أصحاب الأقلام الذين قالوا أن حُسن الخُلق والدين يقتضي عدم إهانة من يأتي للعزاء بسبب خصومة سياسية وأن هذا تصرّف لا يشبه أخلاق السودانيين … إلخ.

هذا نظر قاصِر ولا يؤدَّي إلى الوصول للتقييم السليم لحجم المشكلة التي كشفت عنها هذه الحادثة، كما أن في ذلك تبسيط من شأنه أن يمنع إستيقاظ ضمائر هؤلاء المسئولين ومراجعة أنفسهم والنظر في الأسباب التي خلقت كل هذا الغِلْ والكراهية في نفوس الناس، ويجعلهم يكتفون بسماع أصوات الذين يقولون لهم أن الذين هتفوا ضدهم قِلّة من الصِيّع والصعاليك من أعداء الوطن والدين.

نعم، في السابق لم تكن الخصومة السياسية تؤدّي للحِنق بهذا المستوى على المسؤولين في أشخاصِهم، وكان حتى الذين يرتكبون الجرائم في حق الأفراد والجماعات من المسؤولين حينما يُغادرون مراكز السلطة، ينامون في فناء منازلهم بلا حراسة أو تأمين غير “سِلك شائك” من الذي يُوضع في الجدران لمنع تسلق اللصوص الليليين، ويرتادون الأسواق وبيوت الأفراح والمآتِم ويقودون سياراتهم بأنفسهم دون أن يتعرض لهم أحد بأذى أو شتيمة.

مشكلة الإنقاذ( حكومة عمر البشير)، أنها حكومة ترعى مصلحة جماعة من أنصارها وأتباعها وتُقسّم بقية الشعب بين رعايا يدفعون الضرائب والمكوس وأعداء ليس لهم مكان في الوطن، وأبناء النظام يعيشون في دِعة ورفاهية ويفعلون ذلك في علانية وتحدٍ دون إعتبار للمظالِم التي تقع على بقية الشعب، يتقاسمون الوظائف العامة وخيرات البلاد فيما بينهم وأبناء الشعب عطالى يئنون من الفقر والظلم والمرض، يرى الشعب الفساد بعيونه في أموال المسئولين وتُنكِر الدولة حدوثه، وحينما تُكتشف الجرائم بالمستندات يصطف جهاز الدولة للعمل على تبرئة اللص وحمايته، يقتلون المُتظاهرين ويلاحقون المُعارضين حتى وهم خارج الحدود.

الذين إستنكروا هذا الفعل تغيب عليهم حقيقة أن أعراف وثوابت الشعوب ليست ثابتة، وهي نِتاج للظروف والعوامل التي تؤدِي إلى نشأتها أول مرة وتبدل حالها فيما بعد، فليس هناك شعب يخرج من رحم أجداده طيّب وكريم ومِفضال وآخر يُولَد قوامه عصبجية ولصوص ومرتشين، فالشعوب التي ترى شبابها اليوم يحملون السلاح ويقتلون بعضهم البعض بلا رحمة، كان مثل هؤلاء الشباب حتى قبل سنوات قليلة يعيشون في سلام مُتحابّين فيما بينهم ويتبارون في تصفيفات الشعر ويرقصون مع بعضهم البعض على أنغام الدبكة.

الصحيح أن تأخذ جماعة الإنقاذ هذه الحادثة ليرفعوا أبصارهم لأعلى ويروا حقيقة الطريق الذي يسيرون فيه وإلى النهاية التي سوف يقودهم إليها ومعهم الوطن نفسه، وأن يُدرِكوا أن مصلحتهم تسير في عكس الطريق الذي يسلكونه، ذلك  أن كل ما حققوه من ثروات لأموال سائلة وعقارات .. الخ سوف يذهب مع الريح ولن يطالوا منه نِكلة إذا ما سقط قطار الوطن في الهاوية السحيقة التي يقترب منها بسرعة بغياب روح التسامح وتفشي العنف، فأفخم قطعة أرض ناصية تفتح في شارعين بوسط مقديشو اليوم لا يساوي ثمنها “خرطوش سجاير”، وكذا ثمن البنايات والقصور التي قام أصحابها بتشييدها في “ريف دمشق” و “إدلب” وغيرها من المدن السورية التي تشهد أهوال الحرب اليوم، وغاية ما يتمناه أثرى أثرياء تلك المناطق اليوم هو أن يهرب بجلده مع عياله على عربة “كارو” لمكان آمن.

نعم، القضية ليست في صحة أو خطأ طرد رسميين من عزاء الفقيدة فاطمة لكونها خصم سياسي أيّاً كانت حجة الطرفين، فهي أعظم من ذلك بكثير.

  • الكاتب: مستشار قانوني

saifuldawlah@hotmail.com

 

 

التعليقات مغلقة.