عمال السودان (تضحيات لا تُنسى ومسيرة لا تتوقف)

في مطلع شهر مايو من كل عام، يحتفل العالم بعيد العمال، تقديراً لجهودهم وتكريماً لنضالاتهم من أجل نيل الحقوق المشروعة وتحقيق العدالة الإجتماعية .
شكّلت تجربة الحركة النقابية العمالية في السودان نموذجاً جديراً بالتأمل والتحليل، لما لعبته من دور ريادي في مسيرة النضال الوطني، وسط تحديات سياسية واقتصادية وأمنية متراكمة عبر العقود. فقد كانت الحركة النقابية العمالية، جنباً إلى جنب مع الكيانات النقابية الأخرى، رافعة وطنية ساهمت في معركة الاستقلال، وأسهمت بقوة في إسقاط الديكتاتوريات المتعاقبة، بفضل وعيها العميق الذي ربط بين المطالب النقابية والبرنامج الوطني العام.
وبفضل هذا الوعي المتقدم، خاضت الحركة نضالات مشهودة دفاعاً عن حقوق العمال، من خلال التفاوض أو الاحتجاج السلمي، لتحسين الأجور وظروف العمل، وتطوير التشريعات النقابية ، وصون الحريات العامة التي تُعدّ الضامن الأساسي للحقوق العمالية.
وفي سبيل هذه الأهداف النبيلة، قدّمت الحركة العمالية السودانية تضحيات جسيمة؛ فقد ارتقى من صفوفها الشهداء، وتعرض مناضلوها للاعتقال والمحاكمات الصورية والتعذيب في “بيوت الأشباح”. كما نالتهم حملات الفصل التعسفي والتشريد، لا سيما في الحقبة الظلامية للنظام الإسلاموي، الذي سعى إلى تفكيك الحركة النقابية وتدجينها لخدمة مشروعه السلطوي.
وفي هذه المناسبة، نحيي صمود ونضال عمال السودان الأوفياء، الذين ظلوا في مقدمة الصفوف، متمسكين بخيار النضال السلمي والتنظيم النقابي، رغم القمع والملاحقة. ونترحّم على أرواح من أفنوا أعمارهم في خدمة قضايا العمال والوطن، مؤكدين أن ذكراهم ستظل حيّة في وجدان كل من يؤمن بالحرية والعدالة.
وعلى امتداد هذه المسيرة النضالية، وبعد إنتفاضة ديسمبر المجيدة، شهدنا انطلاق مبادرات واعدة لإحياء النقابات العمالية وتعزيز دورها في التحول المدني الديمقراطي. إلا أن انقلاب 25 أكتوبر 2021، وما تلاه من إندلاع للحرب، عطّلا هذه المساعي، وفتحا الباب لمزيد من التدهور.
ومع ذلك، تبقى النقابات حجر الزاوية في أي مشروع وطني حقيقي، إذ لا يمكن بناء سودان ديمقراطي ومتماسك دون حركة نقابية قوية ومستقلة، تناضل من أجل الحقوق والعدالة الإجتماعية ، وتؤسس لجبهة شعبية عريضة مع القوى المدنية الديمقراطية لإنهاء الحرب، وتحقيق السلام، وإستعادة المسار الديمقراطي.
إن تجربة الحركة العمالية السودانية تثبت أن وحدة الصف الوطني، واستلهام دروس الماضي، هما السبيل لصياغة مستقبل عادل يوازن بين المطالب العمالية والتطلعات الوطنية الكبرى.