الحلو يدعو إلى إنهاء التهميش البنيوي وبناء دولة علمانية ديمقراطية لا مركزية

أكد عبد العزيز الحلو رئيس الحركة الشعبية- شمال نائب رئيس تحالف تأسيس، على ضرورة إعادة السُّودان إلى منصة التأسيس، وإبرام عقد إجتماعي يقرّ بالتعدُّد والتنوُّع كمرتكز أساسي في تشكيل هويته.
ودعا الحلو في خطاب إلى أهمية النظر في شكل وطبيعة الدولة، وفي علاقاتها بمواطنيها، وفي نظام الحكم، ومؤسَّسات الدولة، وإنهاء التهميش البنيوي، ووضع حجر الأساس لدولة علمانية ديمقراطية لا مركزية توحِّد السُّودانيين. منوها بأنهم أقرّوا بذلك في المواثيق الأساسية للدَّولة الجديدة المتمثلة في(ميثاق السُّودان التأسيسي – ودستور السودان الانتقالي لعام 2025).
وفيما يلي نص خطاب الرفيق القائد عبد العزيز آدم الحلو
الحركة الشعبية لتحرير السُّودان – شمال – SPLM-N.
نحو “تأسيس” وبناء سُّودان جديد يسِع الجميع.
بدءاً – التحية لجموع الشعوب السُّودانية وجميع المُهمَّشين؛
التحية لشهداء وأبطال الثورات السُّودانية؛ وضحايا الحروب منذ العام 1955؛
التحية لأعضاء الحركة الشعبية وأبطال الجيش الشعبي لتحرير السُّودان – شمال؛
التحية للرفاق في تحالف السُّودان التأسيسي “تأسيس”؛
التحية لجميع نساء السُّودان والشباب والأرامل والأيتام؛
خالص التعازي لأسر الضحايا، وكامل التضامُن مع أسر الجرحَى والمفقودين.
منذ الغزو (التركي – المصري) في العام 1821، تشكَّلت ما يُسمَّى بالدَّولة الحديثة في السُّودان والتي لم تستوفي شروط بناء وتشكُّل الدَّولة الوطنية الحديثة، حيث جمعت مُكوِّنات مُختلِفة ومتنوِّعة ثقافياً ومُتفاوتة تاريخياً داخل حدود جغرافية كانت تقطُنها ممالك وسلطنات لا تربطها أي رابطة سياسية أو إدارية أو مصير مُشترك. وبعدها جاء الاستعمار (الإنجليزي – المصري) 1899، والذي ساهم كثيراً في تعميق الفوارق والفجوات بين هذه المُكوِّنات، وذلك بإتِّباع سياسة (فرِّق – تسُد) للحفاظ على وجودهم وبقائهم. ولقد ظلَّت الدَّولة السُّودانية منذ خروج المُستعمر 1956، تُعاني من أزمات جذرية بدءاً بالتركيبة الاجتماعية المشوَّهة للمجتمع السُّوداني ومُخلَّفات عهد العبودية التي قسَّمت الشعوب السُّودانية ووضعت مُكوِّنات اجتماعية وثقافية مُحدَّدة في أدنى السلم الاجتماعي، ومارست الدَّولة ضدها العنصرية المزدوجة على أساس العِرق والدِّين، كما قامت بإقصائِها وتهميشُها، ووضعت أمامها موانِع أبعدتها عن السُّلطة والثروة. فتشكَّلت الفوارق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. واشتعلت الحروب في كافة أرجاء البلاد لأن الدَّولة السُّودانية قامت على أساس العُنف والغَلبة دون الاكتراث لمطالب المُهمَّشين المشروعة. وقد استغلت الحكومات والنُخب المركزية في السُّودان هذه الفوارِق والاختلافات الثقافية في عسكَرة وتجييش بعض المُكوِّنات ضد الأخرى بمناطق الهامش في جبال النوبة والفونج الجديد ودارفور، ومن قبل في جنوب السُّودان، وذلك لضمان بقائِها في السُّلطة والحفاظ على امتيازاتها الموروثة دون وجه حق. انعكس ذلك على المشهد السِّياسي الراهن، والذي يتَّمثل في تعدُّد الجيوش التي تقوم على أسس إثنية وجهوية، مع الانقسام الاجتماعي الحاد.
منذ تأسيسها في العام 1983، وبعد تشخصيها الدَّقيق والسليم للمشكلة السُّودانية، طرحت الحركة الشعبية لتحرير السُّودان -SPLM، مشروع السُّودان الجديد، وهو مشروع لإعادة بناء الدَّولة السُّودانية لترتكز على الحرية.. العدالة.. والمساواة، مشروع لبناء سودان: علماني، ديمقراطي، لا مركزي، موحَّد طوعياً – يتبنَّى الهوية (السُّودانوية – Sudanism) التي تعكس التنوُّع التاريخي والتنوُّع المُعاصر. فالحركة الشعبية لتحرير السُّودان – شمال إذ تنادي بدولة المواطنة المُتساوية، فإنها تؤمن بإن السُّودانيين ينتمون إلى مُكوِّنات إجتماعية وثقافية مُتنوِّعة تاريخياً، ومُتنوِّعة في الحاضر، وإن هذا التنوُّع هو مصدر ثراء ولا بد من الحفاظ عليه، ويجب أن يعيش جميع السُّودانيين موحَّدين طوعياً وبإرادة حُرة، في أمن وسلم واستقرار لتحقيق التقدُّم والرفاه. وقد انعكس هذا التنوُّع في هياكل الحركة الشعبية ومؤسَّساتها المدنية والعسكرية.
في فبراير 2025، وبعد حوارات جدِّية ومسؤولة وضعت مستقبل البلاد وأمنها ووحدتها وتماسُكِها كأولوية، وفي السعي لتحقيق السلام الشامل والعادل، تم تكوين (تحالُف السُّودان التأسيسي – “تأسيس”) كتحالُف إستراتيجي عريض يُعيد السُّودان إلى منصة “التأسيس”، لتفكيك الدَّولة السُّودانية القديمة وإعادة بنائها على أسُس جديدة. وتعمل “تأسيس” على توحيد مُكوِّنات المجتمع السُّوداني وتدمير وتحطيم السُّودان القديم، وحل وتفكيك منظومات الإسلاميين. فحرب “تأسيس” هي في المقام الأول ضد دُعاة الإسلام السِّياسي الذين ظلُّوا يستغلّون الدِّين للوصول إلى السُّلطة ومن ثم استخدامه في الفساد والاستبداد والتفريق بين السُّودانيين. وباسم الدين تم إبادة أكثر من مليوني مواطن في جنوب السُّودان قبل الانفصال، وأكثر من مليون في مناطق الهامش الأخرى، ونهب موارد البلاد.
ستقوم “تأسيس” بعد انتهاء الحرب باستعادة الأمن والسلم وتفكيك جيوش النظام البائد والكتائب الإرهابية وبناء جيش جديد مهني يحمي المواطنين وحدود البلاد، ويلتزم بالدستور والمبادئ فوق الدستورية، كما ستقوم بإعادة إعمار البلاد وجبر الضرر وبناء السَّلام بين السُّودانيين وتحقيق التعايُش السِّلمي.
إننا في الحركة الشعبية لتحرير السُّودان – شمال، لا نبحث عن تسويات هشَّة، ولا عن حلول قصيرة المدى، بل نحن ماضون بثبات في مشروعنا السياسي الوطني، الذي يقوم على إعادة بناء الدولة السُّودانية على أسس جديدة، تضمن الحرية والعدالة والمواطنة المتساوية دون تمييز. ونحن وشركائنا في تحالف “تأسيس”، نؤمن بأن السُّودان لا بد أن يُعاد إلى منصة التأسيس، وإبرام عقد إجتماعي يقرّ بالتعدُّد والتنوُّع كمرتكز أساسي في تشكيل هويته، حيث يُعاد النظر في شكل وطبيعة الدولة، وفي علاقاتها بمواطنيها، وفي نظام الحكم، ومؤسَّسات الدولة، بحيث يُنهي التهميش البنيوي، ويضع حجر الأساس لدولة علمانية ديمقراطية لا مركزية توحِّد السُّودانيين. ولقد أقرّينا بذلك في المواثيق الأساسية للدَّولة الجديدة (ميثاق السُّودان التأسيسي – ودستور السودان الانتقالي لعام 2025).
يُعتبر إقليم جنوب كردفان/ جبال النوبة – الغني بالموارد الطبيعية المُختلفة – نموذجاً مُتفرداً في التنوُّع الإثني والثقافي والدِّيني، ولقد ظلَّت جميع هذه المُكوِّنات الاجتماعية تتعايش سلمياً منذ أمد بعيد، يتقاسمون الموارد والمصير المُشترك. ولكن الحكومات المركزية، ولتحكيم قبضتها على السُلطة والهيمنة على الثروة، قامت بتجييش وتسليح بعض المجموعات الإثنية ضد المجموعات الأخرى، وأشعلت بينهم الصراعات الدامية ومزَّقت النسيج الاجتماعي.
الحركة الشعبية لتحرير السُّودان منذ ثمانينات القرن الماضي خلال حرب التحرير الأولى (1984 – 2005) عملت على بناء علاقات سلمية بين المُجتمعات المُتنوِّعة في الإقليم – وهذا مرتكز أساسي في مشروع الحركة الشعبية – وذلك عبر إبرام إتفاقيات السَّلام والتعاون وفقاً للتطلُّعات والمصالح المُشتركة. وقد جاء تحالف “تأسيس” لإعادة تعريف العلاقات بين المُجتمعات، وإعادة تعريف العلاقة بين “الهامش” – و”المركز” كعدو إستراتيجي سيطر على السُلطة والثروة وخلق الصراعات بين المُهمَّشين للحفاظ على الوضعية التاريخية المُختلَّة.
ستلعب الحركة الشعبية لتحرير السُّودان – شمال دوراً رئيساً في إعادة العلاقات التاريخية بين المُكوِّنات الاجتماعية المُختلفة في الإقليم لإحداث قطيعة تاريخية وتجاوز مرارات وجِراحات الماضي، وإجراء مصالحات إجتماعية شاملة، مع رفض واحتواء نزعات الغُبن والتشفِّي والانتقام، وبدء عهد جديد عنوانه الأمن والاستقرار والتعايُش السِلمي والتنمية والرفاه والتقدُّم والازدهار. وفي سعيها لتحقيق هذه التطلُّعات والأهداف، فقد وقَّعت الحركة الشعبية لتحرير السُّودان – شمال من قبل على إعلانات وتفاهُمات سياسية مع قوى سياسية ومدنية في عاصمة جنوب السُّودان – جوبا، على النحو التالي: الحزب القومي السُّوداني بتاريخ: 21 فبراير 2020، الحوازمة الحلفا بتاريخ: 21 أكتوبر 2020، منبر جنوب كردفان لبناء السَّلام المُستدام بتاريخ: 26 أكتوبر 2020، المسيرية بتاريخ: 22 مارس 2021، تحالف قوى جبال النوبة المدنية بتاريخ: 23 مارس 2021، وحزب الأمة القومي بتاريخ: 20 يناير 2023.
تعيين الفريق/ حسن داؤود كبرون – وزيراً للدفاع يحمل في طياته بُعدًا استراتيجياً ماكراً يتعلَّق بكسب ولاء النوبة داخل القوات المُسلَّحة. فالنوبة يُشكلون عصب القوات المُسلَّحة وهم من أكثر المُكوِّنات الإثنية وجوداً وانضباطاً داخل الجيش السُّوداني، ولديهم تاريخ طويل من الخدمة العسكرية. في ظل الحرب الحالية والانقسام داخل المؤسَّسة العسكرية، فإن تعيين شخصية من جنوب كردفان/ جبال النوبة يُعتبر مُحاولة لتطمين الضُباط والجنود الذين ينتمون إلى الإقليم، وحثَّهم على الثبات إلى جانب مليشيا ما يُسمَّى بالقوات المُسلَّحة السُّودانية التي تأتمر بأوامر وتعليمات الإسلاميين وكتائبهم الجهادية الإرهابية، والهدف من ذلك هو حماية “حكومة بورتسودان” وأوليقارشية الشمال والوسط النيلي من النُخب المُستبِدَّة للاستمرار والانفراد بالسلطة والثروة. فتعيين شخصية من جبال النوبة في موقع سيادي كوزارة الدفاع – خصوصاً مع اشتداد المعارك في الإقليم – يمكن أن يُفهم كرسالة تقول: ” أنتم جزء من القرار ومحل ثقة” – وذلك بهدف تحجيم تأثير الحركة الشعبية لتحرير السُّودان – شمال التي تُحظَى بتأييد شعبي كبير في الإقليم. فهذا التعيين، في هذا المنصب الرفيع، الهدف منه عزل الحركة الشعبية سياسياً عن الحاضنة الإستراتيجية، وتقسيم الرأي العام في الإقليم حول من يُمثِّل مصالحهم الحقيقية. بالإضافة إلى ذلك، توظيف أكذوبة ورمزية ما يُسمَّى بـ “الوحدة الوطنية” في ظل الانقسام القبلي والإثني الحاد في السُّودان. وفي نهاية الأمر هذا المنصب في الوقت الراهن، وبعد انهيار المؤسَّسة العسكرية، لا يعدو كونه منصباً صورياً دون فاعلية، ثمنه هو حشد وإستنفار النوبة للقتال واستخدامهم وقوداً للحرب.
نحن في الحركة الشعبية لتحرير السُّودان – شمال، نرَى أن الأزمة السُّودانية ليست مُجرَّد أزمة سياسية عابرة، بل هي أزمة ذات جذور تاريخية عميقة في بنية الدَّولة. ونحن لسنا في معركة سلطة أو مكاسب ضيِّقة، بل نحن في مسار تحرُّر وطني شامل، يتطلَّب من الجميع شجاعة الرؤية وصدق الإرادة. ونحن نعمل اليوم مع شركائنا في تحالُف “تأسيس” على أن يكون هذا العقد الاجتماعي (الميثاق والدستور) مدخلًا لبناء دولة جديدة، تُنهي الحرب، وتبني السلام، وتضمن للجميع مكانًا في وطنهم دون تهميش أو دونية أو استبعاد. إننا نُراهِن على وعي شعبنا، وعلى تطلّع أجياله القادمة إلى وطنٍ يسع الجميع.
معًا من أجل عقد اجتماعي يوحّد لا يفرّق، ويُعمِّر لا يدمِّر، ويؤسِّس لسودان جديد.
النضال مُستمر والنصر أكيد.
القائد/ عبد العزيز آدم الحلو تلو
رئيس الحركة الشعبية، والقائد العام للجيش الشعبي لتحرير السُّودان – شمال.
2 يوليو 2025