سكان “الكنابي” في السودان .. إنتهاكات ممنهجة وتهجير إجباري

سكان “الكنابي” في السودان .. إنتهاكات ممنهجة وتهجير إجباري
  • 22 أغسطس 2025
  • لا توجد تعليقات

تحقيق - عبد الرحمن العاجب

ِتعرضوا للتهميش والتطهير العرقي والإبادة الجماعية

سكان “الكنابي” في السودان .. إنتهاكات ممنهجة وتهجير إجباري

لعقود من الزمان ظل نقص المياه النظيفة والصحة والتعليم والكهرباء وجميع الخدمات الأساسية سمة ملازمة لحياتهم، إنهم سكان “الكنابي” الذين ظلوا يعيشون طوال حياتهم في مشهد حزين تظلله مآسي الماضي ومعاناة الحاضر والمستقبل المجهول، طوال مسيرة حياتهم تعرضو للتهميش الممنهج والتطهير العرقي والإبادة الجماعية، من خلال الإنتهاكات الممنهجة التي ظلوا يتعرضون لها، لاتوجد إحصائيات رسمية لعددهم، لكن هناك بعض التقديرات تشير إلى أن عددهم يناهز المليونين مواطن، فيما تتحدث تقديرات أخرى غير رسمية أن عددهم يقدر بحوالي نصف سكان ولاية الجزيرة، وتعرض سكان “الكنابي” إلى موجة إنتهاكات في السابق، ولكن بعد إنتقال حرب 15 – أبريل – 2023م إلى ولاية الجزيرة تصاعدت وتيرة الإنتهاكات ضدهم، وكان أشدها وقعا بعد استعادة الجيش السوداني لمدينة ودمدني حاضرة ولاية الجزيرة في يناير الماضي.

وتواصلت الإنتهاكات مع تقدم الجيش والمليشيات المتالحفة معه في مناطق ولاية الجزيرة، وبعد سيطرة الجيش والمليشيات المتحالفة معه على ولاية الجزيرة، واجه سكان “الكنابي” كارثة إنسانية غير مسبوقة نتيجة للاستهداف العرقي والتهجير القسري الذي تعرضوا له، وتم إستهداف مجتمعات “الكنابي” بالقتل والذبح والتصفيات الجسدية وحرق المواطنين والمساكن والاعتقال والتعذيب والتهجير ونهب الممتلكات، هذا المشهد رسمه عدد من سكان “الكنابي” الذين تحدثوا لصحيفة “فجر برس” فضلاً عن الرصد الدقيق للإنتهاكات الذي قامت به الصحيفة خلال بحثها عن ما حدث من إنتهاكات لسكان “الكنابي” وحصرت مركزية مؤتمر الكنابي عدد “2195” كمبو، بخلاف الامتداد الغربي في أبوقوتة وتمبول بشرق الجزيرة، ووصفت ما جرى لسكان الكنابي بأنه “تطهير عرقي وتهجير قسري” وأكدت حرق عدد “160” كمبو في ولاية الجزيرة، وتهجير سكانها بالكامل، وقدرت الأضرار المادية لسكان “الكنابي” بترليونات الجنهيات، ونهب أكثر من (5000) ألف رأس من الماشية.

الجذور التاريخية والإجتماعية للكنابي:

ويعود إسم الكنابي إلى جمع “كنبو” أو “كمبو”، وهي مساكن غير لائقة يقطنها العمال الزراعيون، ظهرت مع تأسيس مشروع الجزيرة في العام 1925 وأنشئت الكنابي على مساحات ضيقة، تفتقر لخدمات “المدارس، الكهرباء، المراكز الصحية، ومياه الشرب النظيفة” وتوجد الكنابي على أطراف قرى المزارعين، وحول تجمعات مصارف المياه، وعلى أطراف قنوات الري مثل ” التُرع والكنارات ” ولا تعترف الدولة بهذه الكنابي بشكل رسمي أو قانوني، وهنالك سياسات وقوانين تمييز عنصري تمارس على مواطني الكنابي، وإنتشرت الكنابي بجميع المشاريع الزراعية المروية بوسط وشرق السودان؛ كإمتداد المناقل 1958 ومشروع حلفا الجديدة 1963 ومشروع السوكي الزراعي 1970 ومشروع الرهد الزراعي 1975 ومشاريع مصانع السكر بولايات الجزيرة والنيل الأبيض وكسلا.

ويلعب العمال الزراعيون الدور الرئيسي الأكبر في عمليات الإنتاج، كما نجد أن مباني “الكنابي” من القش والطين اللبن، وتطور بعضها قليلاً مع مرور الزمن إلي مباني ثابتة من الطوب، ونالت بعضها جزء من الخدمات بالجهد الذاتي، ويمكن القول أن سكان الكنابي هم بالأصل العمال الزراعيون القادمون من غرب السودان، خاصة دارفور وكردفان وامتداد السودان القديم غربا في الدول المجاورة التي كان سكانها يقومون بهجرات مستمرة الي السودان عبر القرون وأصبحوا مكوِّناً رئيسياً من الشعوب السودانية عبر التاريخ؛ ومن مجموعاتهم القبلية “البرقو، التاما، الهوسا، الأرنقا، المراريت، الفور، الزغاوة، المساليت، الداجو، المسيرية، اولاد راشد، الرزيقات، النوبة، ومجموعات أصبحت الآن من دولة جنوب السودان، ومجموعات قبلية أخرى بنسب صغيرة” ولايوجد تعداد سكاني دقيق لعدد المواطنين بالكنابي، لكنهم يقدروا بنصف عدد سكان ولاية الجزيرة .

سياسات وقوانين التمييز العنصري:

بعد إفتتاح خزان سنار في العام 1925 بدأ التوسع الكبير في مشروع الجزيرة، إلا أن أزمة الكساد التي ضربت العالم في العام 1929 أثرت على أسعار القطن، وترك الكثير من المزارعون الزراعة، ومنذ العام 1931 وحتي 1944 خلال هذه السنوات، بدأ التحول في وضعية بعض العمال الزراعيون حيث تم تمليكهم حواشات وأصبحوا مزارعين مع تمدد المشروع، وبلغ عددهم ثلاثة ألف مزارع يمثلون ما يقارب 15% من مزارعي المشروع حينها. ولكن للأسف تم قطع التطور الذي يعزز من حقوق المواطنة والتملك والتوظف، بواسطة أول مدير سوداني تم تعيينه من قبل الانجليز في العام 1945 وهو الأستاذ عباس مكي؛ وقد قام هذا المدير السوداني بإتخاذ أخطر قرارين إداريين عنصريين هما؛ قامت عليهما سياسات وقوانين الاقصاء والحرمان اللاحقة.

وكان القرار الأول هو أن مجموعة الثلاثة آلاف الذين تحولوا إلى مزارعين، تنزع ملكيتهم للحواشة والأرض الزراعية في حالة وفاة أحدهم ولا تورث لأبنائه، ويعاد توزيع تلك الملكيات المنزوعة لآخرين لا ينتمون لهذه المجتمعات. والقرار الثاني هو؛ ألا يوظف الأفراد من مجتمعات العمال بالكنابي بوظيفة بها راتب في مؤسسات الدولة والمشروع. وبهذين القرارين وضع عباس مكي، الأساس المؤسسي والقانوني، لنزع حق المواطنة والانتماء من مجتمعات العمال الزراعيين، وعمل على ضمان بقائهم ” عمالة احتياطية ” عند الطلب. وهذا الأمر هو بداية توريث المظالم للأجيال اللاحقة من مجتمع الكنابي. وقد ظهر التلاعب بحقوق المواطنة في قانون تعريف من هو السوداني، الصادر في العام 1948 وقوانين الجنسية السودانية، اللاحقة التي عملت على تقنين التمييز العنصري ضد مجتمعات الكنابي.

الحرمان من الحقوق الأساسية:

تاريخياً واجهت مجتمعات الكنابي مفاهيم وسياسات وقوانين حرمتهم من حق المواطنة المتساوية، وظلت الدوائر الرسمية تنتج خطاب ينفي حق كثير من مواطني الكنابي في الانتماء لبلدهم السودان، وعززوا ذلك بإجراءات إستخراج الجنسية والاوراق الثبوتية، وحرموا الكثيرين من الحصول عليها، وفي السياق وصف الدكتور جعفر محمدين الأمين العام لمؤتمر الكنابي قانون الجنسية بأنه من أكثر القوانين العنصرية في العالم وظل سيفا مسلطا علي رقاب الكثير من المجموعات السودانية ومنها مواطني الكنابي؛ حيث ترك الكثير من الطلاب مواصلة دراستهم بسبب معاكستهم في إستخراج الاوراق الثبوتية علي الرغم من امتلاكهم لشهادات الميلاد ولجنسية الوالد خصوصا في بداية التسعينات، كما تم تنفيذ سياسات الحرمان من تقديم خدمات التعليم والصحة والتنمية من الكنابي علي الرغم من شراكة عمال الكنابي في العمليات الانتاجية؛ ومثال لذلك تم حرمانهم من الخدمات الاجتماعية التي كانت تقدم من مال الخدمات الاجتماعية بمشروع الجزيرة والتي كانت تصرف في تعليم محو الامية وبناء المدارس والمراكز الصحية وغيرها، كما ليست لمواطني الكنابي آليات تمكنهم من الحصول على التمويل من البنوك الزراعية على الرغم من دورهم الرئيسي في عملية الانتاج الزراعي.

قضايا السكن والخدمات والإنتاج :

وتفيد متابعات “فجر برس” بأن كثير من “الكنابي” لا توجد بها مدارس، ويعاني الطلاب من هذه المعضلة حيث يذهبون الي مدارس القري التي بجوارهم. وأيضا لا توجد مراكز صحية بالكنابي، كما لا توجد مصادر لمياه الشرب النقية حيث يشرب الكثير منهم من الترع والحفائر الملوثة وبعضهم من المضخات اليدوية ، كما لا توجد كهرباء بالكنابي، وتفيد المتابعات أن العمال الزراعيون لا يملكون الأرض الزراعية، وهي أهم وسيلة إنتاج في النشاط الزراعي، ويعملون وفق علاقات عمل محددة مع المزارعين الذين يملكون الأرض ملكية منفعة.

وبالنسبة لعلاقات العمل، بحسب ما أفاد جعفر محمدين، فأنها تتمثل في الأتي : “نظام الشراكة أو المُزارعة؛ وفيه يقوم العامل الزراعي بكل العمليات الفلاحية من زراعة، وتنظيف حشائش، وحصاد المحصول، ومن ثم يقوم بقسمة المحصود بالتساوي مع المزارع مالك الحواشة. فإذا أنتجت الحواشة 20 جوال ذرة مثلا، فلكل من العامل الزراعي والمزارع 10 جوالات، مع تقاسم تكلفة تحضير الأرض والضرائب” إضافة إلى “نظام الإيجار أو الدقونتي؛ هنا يقوم العامل الزراعي، بتأجير الأرض الزراعية لمدة موسم زراعي واحد من المزارع، وله الانتفاع بكامل المحصول، مع التزامه بدفع الضريبة” إضافة إلى “نظام الأُجرة: وفيه يعمل العمال الزراعيون كأجراء يومية أو شهرية أو قُوال في مَزارع المحاصيل الغذائية، الخضروات، والمحاصيل النقدية كالقطن والقمح، وفي مزارع قصب السكر” ويؤكد جعفر محمدين أن علاقات العمل هذه تعتبر غير عادلة حيث يبذل فيها عمال الكنابي جهود كبيرة ولا يحصلون قيمة توازي جهدهم.

نظرة تاريخية لإنتهاكات الكنابي:

وتعرضت العديد من الكنابي طوال تاريخها الممتد لكثير من إنتهاكات حقوق الانسان تفاوتت بين القتل وحرق الكنابي والتهجير ونهب الممتلكات ومثال لذلك: كمبو بابنوسة: في العام 1995 تم حرق طلبة قرآن بكمبو بابنوسة بالقرب من قرية الشريف مختار بشرق الجزيرة، وكمبو وادي شعير: في العام 1999 تم قتل عدد من المواطنين وحرق الكمبو وتهجيرهم الي مناطق أخري بمحلية الحصاحيصا، وكمبو محمد زين : في العام 2014 تم منع الكمبو من توصيل الخدمات وقتل مواطن ومنع طلاب الكمبو من مواصلة الدراسة بقرية محمد زين بمحلية جنوب الجزيرة، وكمبو أفطس : في العام 2018 تم الاعتداء على كمبو افطس بمحلية الحصاحيصا وحرق العديد من مساكن الكمبو، والتنكيل بالمواطنين، وكمبو المعليق : في العام 2020 تم حرق عدد من منازل كمبو المعيلق بمحلية الكاملين، وما ذكر هو بعض النماذج للانتهاكات التي يتعرض لها مواطني الكنابي علي مر العصور؛ ما يوضح ان استهدافهم الاخير هو امتداد لعمليات الانتهاكات السابقة.

إنتهاكات الجيش ومليشياته بالجزيرة:

وتفيد المتابعات أن قوات الجيش السوداني وجهاز الأمن والمستنفرين وقوات درع السودان بقيادة ابوعاقلة كيكل والقوات المشتركة والمجموعات القبلية المسلحة التي تتبع للمقاومة الشعبية مثل المجلس الحربي لقبيلة الكواهلة بقيادة الناظر الناجي بابكر وكتائب البراء بن مالك الاسلامية الارهابية؛ إرتكب مجازر وجرائم كبيرة طالت المواطنين المدنيين بمدينة ودمدني والمحليات الأخري بولاية الجزيرة. وهذا التحقيق يركز على الفترة الزمنية من تاريخ 20 أكتوبر 2024 وحتي لحظة دخول الجيش وحلفاءه لودمدني بتاريخ 11 يناير 2025 وماتلاها. وشملت الإنتهاكات ضد المواطنين المدنيين؛ التصفيات الجسدية، حرق الأطفال والنساء، الإعدامات، ذبح المواطنين، التهجير، ونهب المواشي والممتلكات. وتوزعت الإنتهاكات في عدد من المناطق والمحليات.

إنتهاكات محلية أم القرى:

وشهدت محلية أم القرى والكنابي الموجودة بها إنتهاكات عديدة، وفي كمبو “التضامن” وبتاريخ 7 – ديسمبر – 2024 قامت قوات درع السودان باعتقال “93” مواطن من كمبو التضامن بأم القري شرق الجزيرة، وتمت تصفية (23) مواطن بريئ ورميهم في المزراع وهم: “جمعة ادم – قمر هارون – هاني محمد – ود شاويش – ابراهيم ادم – محمد ادم – يس قمر – خميس خاطر – عبدو باوزي – عبدالمجيد حسن – بكري جدو – يحي حسين – احمد دنان – شيخ بحر – محمود عبدالرحمن – ايوب عبدالرحمن – يس بابكر – محمد مهاجر – صبري – النيل صالح – حنتوش وأثنين من أبناء عبدالوهاب” وفي كمبو “طيبة” وبتاريخ 9 – يناير – 2025 قامت قوات درع السودان بإرتكاب مجزرة ضد مواطني كمبو خمسة “كمبو طيبة” بمحلية أم القري شرق الجزيرة، حيث تم حرق طفلين داخل منزلهما وهم “أحمد عيسي – حامد محمد” واغتيال ثمانية مواطنين هم “عبدالعزيز عبدالكريم – خاطر إبراهيم – أحمد إسحاق كيتا – صالح حماد – شيخ الخلوة – علي محمد” واختطاف “13” امرأة برفقة إبراهيم أبكر، وفي كمبو “16” تم حرق كمبو “16” بمحلية ام القري ، وفي كمبو “مبروكة” تم حرق الكمبو بمحلية ام القري، وفي كمبو “دارالسلام” وبتاريخ 12 – يناير – 2025 تم حرق جزء من كمبو دار السلام بمحلية ام القري بالقرب من القرية “31”.

ودمدني والكارثة الكبرى:

وفي محلية ود مدني الكبري، وبمدينة ود مدني أرتكب الجيش السوداني وحلفاءه مجازر وجرائم حرب وثقوها بكاميراتهم من رمي لشاب من أعلى كوبري حنتوب، وتصفيات جسدية، وذبح للمدنين، واعتقال وخطف للمواطنين، وقد غاب التواصل مع المصادر بداخل مدينة ود مدني لتكون هنالك معلومات مفصلة، ولكن مجمل الذي حدث بودمدني أكثر من الذي تم رصده، وتم إستهداف اللاجئون من دولة جنوب السودان بشكل كبير بعدد من المناطق والأحياء منها “كمبو الجير” بالقرب من جامعة الجزيرة مجمع النشيشيبة وأحياء “الأندلس والدباغة والاسماعيلي والثورة موبي وحلة محجوب ” فيما تم إستهداف المواطنون الذين تعود أصول إنتمائهم لغرب السودان بنفس الأحياء المذكورة آنفا، لأنهم يسكنون مع مواطني دولة جنوب السودان في نفس الأحياء، إضافة إلي بعض الكنابي بطريق ودمدني الخرطوم ومنها “كمبو حليمة وكمبو شتات”، فضلاً عن المواطنون الآخرون بالمدينة والذين تم إستهدافهم بتهم غير مثبتة وبلا إي إجراء قانوني؛ والتهمة هي انهم متعاونون مع قوات الدعم السريع، وبالنسبة للكثيريم أن الأوضاع داخل ود مني تحتاج للمزيد من العمل على كشف حجم الجرائم التي تم إرتكابها ضد المدنيين العزل.

إنتهاكات محلية جنوب الجزيرة:

وبعد إستيلائهم على مدينة ود مدني وبجانب الانتهاكات الموثقة ضد المدنيين العزل؛ التي إرتكبها الجيش السوداني وحلفاءه من القوي المسلحة من كتائب البراء بن مالك الاسلامية المتطرفة وقوات العمل الخاص وقوات درع السودان والمجموعات القبلية المسلحة بالمناقل والحوش وكتائب المستنفرين. قامت هذه القوات بإرتكاب جرائم وانتهاكات منظمة تمت على اسس متعددة، ومنها ما تم على أسس قبلية وعنصرية، للبرقو والتاما ومجمل المنتمين لغرب السودان، إضافة لمواطني دولة جنوب السودان، وشملت الجرائم التصفيات الجسدية، القتل، حرق المواطنين والمساكن والممتلكات، ذبح المواطنين، التهجير، والاعتقالات والتعذيب، ونهب الممتلكات، وبدأ هذا الاستهداف الاثني العنصري بعد سيطرة الجيش على “الدندر، وسنجة، و مصنع السكر بسنار” وبعدها امتد الي جنوب الجزيرة بوحدتي الحوش والحاج عبدالله الإداريتين.

وإمتدت إنتهاكات محلية جنوب الجزيرة لتشمل كمبو “الشكابة الجاك” وبتاريخ 9 – يناير – 2025 تم حرق كمبو الشكابة الجاك بمحلية جنوب الجزيرة والإعتداء على المواطنين وتهجيرهم، وبتاريخ 10 – يناير- 2025 تم تهجير سكان “كمبو قمبو” بمنطقة مهلة واحتجاز جميع مواطني الكمبو بمنطقة المدينة عرب، مع اعتقالات وتعذيب للشباب الكمبو. وتم نهب جزء من ممتلكات مواطني كمبو قمبو وترحيل المنهوبات بعربات الدفارات الي المناقل، وبتاريخ 10 – يناير – 2025 تم تهجير سكان “كمبو عشرة” ريفي الحوش والاعتداء علي قرية النسيم، وتم نهب الماشية والمحاصيل من قبل الجيش ومستنفري الشريف مختار.

وأفاد الدكتورجعفر محمدين الأمين العام لمؤتمر الكنابي بأن الإنتهاكات تعدت القتل والتشريد إلى نهب المواشي والممتلكات، وفي قرية “بُلين” التي تقع غرب مدينة الحاح عبدالله، والتي تقطنها قبيلة البرقو وتبعد عنها 2 كليو متر، تم نهب عدد “45 ” رأس من الأبقار، وفي قرية “ود ماهل” التي تقع غرب الحاج عبدالله؛ وتسكنها قبيلة البرقو وقليل من الكواهلة، تم نهب عدد “100 ” رأس من الأبقار، وفي قرية “حلة داؤد” التي تقع شمال غرب الحاج عبدالله وتبعد أربعة كيلو متر من المدينة، تسكنها أغلبية من البرقو، وقليل من المراريت، لقد تمت سرقة عدد ” 80 ” رأس من الأبقار، وفي قرية “نمرة خمسة” التي تقع شمال غرب الحاج عبدالله، وتبعد حوالي ستة كيلو من مدينة الحاج عبدالله، وهي بالقرب من كوبري سبعة وخمسين، الذي ترتكز فيه قوة من الجيش والمستنفرين. تم نهب عدد ” 60 ” رأس من الماعز والابقار، وفي قرية “حلة بشر” والتي تقع غرب الخزان، على بعد سبعة كيلو من الحاج عبدالله، وكيلو واحد فقط من كوبري سبعة وخمسين، الذي يتواجد فيه ارتكاز الجيش، وتسكنها قبائل البرقو والبرنو والهوسا، تم نهب عدد ” 45″ رأس من الابقار.

ولم يتوقف نهب المواشي عند هذا الحد، بحسب ما أفاد جعفر محمدين، بل إمتد ليشمل قرية “نسيم” والتي تقع شرق مدينة الحوش وعلي بعد اثنين كيلو منها، معظم سكانها من البرقو والتنجر والمساليت، تم نهب عدد “60” رأس من الأبقار، وفي كمبو “عشرة” الذي يقع شرق مدينة الحوش وعلي بعد نصف كيلو من الحوش، تم نهب عدد كبير من الأبقار ولم نستطيع التأكد من الرقم، وفي كمبو “طويلة” الذي يقع شرق مدينة الحوش، يسكنه التاما، تمت سرقة جميع المواشي بالكمبو، وفي كمبو “محي الدين” الذي تسكنه أغلبية من التاما، تم نهب جميع المواشي بالكمبو، وفي كمبو “العقيدة” الذي يقع غرب مدينة الحوش، علي أربعة كيلو، تسكنه قبيلة التاما، تم نهب مواشي الكمبو، وفي كمبو “الروف” الذي يقع شمال غرب مدينة الحوش؛ يسكنه التاما، تم نهب عدد من مواشي الكمبو، وفي كمبو “ابو قمري” الذي يقع غرب مدينة الحوش علي بعد خمسة كيلو تم نهب عدد من المواشي.

وفي كمبو “العقيدة” الذي يقع جنوب غرب مدينة الحوش، يسكنه التاما، تم نهب المواشي والممتلكات، وفي قرية “نعم الله” التي تبعد عشرة كيلو من الحوش وغالبيتها من البرقو ، تم ضربهم وسرقة أبقارهم واعتقال الشباب والإساءة اليهم. ومن انتهاكات هذه القرية الفيديو الذي إنتشر بمواقع التواصل الاجتماعي للمرأة التي تدعى “مريم” التي تعرضت للإساءة والضرب والتهديد والاعتقال علي أيدي جنود من الجيش، وفي محلية جنوب الجزيرة؛ صاحبت عملية نهب المواشي والممتلكات، إعتقالات كبيرة طالت الشباب والنساء وإساءات وتحقير عنصري بغيض والآن تمتلئ سجون مدينة المناقل بالابرياء من مواطني ومواطنات الكنابي.

وفي محلية الحصاحيصا تعرض كمبو “العجب” بمنطقة أبوقوتة بتاريخ 1 – يناير – 2025 للهجوم، ويذكر أن الهجوم الغادر قادته مليشيات المستنفرين من الجيش وخلاله تم قتل مواطنين هما ” آسيا إسحق عمر – أبكر إسحق مطر” وجرح المواطن “عبد الكريم يحي” وفي كمبو “لفة” وبتاريخ 1- يناير – 2025 تم الهجوم علي مواطني كمبو “لفة” بمنطقة أبو قوتة من قبل مستنفري الجيش، حيث تم تهجيرهم قسرا إلى قرية “الرقل” ونهب ممتلكاتهم بما في ذلك عدد من الماشية والأبقار.

رواية شاهد عيان على الجازر:

وفي 21 – يناير – 2025، وأمام حشد من المواطنين وقادة الجيش السوداني الذين تجمعوا في موقع الجريمة، روى شاهد عيان تفاصيل الأعمال الوحشية التي ارتكبها الجيش السوداني، والمستنفِرين، وقوات درع السودان. وقال الشاهد: “تم قتل ست وعشرون شخصًا على يد مسلحين في هذا الكمبو. دفناهم في قبور جماعية على مدى يومين، مع وجود ثلاثة إلى ست جثث في كل قبر. كانت المهمة صعبة بالنسبة لي، حيث فر معظم الرجال والشباب من المنطقة. كان عليّ دفن إحدى الجثث بمساعدة زوجة المتوفى فقط. كان المسلحون يقتلون أي شاب أو رجل يصادفونه، ولهذا فر الناس. كانت المدرعات تطلق النار على المدنيين في الكمبو. في إحدى المرات، صوب أحد المسلحين سلاحه نحوي وهدد بقتلي. توسلت إليه ألا يفعل، وشرحت له أن هناك جثة علي دفنها. وعندما كشفت له الجثة، سألني من قتله، فقلت له: الجيش. فتركني وابتعد”.

وأضاف الشاهد : “نحن ممتنون للعميد وقواته الذين وصلوا منذ ستة أيام، حيث لم نتمكن من التحرك قبل ذلك. ومع ذلك، نشعر بإهانة عميقة ولا نصدق أن أي شخص في العالم يمكن أن يفعل ما فعله هؤلاء. جئتم إلينا، ونريد أن نوضح أننا لا علاقة لنا بقوات الدعم السريع، رغم الشائعات. لقد تكبدنا خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، والتي نلخصها فيما يلي:” “قتل 26 شخصًا وأحرقوا في الكمبو، وحرق 54 منزلاً، ونهب 74 كارو (عربات تجرها الحيوانات) وحمار، واعتقال 18 شخصًا، ونهب 2400 رأس من الماشية، بما في ذلك الأغنام والماعز والحمير، وقال شاهد العيان: تم نهب أموالنا وتخزينها في المناطق المحيطة بنا” وتسلط هذه الشهادة الضوء على حجم الدمار الذي يواجهه أهل الكمبو، وعلى الفظائع المستمرة التي يرتكبها الجيش السوداني وقواته الموالية ضد المدنيين الأبرياء.

وأفاد شهود عيان تحدثوا لصحيفة “فجر برس” وفضلوا حجب أسمائهم للظروف الأمنية التي تحيط بهم، أفادوا بأن عمليات القتل والإعدام، وحرق المنازل والمزارع، والاختفاء القسري لسكان “الكنابي” في ولاية الجزيرة بوسط السودان تمت على أساس عرقي بواسطة ميليشيات قبلية تابعة للقوات المسلحة السودانية، وتشمل هذه الميليشيات، التي تشكلت على أسس عنصرية، مجموعات مثل: “قوات درع البطانة ولواء الزبير بن العوام” وتفيد متابعات “فجر برس” بنزوح آلاف الأسر نحو “الفاو، القضارف، سنار، كوستي ومدن أخرى” ويعيشون هناك تحت ظروف قاسية وسط انعدام الأمن وتدهور الأوضاع المعيشية، دون مأوى كافي أو مساعدات إنسانية تلبي احتياجاتهم الأساسية، ويذكر أن معظم سكان “الكنابي” يعتمدون على الزراعة كمصدر دخل رئيسي، لكن بعد تهجيرهم وفقدان أراضيهم، أصبحوا بلا مصدر دخل، مما أدى إلى تفشي الجوع والفقر وسطهم.

إنتهاكات الجيش في سنار:

وفي ولاية سنار والمناطق الجنوبية من ولاية الجزيرة، ارتكب الجيش السوداني، وهيئة العمليات التابعة لجهاز المخابرات العامة، والميليشيات الإسلامية، والميليشيات القبلية، فظائع بدوافع عنصرية وعرقية، شملت الانتهاكات القتل، والإعدامات الميدانية، وحرق المنازل والمزارع، ونهب الممتلكات والمواشي، وذبح المواطنين، وإغراق المزارع وتدميرها، بالإضافة إلى التهجير القسري، والتعذيب، وحرق الأطفال. وفي بعض المناطق، تم إغراق مواطنين في النيل، بينما تعرض آخرون للاعتقالات التعسفية والاحتجاز وقد ارتُكبت هذه الفظائع في معظم المناطق التالية: “محلية الكاملين: إلمعيلق، السريحة، المسيد، والصناعات، وفي محلية الحصاحيصا: مدينة الحصاحيصا، أبو عشر، ود حبوبه، المسلمية، أبو قوتة، طابت الربع، والمحيريبا، وفي محلية جنوب الجزيرة: الحوش، المدينة عرب، ود رعية، الحاج عبدالله، وبركات، وفي محلية المناقل: المناقل، الكريمت، الهدى، والجاموسي، وفي محلية القرشي: معتوق، العزازي ، والماطوري”.

إبادة جماعية وتطهير عرقي:

عُرف التطهير العرقي ‏ بأنَّه الإزالة الممنهجة القسرية لمجموعات إثنية أو عِرقية من منطقة معينة، وذلك مِن قبل مجموعة عرقية أخرى أقوى منها، غالباً بنيّة جعل المنطقة متجانسة عرقياً، وتتنوع أساليب القوى المُطبقة لتحقيق ذلك، كأشكال التهجير القسري، والترهيب، بالإضافة إلى الإبادة الجماعية والاغتصاب الإبادي، فيما تعرف الإبادة الجماعية بأنها التدمير المتعمد والمنهجي لمجموعة من الناس بسبب عرقهم أو جنسيتهم أو دينهم أو أصلهم، وتمت صياغة هذا المصطلح في الاربعينيات من القرن العشرين بواسطة المحامي البولندي “المولد رافئيل ليمكن”.

وفي السياق أحصت مركزية مؤتمر الكنابي بالسودان، مقتل (1200) مواطن على يد المليشيات المتحالفة مع الجيش السوداني في ولاية الجزيرة وسط البلاد، في وقت يواجه فيه الآف المواطنين من سكان “الكنابي” مصيرا مجهولاً بعد حرق مساكنهم وتهجيرهم قسرياً إلى الولايات المجاورة، وشملت الانتهاكات ضد سكان الكنابي القتل والنهب والتهجير القسري بعد حرق منازلهم، وفق الأمين العام لمؤتمر مركزية الكنابي، الدكتور جعفر محمدين، وأكد محمدين في تصريح لـ(فجر برس) مقتل (1200) مواطن من سكان الكنابي، على يد مسلحين متحالفين مع الجيش السوداني، منها قوات درع السودان والعمل الخاص وكتيبة الزبير بن العوام، تحت اشراف القوات المسلحة السودانية، وأشار إلى أن هنالك مفقودين من سكان الكنابي لم يُعرف مصريهم حتى الآن، كما أن الانتهاكات لا زالت مستمرة ما يجعل اعداد القتلى في تزايد، وفق قوله.

ووصف محمدين ما جرى لسكان الكنابي بأنه “تطهيرا عرقيا وتهجير قسري” مؤكداً حصر عدد “160” كمبو في ولاية الجزيرة تم حرقها وتهجير سكانها بالكامل، وأشار محمدين إلى أن معظم سكان الكنابي المهجرين فروا الى مُدن وقرى “الفاو والقضارف وسنار وكوستي” وبعض منهم الى مدينة الانقاذ شرق ودمدني وآخرين الى المناقل وشمال الجزيرة، وأكد الأمين العام لمؤتمر الكنابي أن الأضرار المادية التي لحقت بسكان الكنابي كبيرة جداً وتقدر بترليونات الجنهيات، وفق قوله، مشيراً إلى أن هنالك نهب مستمر للماشية في مناطق الكنابي من أبقار وماعز، ويقدر ما نُهب بحوالي (5000) ألف رأس من الماشية، وتابع قائلاً: “يواجه الفارون من الكنابي مستقبل مجهول وللأسف لا زالت المطاردة مستمرة حتى في أماكن النزوح الجديدة وفق ما يعرف بـ”قانون الوجوه الغريبة”.

ودعا محمدين أبناء الكنابي في القوات النظامية المختلفة، إلى حماية أهاليهم من خلال إقامة ارتكازات باسم القوات التي يتبعون لها لحماية السكان من الهجمات التي يتعرضون لها، وأشار إلى أن مركزية مؤتمر الكنابي اطلقت نداءًا عاجلًا لكل المنظمات الدولية والإقليمية للضغط على قيادة الجيش لوقف الانتهاكات التي يتعرض لها سكان وقوميات الكنابي حيث يتم استهدافهم على أساس عنصري، مبينا أن ما يحدث شبيه بما حدث في دولة رواندا في وقت سابق، وأوضح محمدين أن عدد سكان الكنابي بولاية الجزيرة يبلغ نحو (2) مليون نسمة، مبينا أن مركزية المؤتمر تحصر عدد (2195) كمبو، بخلاف الامتداد الغربي في أبوقوتة وتمبول بشرق الجزيرة.

الجيش يرفض الرد على الإتهامات:

ولتحقيق مبدأ المهنية المتمثلة في الشفافية والتوازن والموضوعية، وإستعراض الرأي الأخر تواصل محرر “فجر برس” مع الناطق الرسمي بإسم القوات المسلحة العميد نبيل عبدالله عبر تطبيق واتساب في هاتفه، وطلب منه الرد على أسئلة التحقيق الصحفي، والاجابة على سؤال الاتهامات التي تلاحق الجيش السوداني بإرتكاب إنتهاكات جسيمة ضد سكان “الكنابي” في ولاية الجزيرة بوسط السودان، إضافة للإنتهاكات التي قامت بها قوات درع السودان بقيادة أبوعاقلة كيكل والمليشيات الأخرى المحتالفة مع الجيش ضد سكان “الكنابي” إضافة إلى السؤال عن نتائج لجنة التحقيق التي شكلها البرهان إبان أحداث كمبو “طيبة” غير أن الناطق الرسمي بإسم القوات المسلحة العميد نبيل عبدالله رفض الإجابة على أسئلة التحقيق والاتهامات التي تلاحق الجيش السوداني والمليشيات المتحالفة معه.

وكان الفريق أول عبدالفتاح البرهان، قائد الجيش السوداني، ورئيس مجلس السيادة، أصدر في 15 – فبراير الماضي قراراً بتشكيل لجنة للتحقيق في الأحداث التي وقعت بكمبو طيبة بولاية الجزيرة، برئاسة ياسر بشير البخاري مساعد أول النائب العام وعضوية آخرين، وجاء تشكيل اللجنة بعد نشر مقاطع فيديو تُظهر عناصر بزي الجيش السوداني والقوات المتحالفة معه وهي تنفذ عمليات اعدام وتعذيب واعتقالات لمئات الأشخاص في مدينة ودمدني والقرى التابعة لها، بذريعة التعاون مع قوات الدعم السريع.

المطالبة بلجنة تحقيق دولية:

وفي المقابل قلل الدكتور جعفر محمدين الأمين العام لمؤتمر الكنابي من جدوى لجنة التحقيق التي كان قد شكلها قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، حول أحداث كمبو طيبة بالجزيرة، قائلاً: “لا يمكن أن تكون أنت الحكم والجلاد، للأسف هؤلاء هم من ارتكبوا الجرائم في كمبو طيبة” وتابع قائلاً : أين نتائج اللجنة؟ التي كان يفترض أن تنهي عملها في أسبوع وفق القرار، الآن مضى أكثر من ستة أشهر، في وقت كل العالم عرف من هم الذين ارتكبوا المجازر والانتهاكات الخطيرة والتهجير القسري في كمبو طيبة وكمبو دارالسلام الحديبة، وأكد محمدين مطالبة مركزية مؤتمر الكنابي بلجنة دولية لتقصي الحقائق من أجل انصاف المظلومين، وأضاف قائلاً: “بيننا وبينهم المحاكم الدولية والإقليمية”.

إنتهاكات قوات درع السودان:

وفي 25 – فبراير الماضي قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تقرير إن قوات “درع السودان” التي يقودها “أبوعاقلة كيكل”، تعمّدت استهداف المدنيين في هجوم شنته يوم 10 – يناير 2025، على قرية “كمبو طيبة” بولاية الجزيرة أسفر عن مقتل “26” مواطن على الأقل، بينهم طفل، وجرح آخرين. كما نهبت الممتلكات المدنية بشكل منهجي، بما يشمل المؤن الغذائية، وأحرقت المنازل، فضلا عن جرائم قتل أخرى في مدينة ودمدني التي دخلها الجيش في يناير الماضي، ونوه التقرير إلى أن هذه الأفعال تشكل جرائم حرب، وبعضها، مثل قتل المدنيين عمدا، قد يشكّل أيضا جرائم محتملة ضد الإنسانية، وأضاف التقرير أنه “بموجب مبدأ مسؤولية القيادة، قد يكون القادة العسكريون مسؤولين عن جرائم الحرب التي يرتكبها أفراد تابعون للقوات المسلحة، أو مقاتلون آخرون خاضعون لسيطرتهم”.

درع السودان تنفي علاقتها بالانتهاكات:

وفي الضفة الأخرى ولتحقيق مبدأ المهنية المتمثلة في الشفافية والتوازن والموضوعية، وإستعراض الرأي الأخر تواصل محرر “فجر برس” مع مدير الإعلام والناطق الرسمي بإسم قوات درع السودان الرائد إبراهيم الجابرابي عبر تطبيق واتساب في هاتفه، وطلب منه الرد على أسئلة التحقيق الصحفي، والاجابة على سؤال الاتهامات التي تلاحق قوات درع السودان بإرتكاب إنتهاكات جسيمة ضد سكان “الكنابي” في ولاية الجزيرة بوسط السودان، وشكر الجابرابي محرر الصحيفة على التواصل مع إدارة الإعلام بقوات درع السودان، وأكد على تعاونة مع الصحافة والإعلام، وأوضح أن ادارتهم سبق وان أصدرت نفياً لهذا الاتهام الذي لا أساس له من الصحة، وقال أن هذا الاتهام تقف خلفة جهات حليفة للمليشيا المتمردة وهدفها خلق فتنة بين قوات درع السودان ومجتمعات الكنابي.

وقالت قوات درع السودان في تعميم صحفي في 14 – يناير – 2025م أن قضية الكنابي في ولاية الجزيرة تم استغلالها من ضعاف النفوس والغرف الإعلامية للمليشيا بغرض ضرب النسيج الاجتماعي في ولاية الجزيرة وصنع فجوة بين مكونات المنطقة، وأكدت أن الكنابي منذ قديم الزمان ظلت جزءا أصيلا من تكوين المجتمع في الولاية، وأدانت قوات درع السودان بشدة الانتهاكات التي صاحبت دخول الجيش والقوات المساندة له لولاية الجزيرة، وأشادت ببيان القوات المسلحة السودانية الواعد بمحاسبة مرتكبي هذه الجرائم، وناشدت الجهات العدلية والشرطية في المدن التي تم تحريرها بإنفاذ القانون بحزم وحماية كافة المواطنين ومحاكمة المجرمين، وقالت قوات درع السودان أنها طالعت بيان منسوب لحزب الأمة القومي ينسب إلى قواتهم جرائم بحق مواطنين في كمبو طيبة، وأكدت أن هذا اتهام عارٍ من الصحة ولا علاقة لهم بهذه الجرائم، وأن قوات درع السودان، تلتزم بالقانون الدولي والإنساني وأخلاقيات الحرب.

وفي 25 – فبراير- 2025 أكد المكتب الإعلامي لقوات درع السودان في بيان صادر عنه أن إدعاءات منظمة “هيومن رايتس ووتش” بشأن أحداث “كمبو طيبة” بمحلية أم القرى بولاية الجزيرة ادعاءات باطلة، وأكدت أن هذه الادعاءات لا تستند إلى أي أدلة موثوقة، بل تأتي في سياق حملة تضليل ممنهجة تسعى إلى تشويه الدور الكبير الذي تقوم به قوات درع السودان في الدفاع عن الوطن، وحماية المدنيين، وتحرير ولاية الجزيرة من قوات الدعم السريع، ووصف البيان تقرير منظمة “هيومن رايتس ووتش” بأنه جاء متحاملا ويفتقر للمعايير القانونية، ومتجاوزاً لاجراءات التحري الميداني البسيطة، ومعتمداً بالكامل على الاحاديث المرسلة التي ظلت ترددها منصات ذات غرض تتبع لجهات سياسية معلومة بالنسبة لنا، وأكدت ترحيبها بأي تحقيق محايد وشفاف من كافة الجهات الحقوقية المستقلة، ويذكر أن أبو عاقلة كيكل شكل قوات درع السودان في العام 2022، وجنّد عناصرها بشكل أساسي من المجتمعات العربية في ولاية الجزيرة، وقاتلت المجموعة إلى جانب الجيش السوداني من أبريل 2023 إلى أغسطس 2023، لكنها انشقّت بعد ذلك وانضمت إلى قوات الدعم السريع، ثم عادت مرة أخرى وانضمت إلى الجيش في أكتوبر 2024م.

إنتهاكات حقوق الإنسان:

وفي سياق حديثه لصحيفة “فجر برس” عن انتهاكات القانون الدولي وحقوق الإنسان التي تعرض لها سكان “الكنابي” أكد مدير منظمة مناصرة ضحايا دارفور والمدافع عن حقوق الإنسان أدم موسى أوباما أن الفظائع التي ارتُكبت ضد سكان “الكنابي” تمثل انتهاكات جسيمة للقانون الدولي وحقوق الإنسان، ولها تداعيات بعيدة المدى على المعايير الإنسانية، وقطع أوباما بأن هذه الأعمال العنيفة تشكل خرقًا للعديد من الأطر القانونية الدولية والإقليمية التي صممت لحماية الفئات الضعيفة، وأكد أوباما أن هذه الجرائم تمثل إنتهاك للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واتفاقيات جنيف، واتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، مشيراً إلى أن الجرائم التي ارتُكبت ضد سكان “الكنابي” تشكل انتهاكات خطيرة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني.

وبالنسبة لأوباما فأن الجرائم التي قام بها الجيش والمليشيات المتحالفة معه تنتهك عدة أطر قانونية، أبرزها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي اعتمدته الأمم المتحدة في عام 1948، معيارًا مشتركًا لحماية حقوق الإنسان على مستوى العالم، وبحسب أوباما فإن هذا الإعلان يحدد الحقوق الأساسية، بما في ذلك الحق في الحياة والحرية والأمان، ويُحظر المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وأكد أوباما إن عمليات القتل الجماعي والاعتقالات التعسفية لسكان “الكنابي” تشكل انتهاكًا لهذه الحماية الأساسية، كما أن المعاملة اللاإنسانية، والتعذيب، والاضطهاد العرقي يُخالف المادة “5 ” التي تحظر المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.

إتفاقيات “جنيف” ومنع الإبادة:

وأشار أوباما إلى اتفاقيات “جنيف” ووصفها بأنها تمثل سلسلة من المعاهدات المصممة لحماية الأفراد الذين لا يشاركون في النزاعات المسلحة، مثل المدنيين وأسرى الحرب، وأوضح أن هذه الإتفاقيات تنص على معاملة جميع الأشخاص معاملة إنسانية أثناء النزاعات، وتحظر الاعتداء على غير المقاتلين، مؤكداً إن الاستهداف المتعمد للمدنيين، وتدمير المنازل، والإعدامات الجماعية من قبل الجناة تُخالف اتفاقيات جنيف، التي تشترط حماية غير المقاتلين والسكان المدنيين، مؤكداً أن تدمير سبل العيش، مثل حرق المزارع وإغراق المدنيين، يشكل انتهاكًا إضافيًا للقانون الدولي الإنساني، وتحدث أوباما عن اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية التي إعتمدتها الأمم المتحدة في عام 1948م والتي تعرف الإبادة الجماعية على أنها أياً من الأفعال، المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، وأكد أوباما إن الاستهداف المنهجي لسكان الكنابي بناءً على هويتهم العرقية، ولا سيما من خلال القتل الجماعي، والتهجير القسري، والتعذيب، يتوافق مع التعريف القانوني للإبادة الجماعية، وقطع أوباما بأن هذه الأعمال تشكل خرقًا واضحًا لهذه الاتفاقية، إذ تظهر نية تدمير مجموعة عرقية.

العهد الدولي والميثاق الأفريقي:

وأكد مدير منظمة مناصرة ضحايا دارفور والمدافع عن حقوق الإنسان أدم موسى أوباما أن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ((ICCPR الذي اعتمدته الأمم المتحدة في عام 1966م يضمن الحقوق المدنية والسياسية، بما في ذلك الحق في الحياة، والحماية من التعذيب، والحق في محاكمة عادلة، وأوضح أوباما في حديثه لصحيفة “فجر برس” أن هذا العهد يضمن حقوق الأفراد في الحرية الشخصية والأمان، مشيراً إلى إن حالات الاختفاء القسري، والقتل خارج نطاق القضاء، والاعتقالات التعسفية التي تعرض لها أفراد من سكان “الكنابي” تنتهك هذا العهد، وبشكل خاص المادتين 6 (الحق في الحياة) و7 (حظر المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة) مؤكداً أن هذه الأفعال تقوض مبادئ العدالة والإجراءات القانونية الواجبة، وأشار أوباما إلى الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، والذي تم إعتماده في عام 1981 كأداة إقليمية تهدف إلى ضمان حماية حقوق الإنسان في جميع أنحاء القارة الأفريقية، ونبه إلى أن الميثاق يعزز الحق في الكرامة، والحياة، والحرية، ويمنع التمييز، مؤكداً إن الانتهاكات التي تعرض لها سكان “الكنابي” تمثل خرقًا للعديد من أحكام الميثاق، بما في ذلك الحق في الحياة، والحرية، والحماية من التمييز، كما أن تقاعس الحكومة السودانية عن منع ومعالجة هذه الانتهاكات يُعد خرقًا لالتزاماتها بموجب القانون الإقليمي لحقوق الإنسان.

نتائج وخلاصات:

وتوصل التحقيق إلى نتائج وخلاصات تمثلت في الأتي: “إن استهداف سكان “الكنابي” في السودان يمثل تجسيد للتهميش والانتهاك المنهجي الذي ظلت تتعرض له هذه المجتمعات على مدار العقود الماضية، إضافة إلى تعمد أجهزة الدولة الرسمية ومع سبق الإصرار والترصد من حرمان هذه المجمتعات من حق المواطنة وحقوق الإنسان الأساسية” وتحصل التحقيق إلى حقيقة مفادها إن الانتهاكات التي ارتكبها الجيش السوداني والمليشيات المتالحفة معه، ليست حوادث معزولة، بل هي إنتهاكات ممنهجة ومنظمة ومقصودة كان الهدف منها التهجير القسري لسكان “الكنابي”.

وتشير الطبيعة المنهجية لهذه الهجمات والإنتهاكات إلى العنف المؤسسي الذي تم تطبيعه مع مرور الوقت، مما يزيد من تفاقم أوجه عدم المساواة المتجذرة في المجتمع السوداني، وتحقيق العدالة الإجتماعية، فضلاً عن إنكار المواطنة والهوية القانونية، وعدم تقديم الخدمات الأساسية لسكان “الكنابي” وحرمانهم منها لعقود من الزمان، بجانب غياب الحماية القانونية لهم، وعدم الاعتراف بهم كمواطنين سودانيين، ويبدو واضحاً أن قضية سكان “الكنابي” تجاوزت الإطار المحلي والقومي إلى أضابير المؤسسات الدولية، وهذا يؤكد أن هناك حاجة مُلحة وضرورية لتدخل دولي عاجل لمحاسبة الجناة على أفعالهم، وتنفيذ سياسات تضمن حماية مجتمعات “الكنابي” بحسب مطالبات عدد كبير من الناشطين وقيادات مجتمع الكنابي، والذين ظلوا ولفترة طويلة يطالبون وبشكل متكرر منظمات حقوق الإنسان، والهيئات الدولية، والحكومات أن تتكاتف لمعالجة الفظائع المُرتكبة والعمل من أجل استعادة كرامة وحقوق مجتمعات “الكنابي”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*