التفاوض وجهاً لوجه: هل هو اختراق للحائط المسدود؟

التفاوض وجهاً لوجه: هل هو اختراق للحائط المسدود؟
  • 20 أكتوبر 2025
  • لا توجد تعليقات

حسن أبو زينب عمر

أنعى لكم يا أصدقائي اللغة القديمة
والكتب القديمة
أنعى لكم .. كلامنا المثقوب كالأحذية القديمة
ومفردات العهر والهجاء والشتيمة
أنعى لكم أنعى لكم ..نهاية الفكر الذي قاد الى الهزيمة

نزار قباني


بعيدا عن القناعات الراسخة في الأذهان من واقع التجارب بأن الحروب مهما اشتد أوارها لن تقدم حلولا للأمن والاستقرار ودونكم أمريكا المدججة بأعتى أسلحة الموت والدمار ورغم ذلك انسحبت مجبرة تحت نزيف الضائقة الاقتصادية الناتجة من الكلفة العالية لتنفض يدها من أفغانستان حاضنة الجماعات التي أذلتها وأهانتها ومرغت أنفها في التراب في عقر دارها فقد تضاربت الأنباء حول ما اذا كان الخصمين اللدودين البرهان وحمدوك اجتمعا تحت رعاية الرباعية الدولية خلال زيارة رئيس مجلس السيادة الأخيرة للقاهرة في سرية تامة وبعيدا من الأضواء أم أن البرهان رفض الجلوس الى الرجل الذي انقلب عليه جملة وتفصيلا. لكن أيا كانت الإجابة فان مقطعا مصورا لوزير الخارجية السوداني محي الدين سالم أحمد ابراهيم أخرس هذا الجدل بالتأكيد عن تطابق وجهات نظر الرئيسين البرهان والسيسي فيما يتعلق بإيقاف الحرب تماهيا مع مبادرة الرئيس ترامب التي أوقفت الحرب في غزة التي أوجدت أجواء طيبة تهيئ لسلام مستدام في المنطقة ومن المصلحة الاستفادة منها بما فيها إيقاف الحرب في السودان.
(2)
هدف اللقاء المؤكد والمنفي في نفس الوقت ليس بالطبع طبخ تسوية جديدة تطيل أمد الحرب بنفس الوجوه القديمة التي وعدت المواطنين بحسم المعركة بدحر القوات المتمردة خلال أسبوع من اشتعال الحرب اللعينة في 15 أبريل 2023 ولكنه كما يعرف الجميع فقد انتهت الوعود هشيما تذروه الرياح فاذا استطال ليل انقشاع السكرة فان البلاد والعباد التي تتلاعب بها الأمواج العاتية في حاجة الآن لطوق نجاة اذ ان حالنا يغني عن السؤال ..حال بلد كئيب ممحون اتسعت مساحة أحزانه ومواجعه وعذاباته فتطاولت آلامه وتضاءلت آماله.. الذي نراه الآن سباق محموم منزوع الرحمة مآلاته تعذيب الانسان السوداني. الذي يجعل الأمور أكثر قتامة ان هناك محفزات أخرى تساهم في الانزلاق السريع نحو مرحلة الفوضى الشاملة من بينها الوضع الاقتصادي المتردي والتأثير الكبير للحرب النفسية وانتشار الخطاب المتطرف فقطار الدولار يقف حتى كتابة هذه السطور عند عتبة محطة الأربعة آلاف جنيه وهو مرشح بتجاوز هذه (السندة) بعد الانحناء المؤكد (للسنافور) عند اكتمال قراءة المقال ..الخوف ان يتسبب كل ذلك في وضع كارثي ينقل الصراع من الاطار العسكري الى الاطار الاجتماعي بين المكونات السودانية على أساس مناطقي فهذا تحصيل حاصل لبلد يجرجره شذاذ آفاق من أفق الى أفق ومن نفق الى نفق ..
(3)
التأريخ يعج بدروس ملقاة تحت الأقدام للجاهزين للاستماع والتمعن بقلب الجانب الآخر للعملة فاذا فشلت البندقية في الوصول للغاية السامية وهي السلام فلا خيار هنا سوى التفاوض المفضي للسلام الذي له استحقاقاته من أهمها التضحيات والتنازلات اذ لا مجال هنا لأكل الكيكة والاحتفاظ بها في آن واحد. ولكم في قصص رسول الهدى محمد بن عبد الله عبر يا أولي الألباب لو كنتم تعلمون ..موقفه ورده على الملك جبريل بإطباق الأخشبين على الذين آذوه وأسالوا الدم من قدميه الكريمتين ..موقفه ورده لسهيل بن عمرو الذي طلب شطب رسول الله من الاتفاقية لعدم اعترافه به كرسول ..موقفه من كفار قريش وهو يدخل أم القرى التي طرد منها منكس الرأس لحظة فتح مكة حينما قال لهم أذهبوا فأنتم الطلقاء وكان بينهم من مضغ كبد عمه حمزة (هند بنت عتبة) . غاية التسامح والعفو عند المقدرة حتى قال عنه المولى عز وجل (ولو كنتَ فظاً غليظَ القلبِ لانفضوا من حولك (.
(4)
في العصر الحديث لن نجد مثالا للتسامح وطي صفحة الدم والدموع سوى الأسطورة نيلسون مانديلا الذي وضع يده في يد جلاده العنصري (دي كليرك) الذي أذاق شعبه العذاب و سجنه 17 عاما في غرفة سجن بجزيرة روبن لا تتجاوز مساحتها 16 مترا وقال له I don,t have any option than to put my in your hand) ليس لي خيار سوى خيار سوى أن أضع يدي في يدك) ..أن نقف في هذا البلد المنكوب بأبنائه وحدنا دون الآخرين في منطقة وسطى بين الجنة والنار لا ننتمي للمسلمين ولا ننتمي للكفار فهذا هو السفه والضلال والجنون المطبق . لا تختلف عنزتان بأن المؤسسة العسكرية تواجه الآن تحديات كثيرة تتعلق بإرساء قواعد الديموقراطية والحرية وحقوق الانسان ورتق النسيج الاجتماعي الذي مزقته مليشيات آل دقلو ..مطلوب منها تصحيح مسار الاقتصاد السوداني وتحقيق العدالة الاجتماعية ومحاربة الفقر والبطالة وإزالة آثار العدوان على البنية التحتية وركائز المؤسسات الإنتاجية التي دمرتها الحرب اللعينة وأوصلتها للحالة المزرية التي أمامنا . وكلها أولويات للدولة العصرية لا تحتمل التأخير ..ينبغي أن يقوم السودان على مفهوم المواطنة فالتطرف والعجز عن إدارة التنوع الذي تفرضه مكونات السودان السكانية والثقافية والحضارية هو الكارثة التي تتربص بالسودان . على المؤسسة العسكرية أن تكون حكيمة وواعية ومتماسكة ضمانا لتفاعلها الإيجابي مع معطيات هذه المرحلة الحرجة بما يجنب السودان مزالق التفكك والصراع العنيف.
(5)
نقول للبرهان نحن في حاجة لخبير اقتصادي غير مثقل بالأجندة السياسية يتعامل معنا بالأرقام لا بالشعارات. نحن بحاجة لرجل يخاطب العقول وليس العواطف ..نحن في حاجة لتنفيذيين من أهل الكفاءة يتبارون لخدمة الجماهير وليس الحفر للخصوم في صراعات رخيصة. وكما يعلم الجميع فهناك تدمير كامل للبنيات التحتية والمرافق العامة والخاصة وتدمير اقتصادي ممنهج استهدف 85% من المصانع والمعامل والورش وسرقة ونهب أموال المصارف والبنوك والودائع والأموال الخاصة والعامة وتدمير مراكز البحوث ودور العلم والمتاحف والمكتبات. وهناك تشريد وتهجير قسري ممنهج لأكثر من 10 مليون مواطن وهناك اغتصاب لآلاف النساء وبعضهم تم بيعهن سبايا خارج الحدود. والرجل الذي جئت به وهو الدكتور كامل ادريس لإنجاز هذه المهمة في هذه المرحلة المفصلية الحرجة ليس برجل الساعة وليس (العريس اللقطة) فحتى الآن لم يقبل به الاتحاد الأفريقي حتى بعد أداء صلاة الاستخارة بل ان الأوضاع تتدهور يوما أثر يوم والوطن بأبنائه لازال طريحا في غرفة الإنعاش لا مريضا فيشفى ولا ميتا فيقبر فالمعايير في نهاية المطاف هي الإنجاز الملموس على الأرض وليس رفع الحنجرة بهتاف المجاملات في الشارع العام وليست مهارات الرطانة باللغات الأجنبية في القاعات الدولية.
(6)
أنا أتساءل وفي ضوء هذا الواقع المرير لماذا لا يتم التفاوض مع الدكتور حمدوك الذي حقق الكثير ابان فترته القصيرة من انهاء للمقاطعة الأمريكية التي شلت السودان من نيله وعودا بشطب كل الديون من أعضاء نادي باريس مع ابداء كثير من الدول الصناعية عن استعدادها للاستثمار في موارد بلادنا المهملة المنسية ولذلك من حقي أن أتساءل لماذا أنقلب عليه البرهان أصلا؟ ..أقول هذا ويشهد الله ليس ايمانا في قحط ولا صمود ..التفاوض المطلوب مرهون بشرطين هو انسلاخ حمدوك من ميليشيات الدعم السريع من القتلة والسفلة المرفوضين من الشعب السوداني قبل الجيش والقوى المتحالفة معه لنهجهم القائم على القتل والسلب والانتهاكات الأخلاقية وتدمير مقدرات الوطن والشرط الملقي على البرهان انهاء التحالف مع الكيزان الذين فسدوا وأفسدوا خلال 30 عاما من السيطرة على مقاليد السلطة فقد تركوا قول الله سبحانه وتعالى في سورة القصص الآية 77 ( وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة) وركزوا على (ولا تنس نصيبك من الدنيا ) للتقرب الى الله .أما الكفيل الاماراتي فان من مصلحته الدخول من الأبواب المشروعة كما يفعل الضيوف ليجد اذرعا مفتوحة وليس من النوافذ الخلفية كما يفعل الجناة واللصوص.
مدخل للخروج
نحن في عالم تحكمه المصالح ولا حديث عن المبادئ والأخلاق و الفرص اذا ضاعت لن تتكرر ولكن القول الفصل هنا أن تبلغ الشعوب والقيادات ما تريده لا أن يفرض عليها ملا تريده حيث لا يجدى الندم حينما يقع الفاس في الراس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*