الوصول إلي خاصرة النهر ونقش الجبل

الوصول إلي خاصرة النهر  ونقش الجبل
  • 03 نوفمبر 2020
  • لا توجد تعليقات

محجوب الخليفة

  • تطبيع إسرائيل مع السودان هو التطبيع اﻷهم علي اﻹطلاق بمقاييس مختلفة تماماً، وبتحليل يتجاوز القراءات التي ذهب اليها الخبراء والسياسيون وفقهاء الدبلوماسية، وكل الذين يعتقدون أن السودان هو دولة الهامش في تاريخ المواجهة العربية اﻹسرائيلة، وهو الدولة التي يظن كثير من قادة الدول العربية وشعوبها أنها ليست ذات تاثير يذكر في تاربخ ذاك الصراع المزمن، ولعل ما يدعم ظن اؤلئك هو أن السودان ليس من دول المواجهة وليس له حدود مشتركة مع اسرائيل، وانما هو دولة تقع في اقصي الجنوب الشرقي لمجموعة دول الشرق اﻷوسط، ذاك ظن اغلبية المحللين والمراقبين بل ومعظم قادة وشعوب المنطقة العربية إن لم يكن اعتقادهم انه دولة إفريقية مسلمة شديدة الحماس واﻹنفعال تجاه كل مايرتبط بعقيدتها وقناعاتها الراسخة، ولكنهم وللأسف الشديد لايعرفون الحقيقة وهي أن السودان هو حجر الرحي وثور الساقية بل واخطر من ذلك بكثير.
  • احتفلت اسرائيل ورئيس وزرائها بالتطبيع مع السودان أكثر من أي خطوة تطبيعية مع أي دولة عربية أخري بما في ذلك دول المواجهة الرئيسية نفسها، ربما لقناعة اسرائيل ورؤيتها لما يترتب علي التطبيع مع السودان من مكاسب لا تتحقق اﻹ بالتطبيع مع السودان فقط وليس أي دولة اخري، فبهذا التطبيع اﻹسرائيلي السوداني تقترب اسرائيل من خاصرة النهر والبحر أعني خاصرة نهر النيل والبحر اﻷحمر وبذلك تمسك بسوائل التغذية وانبوب التنفس في آن واحد وتقترب من نقش الجبل، وذاك اﻷخير هو ما يعرفه ثقاة التأريخ البشري وموطن الحضارات القديمة، فهناك جبال مقدسة وروابط وبقايا من آثار بعض رسل بني اسرائيل ترقد كوثائق نادرة ونقوش ربما كانت علي صدر جبل اروي بدارفور، او علي اطراف جبل البركل او الجبل المقدس في الشمال، فاليهود وبعض الثقاة من المؤرخين وحدهم من يعرفون أن ثمة علاقة لنبي الله يعقوب والمعروف باسم اسرائيل بمصر القديمة وهي منطقة شمال السودان الحالي، وإن العبارة التاريخية لنبي الله يوسف الذي اصبح رئيسا لوزراء مصر القديمة ووزير خزانتها بعد أن كشف عن هويته ﻹخوته (إتوني بأبي واهلكم الكنعانين) ثم رده لحاكم مصر يومها عندما سأل نبي الله يوسف (وأين ستسكنهم؟؟) فأجاب : (سأسكنهم كوشن) يعني مملكة كوش القديمة ذات المجد والعظمة يومها.
  • وربما كان فرح اسرائيل يماثل في درجة الانفعال غضب الفلسطينين من خطوة التطبيع اﻹسرائيلي السوداني فانطلقت عاصفة من الشتمائم واﻹهانات والتعليقات الجاحدة والمستفزة ﻷهل السودان، ومن يعرفون الحقيقة يجدون تفسيراً لعاصفة الغضب الفلسطيني وموجة إساءاتهم المؤلمة تجاه السودان واهله. والحقيقة هي أن الفلسطينين يدركون تماما الحقيقة المجردة من كل تزوير، وهي أن السودان كان طيلة فترة حروب فلسطين ضد اﻹسرائيليين هو فعلا حجر الرحي وثور الساقية، فالخرطوم من قبل أن تكون عاصمة اللات الثلاث هي صاحبة الموقف الحاسم منذ العام 1948م، وأن السودان هو وطن كتائب النضال اﻷولي التي استشهد عدد مقدر من أبطاله في العام 1948م، وﻷبطال السودان وشهدائه مدافن معروفة، ثم أن السودان نفسه الوطن الذي انقذ القضية الفلسطينية وانتشل زعيمها عبدالناصر من آثار هزيمة العام 1967. والسودان نفسه من ابتكر فكرة دعم دول المواجهة وصالح الزعيمين الكبيرين الملك فيصل والرئيس عبدالناصر بمنزل رئيس وزرائه يومها محمد احمد المحجوب، ليقترح السودان ان تدعم السعودية ودول عربية اخري مقتدرة شقيقاتها الدول العربية التي تقف في خط المواجهة ضد اسرائيل وهي مصر، وسورية واﻷردن ولبنان.
  • ولمن لا يعرفون خطورة التطبيع اﻹسرائيلي السوداني واثره في القضية العربية المحورية نقول إن حركة المجاهدين اﻹسلامية المشهورة بحماس كأنما نشأت تحت رعاية وعيون الخرطوم، وإن الشبكات السرية التي ظلت لعقود تهرب السلاح من شواطئ البحر اﻷحمر إلي حدود غزة هي نفسها الخرطوم التي تستجيب للتطبيع مع إسرائيل؛ ليصبح من العسير جدا أن تحصل غزة علي المدد العسكري والمعنوي، وهذا يجعل الغضب الفلسطيني مبرراً يتجاوز حتي المواقف النبيلة والعظيمة للشعب السوداني منذ العام 1948.
  • التطبيع يعني وصول إسرائيل إلي خاصرة النهر، وأن تقف علي شاطئ البحر، وأن تصل إلي نقش الجبل وربما اﻹحدي عشرة عيناً، او بعض آثار نبتة الخروب التي تحولت بقدرة الله إلي عصا نبي الله موسي. ليستدير الزمان والمكان، ونستشعر الحقيقة الواضحة وهي أننا نقترب من نهاية الدنيا، ونعيش في خواتيم الزمان اﻷخير.

التعليقات مغلقة.