هل تلجأ إيران إلى خيار ( شمشون) ؟

هل تلجأ إيران إلى خيار ( شمشون) ؟
  • 06 يوليو 2025
  • لا توجد تعليقات

د. ذيب القراله

لا زالت معطيات البيئة الاستراتيجية الإقليمية والدولية ، تؤكد أن منطقة الشرق الأوسط لن تنعم بالاستقرار قبل أن يتم الانتهاء من ( هندسة) كل الملفات العالقة والقضايا الخلافية فيها ، وفقا لأهداف وتطلعات ومخططات القوى المهيمنة عالميا بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية وربيبتها إسرائيل.
فمع انتهاء ( القصف المتبادل ) ضمن ( الجولة الأولى ) من الحرب الإسرائيلية – الإيرانية، بدأ واضعو السياسات والمخططات الاستراتيجية من سياسيين وعسكرين في واشنطن وتل أبيب ، مرحلة ( العصف الذهني ) التي تدرس ( جدولة الصراع ) من حيث شكل وتوقيت ومسرح ( المرحلة الثانية ) من الحرب ضد طهران ( التي ستكون حربا هجينة وممتدة بالوكالة ) في ضوء عدم تحقق كامل النتائج المرجوة والأهداف المعلنة و ( الخفية ) خلال حرب الاثني عشر يوما.
ومن غير المستبعد أن تعيد الأحداث إنتاج نفسها خلال أسابيع ،، فالجولة الأولى من الحرب جاءت والجميع ينتظر الجولة السادسة من المفاوضات الأمريكية – الإيرانية في مسقط، ولربما تأتي المرحلة الثانية في ظل الحديث أيضا عن مفاوضات ( متوقعة ) بين إيران والولايات المتحدة، فهل تُلدغ طهران من ذات الجحر مرتين؟.
وفي الجولة الأولى من الحرب ،كان تقرير هيئة الطاقة الذرية الدولية ( السرًي ) وقرار مجلس محافظيها حول عدم تعاون إيران مع الوكالة هو ( حصان طروادة ) الذي اتخذته إسرائيل مبررا لشن هجومها على إيران ،،، والسؤال هنا هل سيكون تهديد إيران لمدير عام الوكالة ( رافائيل غروسي ) بالإعدام ، ورفض طهران تقديم تنازلات في ملفيها النووي والصاروخي ، هو السكة التي سيسير عليها قطار المرحلة الثانية من الحرب ، ولكن هذه المرة بشراكة إسرائيلية – أمريكية وبدعم أوروبي مباشر .
خلال أيام سيكون رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في واشنطن ، وقد سبقه إليها وزيرة للشؤون الاستراتيجية ، وأخبار بيع واشنطن أسلحة لتل أبيب بقيمة ٥١٠ ملايين دولار ، والعنوان ( الرسمي ) للزيارة هو بحث ( انهاء ملف غزة )،، لكن العنوان ( الأبعد – المخفي ) هو بحث مخططات ومواقيت البدء بالمرحلة الثانية من الحرب على إيران ، والتي من المتوقع أن تبدأ نجاحاتها ( لجهة إضعاف النظام تمهيدا لسقوطه) من الأقاليم والمناطق الحدودية ( ذات الأغلبية غير الفارسية ) هذه المرة وليس من المركز الذي سيتم إنهاكه عسكريا ، وإجبار النظام على حشد قوته الصلبة والتحصًن فيه ، مما يضعف سيطرته على الأطراف.
لذلك فإن اجتماعات ولقاءات واشنطن ستناقش ( المرحلة الثانية ) من الحرب على إيران ضمن بعدين الأول العمل العسكري المباشر ضد طهران ولكن ضد أهداف جديدة وبتكتيكات مختلفة ،، والاخر هو تدارس خطة محكمة متزامنه ( لتثوير ) الداخل الايراني ، عبر تفعيل اطياف المعارضة الكردية وجبهة تحرير عربستان ومجاهدي خلق والملكيين والتيار الجمهوري العلماني وغيرها من التنظيمات، والبدء ( بقضم ) ايران من الاطراف.
تجيًش الشارع الايراني ( المحتقن ) ايضا ضد النظام ، هو أمر وارد من وجهة النظر الامريكية والاسرائيلة ، وقد يبدأ ( بحراك نسائي – شبابي ) على الظلم والاضطهاد الذي يتعرضون له ، مما يعطي ( الثورة ) المفترضة تعاطفا دوليا ، في ضوء القمع المتوقع ، الذي ستتعرض له تلك التحركات الانثوية – الشبابية ، من قِبل السلطات الايرانية.
‎ طهران ( التي تلعب كعادتها على ورقة شراء الوقت للوصول الى ( النادي النووي ومفاجأة العالم ) تطبيقا لخبرتها في ممارسة ( التُقيه السياسية ، والصبر الاستراتيجي ) تُدرك ان ( الحرب ) قادمة لا محالة ، لكن هامش الحركة المتاح امامها محدود جدا ، في ضوء غياب ( الحُلفاء )

وبالنظر اليوم الى موازين القوى على الارض ، وفي ضوء الضربات الاستراتيجية التي تلقتها ايران في الجولة الاولى من الحرب ( وخاصة الاختراق الاستخباري ) ،، وخروجها من سوريا بعد سقوط نظام الاسد، وخسارة التواصل الجغرافي الممتد من بحر قزوين الى شواطيء المتوسط ، وتقييد وتقويض قدرات وتحركات حزب الله في لبنان، والكمون الاجباري الفعلي للتنظيمات العراقية الموالية لها ( رغم التهديدات الاعلامية الصادرة عنها ) ، وضبابية المستقبل بالنسبة لفعالية وردود افعال الحوثيين ، فان مساحات المناورة امام طهران تبقى ( ضعيفة) .

والسؤال هو : هل ستلجأ ايران ( اذا ما فرضت عليها الحرب ) الى ( خيار شمشون) عكسي وتطلق آلاف الصواريخ الفتاكة باتجاه اسرائيل في المواجهة القادمة ؟.
ورغم زيادة وتيرة ( الضجيج ) والتهديدات المتبادلة ( المباشرة وغير المباشرة ) الا انه يجب ان لا نستبعد ان يحصل ( في ربع الساعة الاخيرة ) اتفاق بين الطرفين الامريكي والايراني ،ولكن بشروط ( اذعانية ) بكل تأكيد من جانب طهران ، التي ستحاول الحصول على ما يحفظ ( ماء وجهها ) تجنبا لامرين كلاهما مر ً ، وهما عمل عسكري ( اسرائيلي بدعم امريكي – اوروبي ) يُؤذي بقوة مصادر قوتها الاقتصادية ويدمر منشآتها الحيوية ويهشم هيبتها ، وحصار اشد وطأة يُنهك اقتصادها المُرهق اصلا ، و( يخلخل ) جبهتها الداخلية المهيأة والراغبة بالتخلص من النظام .
ومنذ الآن ولغاية الوصول الى تلك ( الحرب – او التسوية باحتمالاتها الضعيفة ) سيبقى حديث ايران عن ما تملكه ( مفاجآت )، وما يقابله من اظهار ( الاصرار ) الاسرائيلي الامريكي على انهاء التهديد الايراني ، مستمرا ، ويحتل عناوين الاخبار والمنصات والشاشات ، في عملية جس نبض ( اعلامية – دعائية كجزء من الحرب النفسية) فيما ( التسويات والتفاهمات والصفقات الجادة ) قد تجري في نهاية المطاف في ( غُرف مظلمة ) بعيدة عن أعين الشعوب ، التي لا ترى دائما الا ( نصف الحقيقة او ربعها ) و( على طريقة قصف ايران لقاعدة العديد في قطر ) .
وبالنسبة للعرب ، فان مصلحتهم الاستراتيجية تقتضي ان لا يكون هناك رابح في هذه الحرب ، حتى يبقى عامل الردع قائما ، بين الطرفين ، ويصب في صالح الامن القومي العربي في نهاية المطاف ، ولذلك فان الاداء الرسمي حيال هذا الملف – سيبقى ( كما كان في الجولة الاولى ) ، ( محايدا وقلقا ومترددا ) فيما سيظل رد الفعل الشعبي في معظمه ( مشتتا وفاقدا للبوصله ) ويُعبًر عن ذاته ودوافعه احيانا بطريقة ( سطحية ) .
ورغم ايمان ( غالبية ) العرب بضرورة ان يكون برنامج ايران النووي سلميا ( لانهم ربما يكونوا اول ضحاياه في حال كان عسكريا ) الا انهم يشعرون بنوع من ( الحنق والغبن والغضب ) عندما يشاهدون ( نفاق ) العالم كله ( دول ومنظمات ) وتغافله عن قدرات اسرائيل النووية ، كما يلمسون ( التقاعس ) عن اتخاذ اي خطوة عملية طبيعية ، عندما يتعلق الامر في اي قضية عربية او اسلامية ، ولعل ما يجري في غزة منذ عامين تقريبا من قتل وتشريد وتجويع خير دليل على ذلك .

  • كاتب وإعلامي أردني
  • theeb100@yahoo. com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*