كيف استمر نقض العهود والمواثيق بعد ثورة ديسمبر؟

1
أشرنا سابقا الي أن انقلاب اللجنة الأمنية للنظام السابق قطع الطريق أمام ثورة ديسمبر’ بهدف تصفية الثورة’ وحماية مصالح المحاور الاقليمية والدولية التي تنهب ثروات البلاد ‘ والتي فرضت الوثيقة الدستورية والشراكة مع العسكر والدعم السريع بديلا لكامل الحكم المدني الديمقراطي’ ودفاعا عن مصالح الرأسمالية الطفيلة المدنية والعسكرية كما في شركات الجيش التي تستحوذ على ٨٢٪ من موارد البلاد’ إضافة لشركات الدعم السريع ونهب وتهريب الذهب والمحاصيل النقدية’ وواصل في منهج نقض العهود والمواثيق الذي اتسم به نظام الرئيس البشير’ مثل التعهد بعدم فض الاعتصام ‘ فكانت المجزرة البشعة لفض اعتصام القيادة العامة والولايات’ التعهد باحترام الوثيقة الدستورية ‘ فكان الخرق المستمر لها حتى الانقلاب العسكري في ٢٥ أكتوبر الذي قوض الوثيقة الدستورية ‘وقطع الطريق أمام حكم المدنيين للمرحلة الثانية من الفترة الانتقالية.
2
جاءت ممارسة اللجنة الأمنية امتدادا لتجربة نظام الانقاذ في الحوار والاتفاقات ونقض العهود والمواثيق بهدف إطالة عمره ، وهذا كما أشرنا في دراسة سابقة’ نابع من السياسات التي خبرتها جماهير شعبنا منذ أكثر من ٣٠ عاما ‘ ومن طبيعة نظام الرأسمالية الإسلاموية الطفيلية الذي ما جاء الا لينسف استقرار البلاد والحل السلمي الذي توصلت له الحركة السياسية السودانية بعد اتفاق” الميرغني – قرنق”، وكان انقلاب 30 يونيو 1989م الذي مكن للرأسمالية الطفيلية الاسلاموية في الأرض، وهو نظام شيمته القمع والمراوغة ونقض العهود والمواثيق، وتغيير جلده بتعديلات وزارية مع الإبقاء علي جوهره، كما في تعيين د. كامل إدريس ديكور مدني ‘ ورفع شعار الحوار بهدف إطالة عمره، والعمل بدأب من أجل تفتيت وحدة المعارضة المدنية والمسلحة، باستخدام سياسة” سيف المعز وذهبه”، وترجع جذور نقض العهود والمواثيق إلي الحفاظ علي المصالح الطبقية للرأسمالية الطفيلية الإسلاموية.
3
معلوم أنه بعد انقلاب 30 يونيو 1989 سيطرت الجبهة الإسلاموية على الحكم ، وهيمنت الفئات الغنية من عناصرها على مفاتيح الاقتصاد الوطني، وراكمت الثروات من المصادر التالية:
* نهب أصول القطاع العام عن طريق البيع أو الإيجار أو المنح بأسعار بخسة لأغنياء المؤتمر الوطني الحاكم أو لمنظماته وشركاته. وما زالت عملية الخصخصة والنهب مستمرة.
* التسهيلات والرخص التجارية من وزارة التجارة والبنوك التجارية والإعفاء من الضرائب، وعدم إعادة الأموال التي تم أخذها من البنوك مما أدي إلي إفلاسها وأزمة السيولة الراهنة.
* الفساد والاعتداء علي المال العام كما هو واضح من التقارير السنوية للمراجع العام، وهو يوضح ما ظهر من جبل الجليد من نهب المال العام، ومن الصعب جدا لغياب المعلومات أن نعمل تقديرا دقيقا لحجم المال المنهوب ، ولكن ما ظهر من تقارير المراجع العام، والاختلاسات التي رصدتها الصحف اليومية في المؤسسات العامة والبنوك، يمكن تقدير أن ما أُهدر من المال يقدر ب 25 مليار دولار في الفترة (1989م- 2009م) بسبب الفساد (سودانايل : 25/2/ 2010م )، وحسب تقرير منظمة الشفافية الدولية ” تعد كل من الصومال والعراق وبورما وهايتي وأفغانستان والسودان من اكثر الدول فسادا في العالم”.
* المرتبات العالية لكوادر المؤتمر الوطني الحاكم الذين يشغلون وظائف قيادية.
* إعفاء شركات النظام الحاكم وعناصر المؤتمر الوطني من الضرائب والجمارك.
* نهب عائدات البترول في سنوات استخراجه في الأعوام :1999م –2011 م ، وتقدر المصادر أنه تم نهب أكثر من 100 مليار دولار من عائدات النفط في تلك الفترة، بينما بلغ الدين الخارجي 55 مليار دولار مقابل 12,9 مليار دولار عام 1989م، ذهبت أغلبها في مشاريع فاشلة تم نهبها مثل سد مروي. إضافة إلي نهب عائدات الذهب واطلاق العنان للتعدين العشوائي الذي أدي إلي تدمير البيئة وموت المئات من المواطنين.
* المضاربة علي الأراضي والعقارات ، بيع أراضي السودان أو تأجيرها لمدة 99 عاما، علي سبيل المثال : تم بيع 90 الف فدان للبحرين، أي 42 الف هكتار من الأراضي التي تتميز بقربها من النيل وتحتوي علي مياه جوفية، بهدف استثمارها في الإنتاج الحيواني والنباتي. ومثال آخر الأراضي الشاسعة التي تم بيعها لدولة الكويت والتي تساوي ربع مساحة الكويت كما صرح أحد قادة الكويت. الخ.
تدمير الرأسمالية المنتجة التي كانت تعمل في ميادين الإنتاج الصناعي والزراعي والحيواني، ومحاصرتها بالضرائب وتخفيض قيمة الجنية السوداني ، ورفع الدولة يدها عن خدمات التعليم والصحة ، وإهمال تصريف المياه مما أدي الي كوارث السيول والأمطار ، وسوء التخطيط والفوضى والفساد ببيع أراضي سكنية للمواطنين في مجاري السيول ما أدي الي خسائر مادية وفي الأرواح باهظة زادت المواطنين فقرا علي فقر. كما تم تشريد حوالي 122 الف شخص من أعمالهم بسبب نشاطهم النقابي والسياسي ، وأصبح مجالي التعليم والصحة من مصادر التراكم الرأسمالي ، وصار اكثر من 95 % يعيشون تحت خط الفقر.
4
خلاصة الأمر ، لا نتوقع بحكم تلك المصالح الطبقية الضيقة التي مازالت مستمرة بعد اعادة التمكين والحرب أن يستجيب النظام لدعوات الحوار الجاد والتحول الديمقراطي’كما في دعوات د. كامل إدريس للحوار الذي لايستثني أحدا’ ولا في دعوة حميدتي للحكم المدني الديمقراطي والعلمانية بعد أداء القسم للحكومة الموازية بنيالا، التي سوف يتم الانقلاب عليها’ إذا تعرضت مع مصالحه الطبقية’ كما انقلب على موسى هلال ‘وعلى البشير في انقلاب اللجنة الأمنية ‘وفي انقلاب ٢٥ أكتوبر مع البرهان الإسلامويين وحركات جوبا ‘وتم تقويض الوثيقة الدستورية.
الواجب العاجل وقف الحرب واستعادة مسار الثورة وعدم الإفلات من العقاب’ وتفكيك التمكين وإعادة ممتلكات الشعب المنهوبة ‘وخروج العسكر والدعم السريع والمليشيات من السياسة والاقتصاد’ والترتيبات الأمنية لحل كل المليشيات وجيوش الحركات وقيام الجيش القومي المهني الموحد الذي يعمل تحت إشراف الحكومة المدنية’ وضمان وحدة البلاد وسيادتها الوطنية ، والانتقال للحكم المدني الديمقراطي’ والي التعددية السياسية الحقيقية ودولة المواطنة الدولة المدنية الديمقراطية