إعلان حكومة نيالا الموازية: قراءة في تداعيات التمزق واحتمالات المستقبل

إعلان حكومة نيالا الموازية: قراءة في تداعيات التمزق واحتمالات المستقبل
  • 10 سبتمبر 2025
  • لا توجد تعليقات

زهير عثمان حمد

يمثل إعلان تحالف “تأسيس” عن تشكيل حكومة موازية في نيالا بجنوب دارفور نقطة تحول حاسمة في الأزمة السودانية. هذا التطور ليس مجرد حدث عابر، بل هو نتيجة منطقية للانهيار الهيكلي للدولة السودانية التي عانت لعقود من الإقصاء الممنهج لمناطق الأطراف مثل دارفور وكردفان والشرق. يمكن فهم هذا الإعلان من خلال تحليل عدة أبعاد رئيسية.

الدوافع رد فعل على فشل الدولة المركزية

لا يمكن فصل إعلان “تأسيس” عن سياقه التاريخي. إنه يمثل ذروة تراكمية لسياسات الهيمنة التي اتبعتها النخب المركزية في الخرطوم، والتي فشلت في بناء عقد اجتماعي عادل يعترف بالتنوع ويوزع السلطة والثروة بشكل منصف. هذه الديناميكية ليست جديدة؛ إنها استمرار لنمط التمرد على المركز الذي شهدته البلاد في الجنوب ودارفور. لكن الجديد اليوم هو أن هذا التمرد اتخذ شكلاً مؤسسياً متمثلاً في “حكومة موازية”، مما يمثل تهديداً مباشراً لوحدة الدولة أكثر من أي وقت مضى.

دلالات الإعلان هل هو بداية التقسيم؟

من الناحية الرمزية والمؤسسية، يعتبر وجود حكومتين تدّعيان الشرعية (حكومة بورتسودان/الخرطوم وحكومة نيالا) تقسيماً فعلياً للدولة. هذا التفكك يُضعف مفهوم الدولة الواحدة ويعمّق الانقسام. كما أن سيطرة “تأسيس” على الموارد الاقتصادية الحيوية في المنطقة (الذهب، الثروة الحيوانية، وغيرها) يمنحه القدرة على الاستدامة دون الحاجة إلى المركز، مما يعزز هذا الواقع الجديد.
ومع ذلك، يجب عدم النظر إليه كنقطة لا عودة حتمية. يمكن أن يكون هذا الإعلان أداة ضغط سياسي تهدف إلى إجبار الأطراف على الجلوس إلى طاولة المفاوضات للوصول إلى تسوية مرضية، كما حدث في بعض الحالات التاريخية. لكن تعقيد المشهد الحالي، مع تعدد الفاعلين وتدخل القوى الإقليمية والدولية، يجعل مسار الحل أكثر صعوبة.

السيناريوهات المستقبلية المحتملة

الوضع الحالي يفتح الباب أمام ثلاثة سيناريوهات رئيسية لمستقبل السودان –

التقسيم التدريجي في هذا السيناريو، قد تواصل الحكومة الموازية في نيالا تعزيز نفوذها وتوسيع سيطرتها لتشمل مناطق أخرى، مما قد يؤدي في النهاية إلى إعلان دولة مستقلة. لكن هذا المسار محفوف بالصعوبات، بما في ذلك الانقسامات الداخلية داخل “تأسيس” وتحديات الاعتراف الدولي.

استنزاف طويل الأمد هذا السيناريو هو الأكثر خطورة، حيث تستمر الحرب دون حسم عسكري، مما يؤدي إلى تفكك الدولة وتحولها إلى “كانتونات” عسكرية واقتصادية متناحرة. هذا السيناريو يشبه نموذج دول مثل ليبيا أو الصومال، وستكون له تكلفة إنسانية باهظة.

الحل التفاوضي الكونفدرالي إذا وصلت الأطراف المتحاربة إلى قناعة بعدم جدوى الحل العسكري، قد يتم اللجوء إلى مفاوضات تؤسس لنظام حكم لا مركزي واسع (فيدرالي أو كونفدرالي).
هذا الحل يتطلب نضجاً سياسياً من النخب، ودعماً دولياً يركز على وحدة السودان مع الاعتراف بالتعددية.

الدور الإقليمي والدولي ومأزق القوى المدنية

تعقيد المشهد السوداني يزداد مع تحوله إلى ساحة صراع بالوكالة بين قوى إقليمية ودولية. هذا التدخل يطيل أمد الصراع ويعيق أي حل سلمي. من ناحية أخرى، تواجه القوى المدنية السودانية تحدياً كبيراً؛ فبسبب تشرذمها وهشاشة وضعها، لم تتمكن من فرض رؤيتها على المشهد السياسي الذي يهيمن عليه العسكر والميليشيات.
ومع ذلك، تبقى هذه القوى هي الأمل الأخير للمستقبل، شريطة أن تتمكن من توحيد صفوفها حول مشروع دولة مدنية شاملة.

مفترق طرق حاسم

إعلان حكومة نيالا هو جرس إنذار أخير للسودان. إنه يضع البلاد أمام خيارين— إما إعادة بناء الدولة على أسس جديدة من العدالة والتعددية واللامركزية، أو السير في طريق التفكك الدموي.
الوحدة التي تفرض بالقوة ليست هدفاً في حد ذاتها، لكن التقسيم ليس حلاً سحرياً لمشاكل عميقة قد تتكرر في أي كيان جديد. الأمل يظل معلقاً على قدرة القوى المدنية، بدعم دولي مسؤول، على دفع الأطراف المتحاربة نحو حل سياسي شامل قبل أن يصبح التمزق قدراً محتوماً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*