حجية التوقيع الإلكتروني وشروطه

لابد من معرفة مدى إستيفاء التوقيع الإلكتروني للشروط القانونية التي تمنحه الحجية في الإثبات من خلال عدة إصدارات لقوانين المعاملات الإلكترونية لتعزيز الثقة في مدى حجية التوقيع الإلكتروني حتى يؤدي دوره كالتوقيع التقليدي ويكون في مستوى واحد معه في الإثبات.
تتمثل هذه الشروط في الآتي:
أولاً: يجب أن يكون التوقيع الإلكتروني مرتبط بشخص صاحبه لتمييزه عن غيره من الأشخاص:
أي مميزاً لهوية صاحبه، وعلى ذلك نص قانون المعاملات الإلكترونية السوداني 2007 في المادة (8): إذا عرض بصدد إي إجراءات قانونية توقيع رقمي معادلاً لتوقيعه اليدوي:
(أ) إذا إستخدام آلية لتحديد هوية ذلك الشخص والتدليل على موافقته على المعلومات الواردة في رسالة البيانات الإلكترونية.
(ب) كانت تلك الآلية مما يعتمد عليه بالقدر المناسب له ، لإرتباطه بالشخص الذي وقعه لأن التوقيع علامة شخصية مميزة لصاحبها وهو روح المستند ويكون صحبه ملتزماً فيه بمضمونه.
والتوقيع على المستند يعد تعبير عن الإرادة والرضا بالتصرف القانوني وإقرار له سواء كان توقيع تقليدي بخط اليد أو البصمة أم إلكتروني برموز معينة أو حروف أو أرقام أو إشارات توضع على المستند الإلكتروني.
ثانياً: يجب أن يكون التوقيع الإلكتروني قادر على أن يعرف بصاحبه:
هذا يتفق مع تعريف التوقيع الإلكتروني بوصفه رموز دالة على صاحبها، وهي سند حجية التوقيع وهو تصرف إرادي يميز صاحبه سواء كان التوقيع بالإسم الحقيقي أو التجاري أو إسم الشهرة، وإن لم يكن كذلك لا يصلح لأداء دوره في إضفاء الحجية على المستند الإلكتروني، كما لو وقع الشخص بإسم وهمي.
ثالثاً: سيطرة صاحب التوقيع الإلكتروني على منظومة التوقيع:
أي أن يكون صاحب التوقيع منفرداً به، أي لا يستطيع شخص آخر فك رموز التوقيع أو الدخول إليه دون إذنه، والتوقيع يتكون من رموز وأرقام لا يستطيع شخص آخر إستخدامها لأنه هو من قام بإنشاء التوقيع بطريقته الخاصة.
وفي ذلك نص القانون السوداني في المادة 8/3/ب على ( إذا كانت تلك الآلية مما يعتمد عليه بالقدر المناسب للغرض الذي أنشأت من أجله رسالة البيانات الإلكترونية في ضوء الظروف بما في ذلك أي إتفاق آخر متصل بذلك الشخص.
رابعاً: إرتباط التوقيع الإلكتروني بالمستند إرتباطاً وثيقاً:
حتى يؤدي التوقيع الإلكتروني دوره في إثبات إقرار الموقع بما ورد في المستند يجب أن يكون مرتبطاً بالمستند على نحو لا يمكن فصله عنه ويجب أن يكون الإتصال مستمر بطريقة معلوماتية آمنة طول فترة إستخدامه في الإثبات، هذا الشرط موجود في التوقيع التقليدي أيضاً في المستند الورقي المعد للإثبات فيتحقق فيه شرط الإرتباط المادي والكيميائي، أما بالنسبة للتوقيع الإلكتروني فإن الإتصال بين التوقيع والمستند يبدو أنه غير متوفر ولكن في ظل التطور الحاصل أصبح متوفر أكبر قدر من الحماية والسرية والأمان مما يجعل تسجيل المستندات الإلكترونية وحفظها غير قابل للتعديل.
خامساً: توثيق التوقيع الإلكتروني:
التوثيق أو التصديق الإلكتروني هو وسيلة فنية آمنة للتحقق من صحة التوقيع الإلكتروني أو المستند حيث يتم نسبته لشخص معين أو كيان عبر جهة موثوق بها وهي مقدم خدمات التصديق أو التوثيق.
كما يعرف بأنه الإجراءات المتبعة للتحقق من التوقيع أو السجل الإلكتروني قد تم تنفيذه من شخص معين أو لتتبع الأخطاء والتغييرات التي حدثت بعد الإنشاء.
حيث نجد أن مختلف القوانين تتفق في مساواة التوقيع الإلكتروني بالتوقيع التقليدي بل يرى بعض الفقهاء أن التوقيع الإلكتروني أفضل من التقليدي في مجال العقود الإلكترونية نسبة لأنه يتميز بقدر عالي من الثقة والامان ومواصفات فنية تقنية تجعل من الصعب تغييره أو تزويره دون كشفه.
سادساً: عدم قابلية التوقيع الإلكتروني للتعديل أو التغيير:
حيث أصبح الأطراف يقومون بالتوقيع على هذه الرسائل لتوفير قدر كافي من الأمن والامان، غير أن هذا التوقيع أيضاً يواجه ذات المخاطر التي تواجه الكتابة وهي عدم الثقة والأمان لإمكانية التعديل والتغيير، لذا أشترط في هذا النوع من التوقيع شروط ومواصفات تجعل من الصعب على الغير التعديل أو التغيير، وعلى ذلك نص القانون السوداني في المادة (8) علي يعتبر التوقيع الإلكتروني فيما يتعلق بأي إجراءات قانونية معادلاً للتوقيع اليدوي إذا توافرت فيه ضمانات معينة، وهي سلامة منظومة أو إدارة التوقيع من الناحية الفنية والتقنية على النحو الذي يعتمد عليها في الغرض الذي أنشأت لأجله الرسالة الإلكترونية حيث أن متطلبات التوقيع لا يتم تحقيقها إلا من خلال إرتباطها بالرسالة الإلكترونية التي يستخدم فيها التوقيع وبشكل يجعله مناسب للغرض الذي أنشأت من أجله الرسالة.
كما نص النظام السعودي على هذه الشروط في المادة (14) من قانون التعاملات الإلكترونية وهي:
· أن يكون مرتبط بحامل التوقيع.
· إمكانية التحقق من التوقيع وتحديد هوية حامل التوقيع.
· ضمان السيطرة على التوقيع وإكتشاف التعديلات التي تطرأ على التعامل الإلكتروني.
· إستخدام شهادات التصديق الرقمي والإلتزام باللوائح والتنظيمات.
ونري ضرورة أن تقوم كافة التشريعات الخاصة بالتوقيعات الإلكترونية والمعاملات والتجارة في هذا المجال بتوثيق التوقيع الإلكتروني لدي جهة معينة مختصة تحددها الدولة تقدم خدمات المصادقة على التوقيع الإلكتروني والتوثيق والتحقق من صحة التوقيع.
خصائص التوقيع الإلكتروني
للتوقيع الإلكتروني خصائص تميزه عن التقليدي لحماية البيانات والمعلومات من الإستخدام الغير مشروع وتتمثل في:
أولاً: التوقيع الإلكتروني ينفرد به صاحبه الذي يستخدمه: فهو علامة شخصية تميز الشخص عن غيره وتوضح رغبته في الإلتزام بما في المستند لذا فهو ينفرد به صاحبه الذي يستخدمه.
ثانياً: سيطرة الموقع على منظومة التوقيع: أي أن آلة إحداث التوقيع يملكها الموقع وحده عند الإنشاء أو الإستعمال بحيث لا يسمح للغير بفك الرموز أو التوقيع بدلاً عنه فهو يعبر عن هوية صاحبه.
ثالثاً: يتكون التوقيع الإلكتروني من عناصر متفردة ووسمات ذاتية خاصة بالموقع: فالتوقيع الإلكتروني عكس التقليدي لأنه لا يقتصر فقط على الإمضاء أو البصمة أو الختم إنما تتعدد صوره منها الحروف والرموز والإشارات والصور والأصوات بشرط أن يكون لها طابع فردي تميز صاحبها وتحدد هويته.
رابعاً: السرعة والسرية والأمان والحد من حالات الغش: يتم إنشاء التوقيع الإلكتروني في زمن قصير مواكباً مسيرة نظم المعلومات الحديثة وإمكانية إستخدامه كبديل للتوقيع التقليدي، أما السرية تعني إخفاء محتوى الرسالة من البيانات والمعلومات تمنع التعرف عليها فتكون في سرية تامة، كما يؤدي التوقيع الإلكتروني إلى رفع مستوي الأمان والخصوصية، ويساعد على الحد من حالات الغش والتزوير والتلاعب في بيانات التوقيع أو المستند الإلكتروني.
الحجية القانونية للتوقيع الإلكتروني
يعد التوقيع الإلكتروني جزء من المستند وأهم عناصره، دونه لا يكون للمستند أي قيمة قانونية في الإثبات، ونتيجة للتطور التقني الذي حدث وإستخدام التكنولوجيا الحديثة ظهر هذا النوع من التوقيع، والذي أدى إلى ضرورة القيام بتعديلات تشريعية تتلاءم مع هذا التطور والحفاظ على الدور الذي يقوم به التوقيع التقليدي.
الحجية القانونية للتوقيع الإلكتروني في التشريعات الدولية:
لقد تضافرت الجهود الوطنية والدولية لتذليل الصعاب والعقبات التي تعترض طريق التعاملات الإلكترونية والإعتراف بالتوقيع الإلكتروني ومساواته بالتوقيع التقليدي.
وقد وضعت لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي بوضع قانون نموذجي بشأن التوقيع الإلكتروني والذي تعرض للتوقيع الإلكتروني والجهة التي تقوم بتحديده ومسئولية الموقع.
كما نظم مقدم خدمات توثيق التوقيع والإعتراف به وتأكيد سلامة المعلومات التي يتعلق بها التوقيع، كما إعترف التوجيه الأوربي بحجية التوقيع الإلكتروني وإشترط أن تتوافر فيه المتطلبات القانونية للتوقيع، وعلى ذلك شرعت العديد من الدول لتنظيم إتفاقيات تضمنت التجارة الإلكترونية والتوقيع الإلكتروني بصفة خاصة ومن هذه الإتفاقيات:
1/ إتفاقية الأمم المتحدة بشأن عقد البيع الدولي: والتي هدفت لحماية التجارة الدولية وإزالة العقبات التي تعترض إبرام هذه العقود ومنها عقد البيع الذي لم تشترط له أن يكون العقد كتابة بل يجوز بأي وسيلة من وسائل الإثبات.
2/ إتفاقية الامم المتحدة لنقل البضائع بالبحر (قواعد هامبورج ): أدخلت هذه الإتفاقية صور جديدة للتوقيع خلاف التوقيع التقليدي، حيث أجازت التوقيع بأي وسيلة خط اليد أو صورة أو ختم أو رمز أو أي طريقة آلية إلكترونية، مما يعني إن هذه الإتفاقية قد تبنت المفهوم المتحرر للتوقيع.
المطلب الثاني: الحجية القانونية للتوقيع الإلكتروني في القوانين المقارنة:
أولاً: القانون المصري: صدر قانون التوقيع الإلكتروني المصري 2004م وبصدور هذا القانون أصبح للتوقيع الإلكتروني ذات الحجية للتوقيع التقليدي حيث نصت المادة (14) منه على ( للتوقيع الإلكتروني في نطاق المعاملات ذات الحجية المقررة للتوقيعات في أحكام الإثبات إذا روعيت الشروط المنصوص عليها في هذا القانون ) كما نص على أن يتمتع التوقيع الإلكتروني والمحررات الإلكترونية بالحجية في الإثبات إذا ما توافرت فيها الشروط المطلوبة ).
ثانياً: القانون الأردني: فقد أورد قانون المعاملات الإلكترونية الأردني مادتين ساوى فيهما بين حجية التوقيع الإلكتروني والتوقيع التقليدي وهما المادة (7) والتي نصت على يعتبر العقد والرسالة والتوقيع الإلكتروني منتجة لآثارها القانونية ذاتها المترتبة على الوثائق والمستندات الخطية بموجب التشريعات من حيث أحكامها وإلزامها وصلاحيتها في الإثبات كما نصت على ( لا يجوز إغفال الأثر القانوني لما ورد في الفقرة (أ) من هذه المادة لأنها تمت بوسائل إلكترونية.
كما نصت المادة الثانية وهي المادة (10) من القانون الأردني أن التوقيع الإلكتروني على السجل الإلكتروني يفي بمتطلبات التشريع إذا إستوجب التشريع توقيع على مستند معين أو ترتيب أثر على خلوه من التوقيع.
حجية التوقيع الإلكتروني في القانون السوداني:
يحتاج التوقيع الإلكتروني ليكون مصدقاً شهادة تصديق خاصة به من قبل جهة معينة وإتباع إجراءات معينة، وقد عرفتها المادة (2) من القانون السوداني بأن إجراءات التوثيق هي ( يقصد بها الإجراءات المتبعة للتأكد من أن التوقيع أو السجل الإلكتروني قد تم تنفيذه من شخص معين أو تتبع التغييرات أو الأخطاء التي حدثت للسجل بما في ذلك إستخدام وسائل التعرف على الرموز والكلمات والأرقام وأي وسيلة أخري تحقق الغرض.
كما نص النظام السعودي في المادة (14) على حجية التوقيع الإلكتروني حيث نصت هذه المادة على الشروط التي يجب توافرها حتى يكون التوقيع صحيح وملزم لصاحبه وهي:
· إرتباط التوقيع الإلكتروني بحامله بشكل فريد.
· إمكانية التحقق منه وتحديد هوية حامله.
· ضمان السيطرة عليه بحيث يكون حامله هو الوحيد المتحكم في وسيلة إنشاء التوقيع.
· إمكانية إكتشاف أي تعديل يطرأ على التعامل الإلكتروني بعد التوقيع عليه.
وقد ظهرت العديد من الهيئات والمنظمات المتخصصة في مجال تقديم خدمات التوثيق والتصديق الإلكترونية عبر شبكة الإنترنت الدولية مثل المحكمة القضائية التي تقوم بإصدار شهادات إلكترونية بشروط معينة، وتختص بذلك في القانون السوداني اللجنة القومية والتي تشكل بقرار من مجلس الوزراء بتوصية من الوزير المختص حيث يمثل فيها وزارة الداخلية والعدل وبنك السودان المركزي وفقاً لنص المادة (14) من قانون المعاملات الإلكترونية السوداني.
تختص هذه اللجنة وفقاً للمادة (15) ب:
1/ وضع أسس التصديق لأي جهة تراها مؤهلة لإعتماد التوقيع الرقمي وإصدار الشهادة والتصديق لمزاولة العمل وإعتماد التوقيع الرقمي.
2/ وضع النظم واللوائح وإصدار القرارات لتحديد مسئولية الجهة المرخص لها، وسحب الترخيص في حال عدم الإلتزام باللوائح المنظمة.
3/ تبادل المعلومات مع الأطراف الأجنبية بموجب إتفاقيات لتبادل الإعتراف بالشهادات الصادرة من السودان مع الدول الأخرى، كما يجوز لها أن تفوض هذه الإختصاصات لأي لجنة تشكلها.
حيث نص قانون المعاملات الإلكترونية لسنة 2007 على الأثر القانوني للتوقيع الإلكتروني وحجيته وفقاً للمادة (8) (ف) 1ـ2ـ3 على النحو التالي:
1/ لا ينكر الأثر القانوني للتوقيع الرقمي من حيث صحته والعمل بموجبه لمجرد وروده كلياً أو جزئياً في شكل إلكتروني.
2/ إذا أوجب القانون التوقيع على مستند أو رتب أثر قانوني على خلوه من التوقيع فإنه إذا إستعمل سجل إلكتروني فإن التوقيع الرقمي عليه يفي بمتطلبات القانون.
3/ إذا عرض بصدد أي إجراءات قانونية توقيع رقمي مقرون بشهادة لأي شخص يكون ذلك التوقيع معادلاً لتوقيعه اليدوي إذا:
(أ) استخدمت آلية لتحديد هوية الشخص وموافقته على المعلومات الواردة في رسالة البيانات الإلكترونية.
(ب) إذا كانت تلك الآلية مما يعتمد عليه بالقدر المناسب للغرض الذي أنشات من أجله رسالة البيانات.
4/ إذا لم يتم وضع التوقيع الإلكتروني بإستعمال شهادة معتمدة فإن قرينة الصحة المقررة بموجب أحكام البند (3) لا تلحق بأي من التوقيع أو السجل الإلكتروني.
يتضح لنا من النصوص القوانين السابقة أن التوقيع الإلكتروني حتى يكون له حجيته ومساوياً لحجية التوقيع التقليدي يجب أن تتوافر فيه مجموعة من الشروط التي تم ذكرها سابقاً.
ناصر إسماعيل عبيد إبراهيم/ مستشار قانوني
إيميل: naser70obeid@gmail.com