عبء سياسي!!

طيف أول:
بعض المواقف
التي لا تتكئ على الثقة قد تسقط بين سطور الثرثرة!!
ومن أكثر الكلمات التي أُلقيت على منصة الأمم المتحدة، والتي تستحق التأمل في بواطنها، ما قاله الرئيس الإندونيسي برابوو سوبيانتو: إن بلاده مستعدة للمساهمة في عمليات حفظ السلام في مناطق مختلفة من العالم بموافقة الأمم المتحدة، ومستعدة لإرسال 20 ألف جندي من قوات حفظ السلام إلى فلسطين وأوكرانيا والسودان وليبيا. هذا الحديث، بلا شك، أربك وفد الحكومة السودانية، الذي وجد نفسه هناك محاصرًا بنداءات ملحة تدعو إلى ضرورة إحلال السلام، في ظل تآكل الدعم السياسي من حلفائه الإقليميين عقب توقيعهم على بيان الرباعية، الذي شكّل نقطة تحول في مواقفهم تجاه الأزمة السودانية.
وفي خضم هذا التراجع، عاد الدكتور كامل إدريس من المملكة العربية السعودية دون أن يظفر بأي دعم سياسي يُذكر، ليغادر بعدها إلى الولايات المتحدة الأمريكية ممثلًا للسودان في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بديلًا عن الفريق عبد الفتاح البرهان. غير أن مشاركته لن تُحدث إضافة نوعية للحكومة كما رُوّج لها، وربما تتحول إلى عبء سياسي، خاصة بعد أن واجه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الوفد السوداني بخطاب صارم، اختزل فيه موقف المنظمة الدولية من الأزمة السودانية، موجّهًا حديثه بشكل مباشر إلى ممثلي الحكومة.
وقال غوتيريش في كلمته الافتتاحية: “في السودان، يُذبح المدنيون ويُجَوَّعون ويُكمَّمون. وتواجه النساء والفتيات عنفًا لا يوصف. لا يوجد حل عسكري. وأحث جميع الأطراف، بما في ذلك أولئك الذين هم في هذه القاعة، على وقف الدعم الخارجي الذي يؤجج هذا النزيف، وادفعوا باتجاه حماية المدنيين. لأن الشعب السوداني يستحق السلام والكرامة والأمل.”
كانت هذه الرسالة بمثابة صفعة دبلوماسية موجهة للوفد الحكومي، كما أنها حملت تحذيرًا ضمنيًا للدول الإقليمية التي تواصل دعم الأطراف المتحاربة بالسلاح، مما يفاقم من معاناة المدنيين ويطيل أمد النزاع.
وفي الوقت الذي كان يُنتظر من الحكومة أن تستثمر مشاركتها في الجمعية العامة لبناء جسور جديدة مع المجتمع الدولي، اختارت مسارًا مغايرًا؛ عندما التقى وزير الخارجية والتعاون الدولي، السفير محيي الدين سالم، نظيره الإيراني سيد عباس عراقجي، على هامش أعمال الجمعية العامة في نيويورك. هذه الخطوة، التي جاءت في تحدٍ واضح للموقف الأمريكي الساعي إلى تقليص التواصل بين السودان وإيران، كشفت عن خلل بنيوي في الرؤية السياسية والدبلوماسية للحكومة، التي تبدو وكأنها تبحر عكس تيار الإجماع الدولي.
سيما أن ايران واحدة من الدول المتهمة بدعم الميدان العسكري
فبين نداءات السلام وخيارات العزلة، يبدو أن مأزق الحكومة السودانية في نيويورك سيتسع. فالخطاب الأممي في هذا التوقيت لا يحتاج إلى مزيد من العناد، سيما عندما تُحاصر السياسة بلغة الأخلاق. فمنبر الأمم المتحدة كشف هشاشة الرؤية الدبلوماسية السودانية، لأنه خاطب الضمير الإنساني للحكومة حتى تشعر بما يحدث في وطنها. وهذه الرسالة تحمل عنوانين: الأول يكشف عن نية المجتمع الدولي لإنهاء الكارثة الإنسانية، والثاني يؤكد أنه لا يعتمد على الحكومة في تنفيذ هذا الحل!!
لذلك، فإن مشاركة كامل إدريس في مواجهة غوتيريش غالبًا ما تتلخص في أنها تمثيل بلا تأثير. وأكثر ما يلفت النظر في مشاركته أنه وجه طلبًا مباشرًا أمس إلى الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر قيلي، للتدخل شخصيًا لدى الاتحاد الأفريقي بهدف رفع التجميد المفروض على عضوية السودان. جاء ذلك خلال لقاء مغلق بين الجانبين على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولا أدري ما قيمة هذا الطلب؛ فإن كان إدريس يريد أن يقوم بعمل يرفع له رصيده الصفري في العلاقات الخارجية، فكان يجب أن يكون هذا اللقاء مع رئيس دولة كبرى لها وزنها الإقليمي والدولي، لكن الرئيس الجيبوتي ليس له تأثير لا دوليًا ولا حتى أفريقيًا، ولا يستطيع أن يشكل ضغطًا على الاتحاد الأفريقي!!
ومن المقرر أن يقدم كامل إدريس كلمته أمام الجمعية العامة غداً، والتي لا شك أنها ستأتي على شاكلة الخطابات السابقة للجنرال، لأن غرفة القرار التي تحدد ما يقوله البرهان هي ذاتها التي ستعيد صياغة خطاب إدريس. لذلك، فإن من ينتظر أن يأتي خطابه مختلفًا، عليه أن يراجع توقعاته.
ولكن، هل جاءت كلمة الأمين العام للأمم المتحدة لتختصر على رئيس الوزراء عناء ومشقة التكرار!!
وهل أرادت الأمم المتحدة أن تقول: “رُفعت الصحف”؟ فبهذا، يكون الوفد السوداني قد أكد حضوره الجغرافي في الأمم المتحدة، لكنه وقع غيابه السياسي بعدم القبول المسبق!!
طيف أخير:
#لا_للحرب
مازال الخطاب العنصري والجهوي يسيطر على المنابر التي تدعي نشر الوعي وهذا اخطر على المجتمع السوداني من نشر الفتنة بجهالة.