قراءة أخرى ..مبادرة رئيس الوزراء د. كامل إدريس أمام مجلس الأمن..خطة سلام أم شروط استسلام ..؟..النتيجة : إغلاق باب المبادرات السياسية وفتح باب المتحركات العسكرية

قراءة أخرى ..مبادرة رئيس الوزراء د. كامل إدريس أمام مجلس الأمن..خطة سلام أم شروط استسلام ..؟..النتيجة : إغلاق باب المبادرات السياسية وفتح باب المتحركات العسكرية
  • 24 ديسمبر 2025
  • لا توجد تعليقات

حيدر التوم خليفة

انتقد العديد من الكتاب والمحللين السياسيين توقيت تقديم د. كامل إدريس لمجلس الأمن ، ما اصطلح عل  تسميته بمبادرة الحكومة ، وما تحمله من حل لمشكلة السودان سلمياً ، وهؤلاء الكتاب لم يحالفهم التوفيق في ذلك ، لأن *القصد من المبادرة ليس تحقيق ما تضمنته من بنود* ، فالحكومة تدرك أن قبول الدعم *ببنودها الاستسلامية هو رابع المستحيلات* كالغول والعنقاء والخل الوفي ، وأن *الهدف منها هو تأكيد حضور ، وتثبيت تبنيها للحل السلمي في محاضر مجلس الأمن* وسعيها إليه ، وأن السودان (وعبر حكومته المدنية) بحث عن السلام ثنائياً *(مفاوضات جدة)* وإقليميا *(الإيقاد)* ودولياً *(الرباعبة)* وها هو الآن يطرح رؤيته أمميا أمام *(مجلس الأمن)* ..

.. ويجب أن نتذكر أن هذه المبادرة سبق وأن قدمتها الحكومة عدة مرات ، ورفضت من جانب الدعم السريع ، ونتساءل فما الذي تغير حتى *تعيد الحكومة طرحها أمام مجلس الأمن ..؟*

… وأن لا نغفل أن *الحراك السياسي الكثيف وزيارات الوفود* بين السودان ومصر والسعودية وإريتريا ، تشير إلى أن هناك *خطة عسكرية* متفق عليها (كما تفيد وتنبئ التصريحات) ، *مدعومة أمريكياً* ، ( ضمن رؤية ترامب للحل وفقاً لتصريحات المسئولين الأمريكين)  
.
… وهي خطة وفقاً *للتمهيد العالمي ، والتأييد الضمني* ، الذي عكسته مواقف الدول التي أدانت قوات الدعم ، تهدف إلى *إجتثاث الدعم السريع بصورة تامة عبر العمل العسكري* ، بعد أن وصلت كل الأطراف إلى حقيقة تفيد بأن الدعم صار *كالجني الذي انفلت عن قمقمه* ، وأن تركه بغير رد فسوف يقود المنطقة إلى *حرب مدمرة* ، سوف تمتد آثارها إلى أبعد منها ، وسوف ينتقل من *خطر محلي داخلي إلى خطر إقليمي متجاوز للحدود ، إلى خطر دولي* ..

… والتوافق الدولي على إجتثاث الدعم السريع أمر له عدة شواهد ، أهمها *التناول السياسي العالمي الكثيف والإدانة* لأفعال وتجاوزات قوات الدعم بوصفها مليشيا إرهاببة ، ارتكبت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ، مقروناً ذلك مع قرارات الحظر والعقوبات التي طالت العديد من قيادات الدعم ، وكلها قرارات صادرة أوروبياً وأمريكياً.

… يضاف إليه *التناول الإعلامي الكثيف الرامي لفضح الجهات المساندة* والداعمة لقوات المليشيا بالسلاح ومسارب توصيله ، وتجنيد المرتزقة ، والإسناد الإعلامي ، ومعينات الحرب ، خاصة ما كشفته بعض الصحف البريطانية والأمريكية والإيطالية وغيرها حول هذه الأمور ، وآخرها الكشف عن *مسارات الطائرات المحملة بالسلاح* من الإمارات إلى الصومال إلى مهبط الكفرة السري في ليبيا ، أو الكشف عن *الشركة الإنجليزية التي توفر المرتزقة الكولومبيين* لقوات حميدتي ..

… وضمن هذا الإطار أرى إنها ليست *مبادرة ، وإنما هي إبراء ذمة* ، تم الاتفاق بأن تقدمه حكومة كامل المدنية للعالم ، وليس من الجانب العسكري ، ولكنه يمهد لفعلٍ عسكري تحت المظلة المدنية بإسناد دولي ، سوف تشهده البلاد الأيام القادمة ..

… وهذا امر تؤكده الإجابة علي *السؤال المهم ، ما هي الضرورات ، التي دفعت الحكومة إلى طرح مبادرة جديدة ، وهي منخرطة فعلياً في مبادرة أخرى ، قطعت شوطاً بعيداِ فيها ، وملتزمة بها ، أي لا تسعي إلى إفشالها عبر طرح مبادرة أخرى ، لأن  إفشالها أمر غالي التكلفة ، خاصة على البرهان والقيادة العسكرية ..؟*

وهذا له تفسير واحد ، وهي أن هناك *ثغرة سياسية* في الخطة التي أجيزت عقب التحركات المكوكية للأطراف الأربعة في الفترة السابقة ، أي تحركات القادة السياسيين ، والخبراء العسكريين وقادة الجيوش ، وهي ثغرة خاصة بالعمل السياسي المكمل للعمل العسكري  ، *وتسعى الحكومة لسدها عبر إبراء الذمة هذا* ، ضمن رؤية *وحيدة بلا خيارات* ، وهي *حتمية الحل العسكري* ، فالحل *السلمي التفاوضي تم إسقاطه بالفعل ،*، ولكن بعد أن تم *تسجيله في مضابط مجلس الأمن* ، أنه قد تم السعي إليه من جانب الحكومة..

ولكن هل يدرك البرهان ورهطه أن هذا التحرك عبر مجلس الأمن له *مخاطر* علي السودان ، وعلى *المنظومة الحاكمة وامتداداتها*…؟ خاصة إذا فشلت الجهود العسكربة في كسر شوكة المليشيا .. وهي مخاطر سوف أذكرها في *آخر أسطر هذا المقال*  ..

… *فالمبادرة تثبيت لموقف الحكومة (الظاهري) من جهود الحل السلمي  (التي لا تستبطنها)* ، الأمر الذي دعانا للبحث عن تبرير وسبب آخر ، أو تحديداً عن هدف آخر للمبادرة ..

وبالفقه والواقع السياسي فقد تجاوزت *مشكلة السودان عملياً بتعقيداتها ومعطياتها* ، ميدان *المبادرات السلمية* إلى ميدان *الحلول الناجزة* ، عبر خطط عسكرية مُحكمة تعمل ضمن *الإطار السياسي* ، ولكنها *تتجاوز التفاوض* في كل مراحلها، أي (*رحلة ذات إتجاه واحد*) ..

.. لهذا جاء التحرك  الأخير  الذي يعيد *للمشهد العسكري حيويته* ، بعد أن فشل الطرفان في الفترة الماضية في تحقيق نصر عسكري حاسم ، خاصة من جانب الجيش ، نتيجة *للتدخلات الداعمة عسكرياً لقوات حميدتي* ..

… وهو أمر أدركته الحكومة جيداً ، في ذات الوقت الذي رأت فيه مع حلفائها ، أن *التفاوض مهما أنتج من حلول ، فهي حلول وقتية ، ومعالجات لأعراض المرض وليس لأسه* ، وبالتالي هو نقل *للمشكلة إلى المستقبل* ، أي أن الحل السلمي لا يحقق *السلام المستدام* ، وهو بالتالي ليس من *أهداف الحكومة* وتحديداَ من جانب *الجيش*، سواءً في الوقت الحالي أو مستقبلاً ، وأن أي حديث *حوله حملته مبادرة* كامل إدريس ، هو *إبراء للذمة* فقط أمام العالم لا غير ، وإعلام له بانها قد *طرقت هذا الباب قبلاً ، ولم يفتح لها* ..

… لهذا فإن ما سماه الآخرون مبادرة الحكومة ، اسميه مقترح *وقف إطلاق نار مشروط  تعجيزي* (وهو أمر مقصود) ، تتبعه *خطوات محكومة ومقيدة برؤية الطرف الحكومي للحل* ، وأري أنها *رؤية مصمته* غير قابلة للإختراق ، أي أنها قُدِمت *كمشروع استسلام وليس مبادرة سلام* ، كخطة لا يمكن *تعديلها* ، فإما *قبولها إنصياعاً* من جانب الدعم ومن ثم *تنفيذها* ، أو *تحمُل نتائج رفضها* ، (وتوقع الرفض لها من جانب الدعم ، هو السبب الرئيس لتقديمها من جانب الحكومة)  ..

… الأمر الذي ينبئ بأن الأيام القادمة سوف تشهد *تحولاً كاملاً في الفعل العسكري المتعاظم لاقصى حد* ، خاصة إذا استصحبنا معنا تصريحات وزير الخارجبة المصري *بتفعيل اتفاقية الدفاع المشترك* بين البلدين  ..

لهذا أتوقع أن يأتي الفعل العسكري الكثيف ، بعد أن *قدمت الحكومة مبادرتها للسلام* ، وأشهدت العالم عليها ،  متمسكة ب (قد أعذر من أنذر) ، ورد فعل الدعم الرافض لها …

إن *الاستعدادات العسكرية والإعدادات الجارية* اليوم ، *وعدد المتحركات ومستوي تسليحها* قادرة على تحرير كردفان ودارفور *في أسبوعين* على الأكثر ، ذلك مع وجود؛ *الغطاء الجوي* المصري *المعلن عنه ، والمتحرك قانوناً عبر فضاء اتفاقية الدفاع المشترك* ، إضافة إلى تكثيف عمل الطيران السوداني  ، وتفعيل استخدام المسيّرات التركية المستلمة أخيراً ، المستنزف لقدرات الدعم ، والممهد للتحرك *البري الشامل* …

وإذا سارت الأمور وفقاً لما خطط له الجيش السوداني عسكرياً ، فهذا يعني *تطبيق شرك أم زريدو* أما غير ذلك فيعني *نهاية حقبة البرهان ، وما يتبعه من طي لصفحة جماعة الإسلام السياسي*..

ختاماً إن ما قدمته الحكومة *ليس مبادرة سلام* ، وإنما *رؤية عسكرية تحمل عملية استسلام* كامل تتم من قِبل *قوات الدعم لقوات الجيش* ..

وحتي لو حدث هذا ، فهو *استسلام لن يقبل به الجيش*، فالجيش اليوم لا يحبذ الانتصار عن طريق استسلام الطرف الآخر ، ولكنه يريد انتصارأ عسكرياً على أرض المعركة ، لتأكيد علو كعبه عسكريا ، ولأن الاستسلام يحمل في طياته *احتمالات إستيعاب* جزء من الدعم داخل الجيش ، وهو *أمر يرفضه الجيش ويتضارب مع أهدافه* الذي عقد العزم وحدد هدفه في *القضاء التام على الدعم* ، وإجتثاثه من جذوره لضمان عدم *ظهوره مستقبلاً* ..

فهل وصلنا الوقت والمرحلة التي يمكننا القول فيها أنه قد :

*انتهي زمن المبادرات السياسية ، وانفتح باب المتحركات العسكرية*…!!

*سوف نرى ..*

ولكن هل تدرك *الحكومة وقادة الجيش* ، أنهم وبذهابهم إلى *مجلس الأمن طواعية* ، قد خطوا *أولى خطواتهم في طريق البند السابع* ، إذا *امتدت الحرب زمنياً ومكانياً* ، أو *تطاولت عسكرياً* ، أو *هددت الإقليم أمنياً* ، أو *تعاظمت انتهاكاتها وفظائعها إنسانياً* ..
فالعالم لا يريد رؤية *موجات نزوح جديدة تهدد حتي أوروبا ، أوجرائم قتل واغتصاب وإبادات جماعية*  ..

وهل يدركون أنهم قد *فتحوا شهية مجلس الأمن لتناول ما يشاء من المائدة السيادية السودانية انتقاصاً* ، ففي الغد سوف نري قراراته وهي تتوالي ، تحمل *إحالات للعديد من قيادات الجيش والأجهزة الأمنية ، وجماعات الإسلام السياسي ، وغيرهم* ، وذلك لمحكمة *الجنايات الدولية* …

*حيدر التوم خليفة*
٢٤ ديسمبر ٢٠٢٥

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*