بعد نحو 3 أعوام في الولايات المتحدة وشهرين في تركيا و3 أشهر في مصر وصلت الحبيبة سعدنكورتى شمالي أمنا دلقو، في الضواحي طرف المدائن وبي شوق وتوق وأعماقي تترنم برائعة سلطان الفن النوبي عباس عثمان ” .. ووفنتي ووبحروو أيقة كر قارة نمينو ” أي يا نخل يا بحر تعالوا عانقوني أنا جيت البلد.
جئتها نعم بعد غيبة طويلة أكثر مما اعتدت، غير أنها لم تغب عني قط فقد كان ذكرها في فمي وطيفها في صحوي ومنامي.
تدفق الناس نحوي بين مصافح ومعانق وباك ومزغردة فأنتشي وتعانق الثريا معنوياتي.
رضعت لبان العمل العام منذ نعومة أظفاري، وبالتالي أقدر جهود العاملين في الشأن العام حيث كانوا بحسبانهم شريحة متميزة ففي الحديث الشريف ( إن لله عبادا ” اختصهم ” بقضاء حوائج الناس حببهم للخير وحبب الخير إليهم، أؤلئك هم الآمنون من عذاب يوم القيامة)، وفي حلتنا البالغ عدد بيوتها نحو مائة هناك من يتولون شؤون المشروعين الزراعي والسقيائي، ومن يواظبون على الأذان والإمامة، وبين الحرائر الأستاذة إسراء فرح بنت البلد التي جاءت من الخرطوم وباشرت مهام محو الأمية والتلقين والترتيل والتجويد بهمة.
نأتي للأستاذة فاطمة صالح محمد إدريس ( نوسة)، التي تضطلع بالإشراف على الروضة العريقة التي تمتد جذورها 30 عاما، لكني وجدتها لاتزال تربي براعمنا وتعلمهم طوال 15 عاما متصلة دون تثبيت في الخدمة رغم محاولاتنا المتقطعة، فتكتفي بقريشات الأسر الضئيلة غير الفاعلة في صبر محمود وسكوت معجون بكلام قليل وجهد كثير كبير فيما تخرج خريجوها الأوائل في الجامعات.
إذن لا بد أن نقول لها شكرا وهذا ما اقترحت في قروب الحلة، حيث وجد تجاوبا هائلا استثمرته بمبادأة دعمي المادي فجرى الإسهام سريعا بالداخل والخارج واتفقنا على تنظيم حفل نعبر من خلاله على امتناننا العميق.
في قلب الحراك كثفت الروضة ” بروفات ” مختاراتها ما جعل البراعم يتدافعون وينتظمون برعاية أمهاتهم وغيرهن، اللائي تكفلن بالضيافة وتقاسمن الواجبات .. بيوت تعد الكيك، أخرى عليها المشروبات باردة وساخنة، طائفة ثالثة التزمت بأجود التمور والحلوى .. إلخ
ليس هذا فحسب بل جمعن مبالغ مشاركة sharing لسداد بعض متطلبات الحفل في مبادرة لامعة، وتحولت بقعتنا النضرة المستكنة لخلية نحل متواثبة ترتيباتها.
انطلق الحفل البهيج بفقراته الشائقة وأبدع الصغار الذين عبروا من خلال عمل درامي قصير متقن عن حاجاتهم ما حشد التصفيق والتجاوب، بجانب خطابي عن اللجنة فتبارى الخيرون، فقد أعلن مثلا القيادي فيصل محمد علي حصوله على دعم 3 جهات للأستاذة فاطمة، الذي سلم لها بالفعل، فيما ابتدر رجل الأعمال الهمام ميسرة إبراهيم عبد الرزاق بمليار جنيه في مشروع بناء الروضة لينهض الأستاذ فوزي يوسف ممثل إدارة التعليم متعهدا بضم الروضة للقطاع الحكومي، مع توفير مقاعد للأطفال، وهكذا انداحت البشائر، كيف لا والبراعم ثروة المستقبل، خاصة أن شخصية الإنسان تتشكل في السنوات الخمس الأولى من عمره ما يجعل رياض الأطفال أهم المراحل وأخطرها!
ختم الحفل الجميل بحلول المساء بمدحة عذبة قدمتها أمهات الخريجين مع ترديد الحضور الكثيف مقاطعها بروعة لا تضاهى، ما يسمو به لسنام تجربة مجتمعية مموسقة ستظل بالأذهان مطبوعة على مدى الأيام، مثل كل الأحداث اللافتة التي عاشتها حلتنا الأثيرة، في طليعتها استقبال نائب رئيس الجمهورية يوما.
هذا النجاح البراق، الذي طبع الاحتفال الزاهي فتح شهيتنا لارتياد برامج جاذبة، للمجتمع نافعة، فيما يمضي بناء دار الروضة متعددة الأغراض قدما بشبابنا الطموح الوثابة ديناميكيتهم.
أفلا نزجي لمن يخدمونا الشكران؟!