تعقيبا على مقال دكتور كمال إدريس- الصحفي الروبوت… يظهر عندما يلتقي الغروب الورقي بفجرٍ رقمي لا يشبه أحدًا

تعقيبا على مقال دكتور كمال إدريس- الصحفي الروبوت… يظهر عندما يلتقي الغروب الورقي بفجرٍ رقمي لا يشبه أحدًا
  • 03 ديسمبر 2025
  • لا توجد تعليقات

محجوب الخليفة

قراءة مقال د. كمال إدريس المنشور بموقع صحيفة مكة وكذلك صحيفة أكشن سبورت ، حول انحسار الصحافة الورقية تكشف حجم التحول الذي يضرب المهنة اليوم، ليس فقط في شكل التقديم، بل في معنى «الصحفي» ذاته. لقد كان تحليله نقطة انطلاق لا بد منها لفهم رحلة السقوط البطيء للورق وصعود المنصات الرقمية التي لا تعرف موسمًا ولا موعدًا ثابتًا للطباعة.
لكن ما نعيشه اليوم يتجاوز مجرد انتقال من ورق إلى شاشة؛ نحن نشهد لحظة تتبدّل فيها هوية الصحافة من جذورها، وتتهيأ لمرحلة قد يقودها الصحفي الروبوت، وليس الإنسان.
الورق لم يعد ملكًا… والرقمي لا ينتظر أحدًا
التحول الجارف نحو الصحافة الرقمية لم يعد ظاهرة محلية أو عابرة. انخفاض أعداد قرّاء الصحف الورقية، وتراجع عائدات الإعلانات، وإغلاق المطبوعات في كل القارات، ليست مجرد أرقام، بل إعلان واضح بأن الورق لم يعد قادرًا على مجاراة عالم يتحرك بسرعة الضوء.
القارئ اليوم لا ينتظر (بايع الجرائد) ولا يجلس تحت شجرة بائعة الشاي ليتصفح العناوين. الخبر صار يُصاغ في خوادم بعيدة، ويصلنا على شكل إشعار قبل أن تكتمل دورة الهواء داخل نافذة السيارة.
لكن… هل الرقمنة تعني سيادة الصحفي أم نهايته؟
     —————-
▪️الجيل الأول من الرقمنة أبقى الصحفي في مركز المشهد: –
كتابة، تحرير، تحليل، وخبرة بشرية لا بديل لها.
لكن الجيل الجديد — الذكاء الاصطناعي التوليدي، الروبوتات التحريرية، أنظمة المراقبة اللحظية للبيانات — لا يكتفي بأن يكون (أداة) للصحفي. بل يزاحمه على مكانه.
▪️روبوتات قادرة على تحليل ملايين الوثائق أسرع من أي فريق تحريري.
▪️خوارزميات تكتب 200 تقريرًا لحظيًا في الدقيقة.
▪️منصات تبني قصة كاملة — نصًا وصوتًا وصورة — دون تدخل يد بشرية.
وهنا يبدأ سؤال المستقبل:-
هل نحن على موعد مع صحافة بلا صحفيين؟
الصحفي الروبوت… ليس خيالًا علميًا
▪️عدد كبير من وكالات الأنباء العالمية أصبح يستخدم أنظمة ذكية لكتابة تقارير الرياضة، الاقتصاد، الطقس، وحتى نشرات الطوارئ.
وهذا مجرد تمهيد.
خلال سنوات قليلة، سيظهر: –
▪️مذيع روبوت ثلاثي الأبعاد بصوت طبيعي ورأس يتفاعل مع الأخبار.
▪️مراسل آلي يعمل على تحليل الخرائط والصور الجوية لحظة بلحظة.
▪️غرفة أخبار رقمية بالكامل، لا ينجزها البشر إلا كـ (مراقبين) للخوارزميات.
هذه ليست مبالغة، بل اتجاه عالمي جارٍ الآن، ومع تقدم الذكاء الاصطناعي التوليدي، سيصبح أكثر شمولاً وشراسة.
وماذا عن الصحفي التقليدي؟
————————
▪️بكل صراحة..الصحفي الذي يكتفي بنقل الخبر أو إعادة كتابته سيختفي.
هذه المهام سيقوم بها الذكاء الاصطناعي بمهارة أعلى وسرعة لا تُقارَن.
لكن سيبقى — وينجو — ذلك الصحفي الذي يعرف كيف:-
1- يسأل الأسئلة التي لا يستطيع الروبوت فهم مقاصدها.
2- يقرأ ما بين السطور، لا داخل البيانات فقط.
3- يُمسك بالعاطفة الإنسانية في القصة.
4-  يفتح أبوابًا موصدة بمهارته، لا بخوارزميات.
الصحفي الحقيقي سينجو فقط إذا تحوّل من «كاتب خبر» إلى:-
صحفي تحقيق، صحفي بيانات، صحفي تحليل عميق، أو صحفي قصصي إنساني.
منصات التواصل في يد الذكاء الاصطناعي… من يبقى على السطح؟
▪️الجيل المقبل من منصات التواصل لن يكون ساحة بشر يتبادلون الأخبار، بل فضاءً تديره خوارزميات تتنبأ باهتماماتك، وتحدد لك جدولًا معلوماتيًا دون أن تدري:-
ما الذي تقرأه
من الذي تتابعه
وحتى كيف تتفاعل
ستكتب الآلات منشورات، وسترد الروبوتات على الروبوتات، وسيصبح الإنسان أقل حضورًا، وأكثر تبعية لما تقترحه الخوارزميات.
▪️وكالات الأنباء… غرف أخبار ذاتية التشغيل
▪️وكالات الأنباء الكبرى ستتحول إلى مصانع أخبار يعمل فيها عدد محدود من البشر، مقابل شبكات من:-
▪️روبوتات كتابة الأخبار
▪️أنظمة تصنيف
▪️مصححات آلية
▪️مولدات فيديو
▪️محررات ذكية
سيصبح الصحفي البشري جزءًا من المنظومة، لا مركزها.
هل هذا هو موت الصحافة أم ولادتها؟
—————————
▪️يمكن للورق أن يموت…ويمكن للمنصات أن تتبدل…ويمكن للروبوت أن يكتب أفضل منا… لكن الشيء الذي لا يستطيع الذكاء الاصطناعي امتلاكه حتى الآن هو:
الروح — ذلك الوهج الخفي الذي يجعل قصة ما تستحق أن تُروى.
الصحفي الذي يفهم هذه الحقيقة لن يخاف من الروبوت. بل سيستخدمه.
وسيكتب القصص التي تعجز الآلة عن إعادة خلقها.
▪️ماكتبه الزميل دكتور كمال إدريس عن تراجع الصحافة الورقية صحيح، بل أصبح من الماضي القريب. لكن الأخطر والأكبر هو المستقبل الذي يلوح أمامنا..
صحافة بلا ورق… وربما بلا بشر ما لم نُعد تعريف الصحافة نفسها.
الصحفي التقليدي سيختفي.
لكن الصحفي الجديد — المزوّد بالذكاء الاصطناعي، لا المهدور بسببه — سيولد.
▪️بين موت الورق وصعود الروبوت…لن يبقى إلا من يعرف أن الصحافة ليست مادة تُنشر، بل روح تسعى للحقيقة مهما تغيّرت أدواتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*