حول تكريم الحاجة هدية!!

حول تكريم الحاجة هدية!!
  • 12 ديسمبر 2017
  • لا توجد تعليقات

سيف الدولة حمدناالله*

كل الذي يعرفه الشعب عن الحاجة هدية محمد زين، والدة الرئيس عمر البشير أنها امرأة طيبة القلب وفي حالها، والرواية الثابتة أن والدة الشهيد مجدي حينما علمت بعزم سلطة “الإنقاذ” على تنفيذ الحكم الجائر بالإعدام على إبنها، ذهبت إليها في منزلها لتستنجِد بها، وخاطبت فيها قلب الأم لتحملها على إثناء إبنها عن تنفيذ حكم الإعدام، وقد شاركتها الحاجة هدية البكاء والنحيب وزرفت معها الدموع، وطمأنت والدة الشهيد على أنها ستفعل ما في وسعها لمنع إزهاق روح فلذة كبدها، وقيل أنها حاولت المستحيل مع إبنها ولكن دون جدوى.

وفي المناسبات النادرة التي ظهرت فيها الحاجة هدية في وسائل الإعلام، كانت تتحدث في تلقائية وبساطة كحال النساء في عمرها دون أن تتحسّب لعواقب الحديث، ففي لقاء صحفي أجري معها بصحيفة “الإهرام اليوم” عدد 27/3/2013 بمناسبة عيد الأم، قالت، والعبارت للحاجة هدية: (مرة دفرت ولدي عمر جوة الاوضة أنا أضرب فيو وأمي كانت ماسكاهو قلتا ليها يمة ماتفكيو لو إتفكا بيعمل فينا مصيبة، لكن أمى فكتو، شال الحديدة أم راسين البكسرو بيها السكر زمان وضربنى فى عضم الشيطان وغاب سبعة يوم فى بيت جدّو إلاّ بعد داك خجل ورجع إعتذر).

ونحن أمّة تعيش في وطن حين يتقدم فيه العمر بالمرأة، يرى فيها كل إنسان أنها أمّه التي ولدته من بطنها، فنحن شعب نُعامل كل إمرأة كبيرة بكل تقدير وإحترام، ونُناديها بـ “يا والدة” دون أن تربطنا بها علاقة، ونُفسِح لها الطريق، ونحمل عنها أغراضها ونُخلي لها مقعد في الجلوس ونقوم معها بكل واجبات الإبن نحو والدته.

من حق أبناء وأحفاد الحاجة هدية أن يقوموا بتكريمها، ومن تكون في عمر الوالدة محل التكريم،غاية ما يُرضي أمومتها هو أن ينحني أبناؤها ليطبعوا قُبلة على رأسِها ومثلها على يديها كما فعل إبنها البكر عمر البشير بحسب ما ظهر في الصور، لا أن يكون ذلك في حفل عام وفي حضور حشد من المُتطفّلين على النحو الذي ظهر في الصور الفوتوغرافية التي إنتشرت بجميع المواقع، وأن يتم نشر المخطوط الذي حمل أسباب تكريمها على الملأ بالنحو الذي حدث، ذلك أن ما دعا لتكريم الحاجة هدية ليس لكونها قد خلّفت أبناء نُجباء أصبحوا مضرباً للمثل كما جاء بالوثيقة المنشورة، فمكانة الأم (أيّ أم) ليست بالمراكز التي يتبأوها أبناؤها، فالأبناء الذين جار بهم الزمن وتعسّرت أمامهم الظروف وأضحوا عطالى بلا عمل أو يشغلون وظائف دُنيا أو يمارسون حِرفاً بسيطة هم أيضاً نبلاء وملوك في نظر أمهاتهم ولا يرضين فيهم لسعة بعوض، كما أن هؤلاء الأبناء يُبادلون أمهاتهم حُباً بحب ويقبلون رؤوسهن مع كل فجرية قبل أن يخرجوا لمصارعة أسباب الرزق.

وبحسب ديباجة التكريم التي خطّها أبناء الحاجة هدية، فهي لم تفعل شيئاً يزيد أو ينقص عمّا تفعله أيّ أم أخرى، فقد جاء بالديباجة أن أبناءها يريدون تكريمها، لأنها، وبحسب تعبير الوثيقة منقولاً نصّاً الذي يقول: “هذه هدية حب وإمتنان من أبنائك وأحفادك لأفضالك علينا فقد أحسنت التربية وسهرت الليالي وغمرتينا بفيض حنانك وتحملتي الصعاب حتى صار أبناؤك وأحفادك يُضرب بهم المثل وتبوأوا أرفع المناصب ودخلوا تاريخ العالم والسودان من أوسع الأبواب ويكفيك فخراً وعِزاً إبنك عمر الذي أحبه الناس في الداخل والخارج”.

الذي يستحِق كلمات هذا الوثيقة هو الرئيس البشير لا والدته، فالمناصب التي يفخر بها الأبناء والأحفاد هي من صنع البشير لا بسبب تنشئة الوالدة، فهو الذي جعل نفسه وأشقاءه من الأكابر، فالذين درسوا مع الرئيس البشير وتخرجوا معه في الكلية الحربية، جميعهم اليوم أرباب معاشات من بينهم من يأتي برزقه وهو يجلس على “دركسون” سيارة أمجاد، ومن بينهم من يجلس بلا عمل على ناصية الشارع، وكثير منهم باعوا بيوتهم وأملاكهم لتوفير ما يلزم لدراسة أبنائهم وبعضهم من أجل العلاج بالخارج.

الرئيس هو الذي كان السبب وراء صيت ومكانة أشقائه (فيما عدا شقيقه “صديق” وهو رجل عُصامي إختار أن يشق طريقه بنفسه ويعمل طبيباً ببريطانيا)، فشقيقه الآخر، اللواء طبيب عبدالله البشير، وللحق، هما صفتان (لواء وطبيب) لا ينطبقان عليه، فهو لم يحمل سلاحاً على كتفه ولم يعلق سماعة على أذنيه منذ أن ترك عمله وعاد من السعودية بعد إستيلاء شقيقه على السلطة، والآخر (محمد حسن) كان يعمل (أفندي) بمكتبة جامعة الامارات بمدينة العين، وكان غاية أمله – مثل كثير من المغتربين – أن يعود لوطنه عن طريق البر بشاحنة “دفّار”، أما الثالث (العباس) فلا أدري ماذا كان يعمل قبل “الإنقاذ”، فالذي حقّق لأبناء الحاجة هدية العز الذي يعيشونه هو شقيقهم الأكبر عمر لا تربيتها ورعايتها لهم.

في كل شارع وكل حارة وكل حي هناك أم مثل الحاجة هدية سهرت في رعاية أبنائها وشملتهم بعطفها وحنانها حتى أكمل أبناؤها دراستهم وتخرجوا في الجامعات والكليات وهم اليوم – بخلاف أبناء وأحفاد الحاجة هدية – يزيّنون جدران منازلهم بتلك الشهادات، ومعظم هؤلاء إنتشروا في الأرض متسكّعين يبحثون عن رزقهم بالعمل في “اليومية” فحصول الشباب على الوظائف من واجبات الدولة لا الأمهات.

لا يستطيع أحد أن يأخذ علينا تناول هذا الموضوع بوصفه شأناً أسرياً خاصاً، ذلك أن أبناء المرحوم حسن أحمد البشير هم الذين إختاروا أن يجعلوا من تكريم والدتهم مناسبة عامة، وتجربة الشعوب التي تحكمها أنظمة شمولية تقول أن كل “الصِيط” الذي يبنيه الحكّام لأنفسهم وأفراد أسرهم سوف يأتي عليه يوم ويذهب مع الريح، فقد أنشأ الرئيس النميري مؤسسة ضخمة “جمعية ودنميري التعاونية” لتخليد إسم موطنه، وأجلس على رأسها شقيقه الوحيد مصطفى، كما وضع صورته الشخصية على العملة، وسُميّت بإسمه مدارس وميادين، وعندما قامت ثورة أبريل، كان أول فعل قام به المتظاهرون الغاضبون هو حرق جمعية ودنميري وساووا مبانيها وما بداخلها مع الأرض، ثم سُحِبت صورته من العملة وأستُبدِل كل إسم يحمل إسم مايو بإسم أبريل.

العقل الذي نصح أبناء المرحوم حسن البشير بإخراج تكريم والدتهم على النحو الذي جرى هو نفس العقل الذي رتّب حفل تكريم الرئيس بواسطة اللاعب الدولي “ميسي” ومن قبل ذلك نظم حفل التكريم الذي إرتدى فيه “البردلوبة” الإثيوبية.

رحم الله أمهاتنا وبارك في عمر الأحياء منهن، ومن بينهن الحاجة هدية محمد زين.

*مستشار قانوني

saifuldawlah@hotmail.com

 

 

التعليقات مغلقة.