لن تسلم الجرّة هذه المرّة !!

لن تسلم الجرّة هذه المرّة !!
  • 10 يناير 2018
  • لا توجد تعليقات

سيف الدولة حمدناالله*

السبب الذي يجعل الجرّة لا تسلم هذه المرة، ليس في كون النظام (نظام الرئيس عمر البشير)  قد رفع سعر رغيفة الخبز الواحدة إلى (1000) جنيه، وقد كان مثل هذا المبلغ يُوازي نصف مُرتّب وكيل وزارة قبل إنقلاب الإنقاذ، ولا بسبب قفز أسعار السلع والخدمات في ليلة واحدة إلى الضعف أو أكثر بسبب تعديل سعر الدولار الجمركي، فقد راهنت الحكومة على أن الشعب يستطيع أن يتدبّر حاله ويتآلَف مع هذه الزيادات بإستنباط وجبات جديدة كالتي فعلها في السابق مثل أكلة “الساوند سيستيم” وهي تتألف من أذني البهيمة، وأخرى يُطلق عليها إسم “صبرك” وهي عبارة عن شوربة من أحشاء الفراريج التي كانت تُلقى في السابق ببراميل القمامة.

وجه الإختلاف هذه المرة، أن الشعب قد وقف بشكلٍ أوضح على حقيقة أن يأكل من فضلات الذين تسبّبوا له في هذا العُسر، فالذين يطلبون من الشعب الصبر على هذه الشدائد ليس من بينهم من يكتوي بلظاها !! هل رأيت (كوز) (  يقصد عضو تنظيم الإخوان المسلمين بحسب الوصف السوداني) عاطلاً أو يمتهن حرفة “صنايعي” أو حلاّق أو سمكري!! هل رأيت كيف يتقافز (الكوز) الواحد بين أكثر من وظيفة بحسب رغبته وهواه، فيترك العمل بالقضاء ثم يلتحق بالخارجية، يمضي الواحد منهم سنتين في العمل مدير بنك ثم يطهق من الوظيفة ويتحول إلى لواء شرطة أو فريق أول بالجيش أو سفير بالخارجية !! هل رأيت أنجالهم يركبون مع أندادهم في العمر المواصلات العامة وينتظرون الحافلات ويتقافزون عليها مثلهم بالشبابيك!!

مصيبة أهل النظام أنهم أغبياء حتى في السرقة، فاللص الحويط هو الذي يأخذ جزء من مال الخزنة المسروقة ويترك الباقي حتى لا يفطن الشخص المسروق لعملية السرقة، كما أن اللص الذي يُجيد مهنته يحرص على عدم لفت الإنتباه إليه بمظاهر الثراء الفاحش والمفاجئ حتى لا يثير على نفسه الشبهة، ولكن هؤلاء نهبوا الخزنة بما فيها ويريدون بيع صندوقها الفارغ للشخص المسروق، فقد تقاسموا فيما بينهم 80 مليار دولار هي حصيلة عائد البترول فأسرفوا في الصرف على ملذّاتهم على النحو الذي تراه العين اليوم، فيبني الواحد منهم البيت ثم يضع على سطحه حوض للسباحة بعد أن كان الواحد منهم يستحِم بـ”جردَل”، وأضحوا أصحاب عِزَب وأطيان وتملّكوا هم وأنجالهم سيارات مثل التي يقتنيها نجوم السينما، فيما تركوا أصحاب المال المسروق يئِنون من الجوع والفقر والعَوَز.

كما أن الشعب قد أدرك بالملاحظة بالنظر أن الذين يطلبون منهم ربط البطون والإكثار من دعاء الفرج، لا يُطيقون الصبر على نقص قطعة “بسبوسة” من طاولة الطعام، فقد رأى الشعب كيف “تداعى” جماعة الحزب ليجمعوا فيما بينهم ما يكفي – حسب زعمهم – لشراء منزل لائق للنائب الأول السابق علي عثمان محمد طه حينما أخلى منزله الحكومي عقب عزله من منصبه، ثم إتضح فيما بعد أن الرجل يمتلك (عِزبة) من عدة فدادين في منطقة سوبا بجنوب الخرطوم تشتمل على مباني وحدائق وأشجار وعلى جنباتها تقف سيارت بمختلف الأنواع، وقد عُرِض كل ذلك في مقابلة تلفزيونية أجراها معه المذيع الطاهر التوم ببرنامج “حال البلد”، وقد ذكر شيخ علي خلال اللقاء ضمن ما ذكر أنه إختار العيش في هذه العِزبة لأنه يُفضّل الهدوء والإسترخاء ولأنه يريد التفرّغ للتأمل وكتابة المذكرات.

ثم، الشعب فطِن أيضاً بالنظر إلى حقيقة أن مُخصصات الوظيفة العامة ليست هي التي تُحقّق رفاهية المسئولين الحكوميين، فأقصى راتب رسمي يقبضه والٍ أو وزير أو ضابط عظيم أو سفير لا يزيد عن 12 ألف جنيه،  فالذي يُفسّر السبب الذي يجعل من يفقد وظيفته من أهل النظام وهو رجل بـ”جلحات” يُجهش مثل زوجة مكلومة بالبكاء ويلطم، هو أن مركزه ووظيفته تُيسّر له الحصول في ساعة زمن على تصديق بقطعة أرض قيمتها نصف مليون دولار تقتطعها له الدولة من أي فسحة عامة أو ميدان في أجعص حي فاخر مثل الرياض والمنشية وكافوري، أو الحصول على مثل هذا المبلغ أو أكثر منه بتأشيرة من قلمه بترسية عطاء أو إسناد مقاولة، وقد جاء زمن كان رئيس القضاء الأسبق “جلال الدين محمد عثمان” يُكرم فيه ضيوفه الأكابر بمنحهم تصديقات بقطع أراضي مميزة يحتفظ بها في درج المكتب، فكل الأثرياء الذين تراهم اليوم يعيشون في أبّهة بالقصور الفاخرة ويهدون أنجالهم البنايات والسيارات بمناسبة الزواج والتخرّج هم ولاة ووزراء وضباط شرطة وجيش وقضاة ووكلاء نيابة ووزراء ووكلاء وموظفين بالمحليات ..إلخ.

لا شئ يؤكد أن النظام قد ضرب “الحيط” وأن الحكومة نفسها لا تعرف كيف يكون المخرج مثل تصريح الوزير أحمد سعد عمر، وهو وأحد من أقطاب المعارضة الذين قالوا أنهم قبلوا المشاركة في السلطة بغرض تحقيق الإصلاح من الداخل، في تصريحه قال  أحمد سعد عمر أنه يطالب دعاة التظاهر للحوار مع الحكومة وتقديم حلول للمشاكل الاقتصادية (صحيفة ألوان عدد 8/1/2018)، والجميع يعلم أن هذا كلام يحمله الريح ولا يُقصد معناه، فالنظام لا يُريد أن يسمع أو يرى ما يعانيه الناس ولا يبحث سوى في السبيل الذي يضمن سلامة عيش أنصاره وتوابعه، كما أن النظام ليس له حُجّة منطقية يرُد بها على السؤال العقلاني: ما الذي أوصل البلاد إلى هذه الحالة من الإنهيار الإقتصادي والأمني والسياسي والإجتماعي وغياب العدالة؟

لأنصار النظام رد واحد ويتيم على هذا السؤال، وهو الذي جاء على لسان شاب بنصف صلعة ظهر في مقطع فيديو إنتشر هذه الأيام بمواقع التواصل الإجتماعي، قال فيه ما معناه أن على الشعب أن يحتمل النظام حتى لا يُصبِح السودان مثل ليبيا وسوريا والصومال.

بيد أن الذي لم يفطن إليه أنصار هذا الرأي هو أن شطر هذا المنطق فيه تسليم بمساواة نظام الإنقاذ بالأنظمة التي أوصلت بلادها إلى هذا المصير، وبكلام آخر، فيه إعتراف بتماثل نظام البشير مع نظام القذافي وبشّار الأسد وسياد برّي، أما عجز هذا المنطق فهو الآخر أعرج وخبيث، ذلك أن شعب السودان لو كان فيه ميل للعنف والإقتتال لما صبر على جماعة تتألف من بضعة آلاف كل هذه السنوات، ومن قبل ظهور المليشيات المسلحة للنظام، فالذي حفظ السودان أو ما تبقّى منه حتى الآن هو أن الذين يميلون إلى العنف وإثارة الفتنة والمكائد هم الذين يجلسون على كراسي السلطة اليوم.

غداً سوف يأتي اليوم الذي يرى فيه الشعب كيف تعود المسيرات المليونية للشارع، وكيف يطالب الذين يكمّمون أفواهنا اليوم ويلقوا بأولادنا وبناتنا في السجون بحرية الصحافة والتعبير وحرية تنظيم التظاهرات وإستقلال القضاء، وكل ما نُنادي به نحن اليوم ويُنكرونه علينا.

*مستشار قانوني

saifuldawlah@hotmail.com

 

 

 

التعليقات مغلقة.