بلا انحناء

 عُذراً رفيقتي أمل هباني (حضرتي ولم تَجديني)!  

 عُذراً رفيقتي أمل هباني (حضرتي ولم تَجديني)!  
أمل هباني
  • 14 فبراير 2018
  • لا توجد تعليقات

فاطمة غزالي*

إليكِ صديقتي وزميلتي أمل هباني، الصحافيّة الجَريئة، المُدافعة الحُقُوقية، نصيرة المرأة.. سلام من الله عليكِ، واسأل الله تعالى أن يفك القيد ويكسر حائط السِّجن، وتنعمين بالحُرية، أنتِ وجميع المُعتقلين والمُعتقلات في زنزانات الطُغَاةِ.. أتمنّى أن تصعد دعواتي وتجد أبواب السماء، مفتوحة للاستجابة قبل أن يجف مداد هذه الرسالة.

عُذراً رفيقتي أمل – الأمل (حضرتي ولم تجديني)، عُذراً مرة أخرى لأَنِّي تأخّرت في الكتابة إليك كثيراً، فاستعصى عليّ تجميع شتات الأحرف، وصرعتني الكلمات كصراع الموج وزبد البحر.. بالحق، والحق أقول فشلت كثيراً في الكتابة إليكِ أيتها الكاتبة العظيمة، عظمة كلمات الحق التي تتدفّق من مداد يراعكِ المُبرّأ من الزيف وتلوين الحقيقة..

ها أنا أحاول استرد قُدرتي على الكتابة إليكِ، ويقيني أنّ الاعتقال لن يزيدكِ إلاّ إصراراً وقُوةً وعَزيمةً، لأنّكِ الإنسانة المَبدأ، فاعتقلوكِ بين السِّجن والسّجّان حينما فشلوا في اعتقالكِ بين أوهامهم الكاذبة وشعاراتهم الزّائفة، فلم يتحمّلوا هتافكِ الثوري وأنتِ تُنادينَ بإنهاء عصر التّخلُّف، تلعنين عهد الفساد، تقاومين تُجّار الدين، وتُطالبين بحق “الغلابة” وتقولين إنّ هذا الوطن مكسور الجناح منذ أن سرقتموه بليلٍ كئيبٍ!!

يا أيتها الأمل، إنّ زنزانات الطُغاة لن تطفئ شُعلة الحماس في نفسكِ الأبيّة، بل فجّرتِ براكين الشجاعة الكامنة في دواخلكِ، وكَيفَ لا؟!! وأنتِ تُبدعين في فُنُون النضال والشجاعة، تُقاومين جُنُود الطُغاة بعباراتكِ القوية، وتُدافعين عن حَقكِ في الاحتجاج السلمي وحُرية التعبير!!

لن تجزعي من السِّجن والسّجّان وأنتِ تُرسلين من زنزانة إلى أُخرى، صامدةً كالطود، تَسخرين من قَهرهم العاجز عن اقتلاع صُمُودكِ، تُقاومين رهق المَحاكم، والاعتقالات والسجون.. فأنتِ أيتها الصديقة الصدوقة تلتقي في ذاتك الرؤية والشجاعة، فأردِّد فيكِ قول المُتنبي:

الرَّأْيُ قَبْلَ شَجَاعَةِ الشُّجْعَانِ *** هُوَ أَوَّلٌ وَهْيَ المَحَلُّ الثانِي

فَإذَا هُمَا اجْتَمَعَا لِنَفْس مِرَّةٍ … بَلَغَتْ مِنَ العَلْيَاءِ كُلَّ مَكَانِ

ومقولة المحامي والدبلوماسي الأميركي أوين دانيال يونغ “نحتاج للرؤية والشجاعة كي نبدع ونحتاج للشجاعة والإيمان لكي نثبت” كأنّما كتبها ليصف لنا شخصية “الكنداكة”.. أمل هباني هنيئاً لكِ أيقونة الحق والشجاعة والإيمان والثبات…

ها أنتِ في العلياء بنضالك المُبرّأ من (الأنا)، رغم أنّك الفريدة بمصداقيتكِ في بلاط صاحبة الجلالة، إلاّ أنّ قلمك الصادق لم يشفع لكِ كيما تُزيّنين الصفحات الأخيرة للصحف السودانية الورقية، حقاً كتاباتكِ الجريئة تُرعب كل الصحف السودانية التي لا تملك إلا الاستجابة للرقابة القبلية  عبر الهواتف أو التوجيهات الأمنية. معلوم أن منسوبي  جهاز الأمن والمخابرات (نائب الفاعل) يحلون محل رؤساء التحرير ليلاً ويمارسون البتر، والإعدام على المواد الصحافية والأعمدة ومقالات الرأي، لأنّهم يخشون من الحقيقة.. أدرك جيداً يا أيتها الأمل أنت وبعض من الزملاء والزميلات – الصحافيين والصحفيات ضحية هذا القمع،  رغم الحصار ومحاولات أبعادك من الصحف الورقية لم تنثنِ يوماً فأنت دائماً الأمل، ولم يأخذ اليأس طريقه إليكِ، بل شرعتِ أبواباً للحقيقة عبر صحيفة “التغيير الإلكترونية”، فهي ملاذٌ أمنٌ لتقاريرك الصحافية والقضايا التي تهابها الصحافة السودانية.. تُحاولين بعزم التوفيق بين مهامكِ الصحافية، ودفاعكِ عن الحُقُوق، ورعاية أسرتك، لم تُمنِ بنضالك ولم تُردِّدِ العبارات المُحتقنة بالسلبية والعارية من الأمل، لم تُقلِ ذات يومِ “طريق التغيير طويل تعبت،”، لم تكن أمل هباني محور تفكيرك، بل الوطن، لم تبحثِ عن بلدِ أمنِ تلجأين إليه، ولم تتخذِ مكاناً قصياً، كما فعلت حينما تركتكِ وحيدة، تحملين في يدك اليمنى حقائب القضية، وفي اليُسرى الأمل في التغيير، وتعودين إلى الوطن، عذراً رفيقتي.. أذكر عباراتكِ جيداً في طرقات بلاد العم سام ونحن نشكو لبعضنا حال الوطن، ولغة اليأس تكاد تخنقني وأنتِ تقولين بتفاؤل “يا فطومة أشعر بأن التغيير سيأتي قريباً”.. فكنتَ أراه هدفاً بعيد المنال بسبب الإحباط الذي أصاب الكثيرين بعد هبة سبتمبر، إلاّ أنّ أمل – الأمل كانت تراه قريباً، مؤمنة، وتتشوّق إليه وقلبها مُكتنزٌ بالإيمان والثبات والشجاعة، وعقلها يُفكِّر بعمقٍ في القادم، وكلما تحدّثنا عن الوطن، لسان حال أمل هباني يقول الوطن يعني لي “الموت من أجل الحق والأرض” كما قال الشاعر محمود درويش.

صديقتي العزيزة.. يقيني إنّكِ تُخبئين دموع الأم الحنون شوقاً إلى ابنيك (عظومي وحفوظي) كما يحلو لكِ مُناداتهما، إلاّ أنّ عظمة الثبات في دواخلكِ تجعلكِ تبتسمين وأنتِ تنثرين دُرر الثبات والحماس بين رفيقاتكِ في المُعتقل كعادتكِ، كأنّي الآن أسمع عباراتكِ، فهي دائماً تطرق طبل الآذان وتبعث روح المُقاومة، تحملين في جوانحكِ ثورية لو وُزِّعت على الناس جميعاً لكفتهم، يا من تعشقين الحقَ والحقُ يعشقكِ.

عذراً رفيقتي.. (حضرتي لم تجديني).. سَلامٌ عليك في كل لحظةٍ..!

الحرية لك ولكل المعتقلين والمعتقلات في زنزانات النظام.

*صحافية بالولايات المتحدة الأميركية

 

 

الوسوم فاطمة-غزالي

التعليقات مغلقة.