ثورة العبور التاريخي .. الإطاحة بالطغاة بعد انتفاضة

ثورة العبور التاريخي .. الإطاحة بالطغاة بعد انتفاضة
  • 10 فبراير 2019
  • لا توجد تعليقات

الصادق المهدي

الانتفاضات الشعبية التي تطيح بالطغاة سنة ابتدرها الشعب السوداني قبل أكثر من نصف قرن، واتبعتها أقاليمنا العربية والأفريقية، فتكررت في تونس وفي مصر وبلاد أخرى تحت عنوان الربيع العربي.
هذه الثورات لها دوافع موضوعية وعوامل ذاتية، وعاب لأغلبها الخلو من مركز قيادي وبرامج لبناء البديل المنشود، ما أتاح فرصة للدولة العميقة لاستنساخ نفسها أو التصدي لها بالعنف ما أدى لتحولها لحروب أهلية مدعومة بتدخلات أجنبية. هذه أهم الدروس المستفادة من تجارب الربيع.
منذ 1989م السودان يحكمه نظام انقلابي ذو طبيعة فاشستية. النظم الفاشستية تتخندق في أدلجة وتمكين هيكلي واقتصادي ومحورية خارجية لذلك يستعصى اقتلاعها كما شهد السودان عبر أكثر من ست هبات مضت.  لذلك فإن النظم الفاشستية لا يقتلها إلا إخفاقات جسيمة في أدائها ما يثير ضدها الشعب بحماسة غير عادية وإجماع شامل أو تدخل أجنبي.
الثورة الحالية في السودان هي قيمة تراكم صاعد ما أدى لحركة ثورية مجتمعية ألهبت حماسة الشباب وحركت كل قطاعات المجتمع السياسية والمدنية والمطلبية. ذلك أن النظام رفع يده عن التنمية والخدمات، وركز على الصرف الأمني للتمكين وحماية الكرسي، فعم الفقر، وارتفعت البطالة خصوصاً وسط الشباب. وبالرغم من الإحباط وانسداد الأفق نما الوعي المجتمعي وسط الشباب، واندفعوا في منظمات العمل الطوعي يعالجون ويغيثون ويطعمون. وعندما دقت ساعة الثورة انبرى لها الشباب بوعي كبير أدهش الجميع ببسالته، وبتمسكه بالسلمية في وجه وحشية الأجهزة الأمنية المفرطة. لقد عمت الثورة المجتمع بأكمله، وأصبحت مزاجاً سيطر على الأجيال.
لقد لعبت المساجد دوراً كبيراً في بث النفس الثوري، وفي فضع ممارسات الأجهزة القمعية، رغم التضييق والملاحقات، والضرب الذي طال بعض أئمة المساجد، كما ساهم المهجريون بجعل مقدر في مساندة الثورة.

النظام نفسه نتيجة لإخفاقاته تخلى عن ممسكاته المعهودة، وصار أكثر اعتماداً على قوى مسلحة خالية من أية أدلجة واستغاثة برافع أجنبي هش.
هذه التركيبة بطبيعتها ضعيفة ومن شأنها أن تطلق صراعاً بين مراكز قوى داخل النظام.
هذه الهشاشة فرصة تاريخية لقوى التغيير للإقدام على قيادة تغيير أوسع من أنموذج الربيع بل للعبور نحو مرحلة تاريخية جديدة أهم معالمها:
حكم ديمقراطي يحقق المشاركة والمساءلة والشفافية وسيادة حكم القانون ويلتزم بتوازن مطلوب بين المركزية والجهوية وكفالة التآخي الثقافي، كما يلتزم بالمجايلة وتمثيل القوى الجديدة الفاعلة في التغيير.
نظام اقتصادي يحقق هدفي التنمية والعدالة الاجتماعية.
علاقات دولية تلتزم بالتوازن بين انتماءات السودان الجيوسياسية وإلزام العلاقة الدولية بالمصلحة الوطنية القومية بعيداً عن المحاور والعداوات والتبعية.
هذه الأسس يلتزم بها مركز لقيادة هذا العبور التاريخي يلتزم بوحدة الهدف المبدئية وبوحدة الصف القيادي.
هذا يحقق عبوراً تاريخياً تتطلبه المرحلة لكل أقاليمنا الجيوسياسية المأزومة والمفتقرة لأنموذج قدوة لكي تعبر من مستنقع التخلف عن مثلها العليا وعن لب التاريخ.
ربما حاول النظام السوداني إجهاض هذه الثورة بحركة بونابارتية أي انقلاب داخلي أو بإستيلاء أحد مراكز القوة فيه على ولاية الأمر. هذه المحاولات اليائسة لن تجهضها بل تعجل بنجاحها.
ما يجهضها هو:
• تخلفها عن وضوح رؤية البديل التاريخي المنشود.
• تخلفها عن وحدة صفها.
• التخلي عن سلمية الثورة بأية صورة تستخدم العنف.
• تدخلات أجنبية بدافع ثورة مضادة.
على قوى ثورة العبور التاريخي إدراك رسالتها المصيرية وأداء واجبها في العبور قياماً بدور الشعب السوداني  التاريخي المصيري الرائد، النصر آتٍ بمشيئة الله وعزيمة الشعب.



التعليقات مغلقة.