الاتفاق السياسي لإنشاء هياكل ومؤسسات الحكم في الفترة الانتقالية: خواطر عجلى

الاتفاق السياسي لإنشاء هياكل ومؤسسات الحكم في الفترة الانتقالية: خواطر عجلى
  • 19 يوليو 2019
  • لا توجد تعليقات

د. عبدالرحمن الغالي

1) لاشك أن الثورة الشعبية السلمية هي ما أحدث التغيير السياسي الحالي وليس العمل المسلح ولا الحوار السياسي. وهذا لا ينفي ولا ينبغي له أن ينفي أن الثورة السلمية نفسها نتيجة نضال تراكمي لم يخمد أواره منذ فجر الثلاثين من يونيو 1989.

2) وقعت قوى إعلان الحرية والتغيير اتفاقاً مع المجلس العسكري بعنوان (الاتفاق السياسي لإنشاء هياكل ومؤسسات الحكم في الفترة الانتقالية) أثار لغطاً من بعض فصائل قوى اعلان الحرية والتغيير.

3) جاءت ديباجة الاتفاق ممتازة أمَنت على كل مطالب وأهداف الثورة المجيدة.

4) بغض النظر عن المسائل الاجرائية يبدو لي أن محاكمة الاتفاق تتطلب النظر الموضوعي في الآتي:
أ‌- عند محاكمة الاتفاق يجب النظر الى موضوع الاتفاق نفسه والقضايا المثارة فيه. فمن الاسم فإن قضايا الاتفاق كانت تتعلق بهياكل ومؤسسات الحكم في الفترة الانتقالية، أي أن الاتفاق ليس حول كل القضايا الوطنية التي احيل الكثير منها للإعلان الدستوري المزمع نقاشه في جولات اخرى.
ب‌- عند محاكمة الاتفاق يجب التساؤل عن الآتي:
هل تنازل المفاوض عن القضايا الجوهرية وأهمها:

• التحول الديمقراطي ومدنية الدولة.

• مبدأ تحقيق السلام الشامل العادل.

• مبدأ العدالة عامة والعدالة الانتقالية على وجه الخصوص.

من الواضح أن كل هذه القضايا مضمنة في الاتفاق وما لم يضمن تفصيلا تم ارجاؤه للإعلان الدستوري وليس التنازل عنه. من اهم ما تم ارجاؤه: صلاحيات مجلسي السيادة والوزراء ونسبة تكوين المجلس التشريعي.
ج- عند محاكمة الاتفاق يجب النظر إلى أن المنطق البديهي هو أن التفاوض لا يعني فرض شروط الإذعان ولا اعتقد أن ذلك كان غائبا عن الأحزاب التي كانت مشتركة في التفاوض ولا عن الحركات التي قبلت بالتفاوض مع المجلس العسكري (مثلما عملت حركة تحرير السودان – مناوي، وحركة العدل والمساواة، في تشاد في أواخر يونيو المنصرم على سبيل المثال، حينما وقعت إتفاقاً مع نائب رئيس المجلس العسكري).
فهناك توازن قوى معين يتفق الناس او يختلفون في تقدير قوة كفتيه: فقوى الحرية والتغيير معها إرادة الشعب وعدالة القضية وقوة الموقف الأخلاقي من جهة في مواجهة سلاح المجلس العسكري وسيطرته على الدولة وأجهزتها ومواردها الاقتصادية والاعلامية… الخ، ودعم النظام البائد وأذياله، ودعم دول مهمة. في ظل هذه الحسابات يجب محاكمة الاتفاق.

5) قضية السلام:
لم يغفل الاتفاق قضية السلام على عكس الادعاء:

• فأول بند من بنود مهام المرحلة الانتقالية كان هو تحقيق السلام بمعالجة جذور المشكلة بالتشاور مع كافة الحركات المسلحة. وكان البند الثاني في مهام المرحلة الانتقالية تخصيص الأشهر الستة الاولى لعملية السلام.

• كما تم النص على عقد المؤتمر الدستوري في مهام الفترة الانتقالية وهو الذي سينبثق منه الدستور الذي يمكن ن يُضمن فيه كل اتفاقيات السلام.

• التسلسل المنطقي في قضية السلام هو أن يتم تحقيق الانتقال الديمقراطي للدولة المدنية لتباشر عملية السلام لا أن تُعكس الاولويات.

  • فهل تريد الحركات التفاوض حول السلام مع المجلس العسكري قبل تحقيق مدنية وديمقراطية الدولة؟
  • هل من الأفضل أن تفاوض الحركات جسماً به نصراء وشركاء مقتنعون بالقضية التي حملت من أجلها السلاح أم مفاوضة خصم أو على الأقل جهة لا تتحمس ولم تتحمس لقضية السلام؟
    وبغض النظر عن الاجابة على الاسئلة أعلاه فإن الحقيقة التالية أثبتتها تجربة السودان وتجارب العالم من حولنا وهي انه لن يتحقق سلام في ظل نظام غير ديمقراطي للأسباب الآتية:
    • اذا كان غياب المشاركة السياسية احد اسباب النزاع فان الأنظمة العسكرية لا تسمح بالمشاركة الحقيقية.
    • اذا كان سوء إدارة التنوع الثقافي والاثني أحد أسباب النزاع الحالي فإن حسن إدارة التنوع الثقافي لا تتم الا في نظام ديمقراطي يعترف بالآخر وبحقه.
    • إذا كان غياب اللامركزية وحقوق المجموعات المختلفة في إدارة شأنها وأقاليمها هي احد أسباب النزاع، فإن اللامركزية لن تتحقق الا في نظام ديمقراطي يقبل تفويض الصلاحيات للأقاليم.
    • واذا كان أحد ضمانات اتفاقيات السلام هو تضمينها في الدستور فإن الدستور عند الانظمة العسكرية لا يساوى ثمن الحبر الذي يكتب به.

خلاصة القول لم أر سبباً لإقحام قضية السلام في النقد للاتفاق حول هياكل السلطة الانتقالية رغم تضمينها بصورة واضحة.

بقي أن أقول أن هناك نقطة مهمة في الاتفاق لا اتفق معها ولا ادري كيف يمكن تداركها وهي اسناد أمر اصلاح الأجهزة العسكرية للعسكريين وهذا خطأ من ناحيتين على الاقل:
الاولى أن اصلاح المؤسسات العسكرية هو شأن قومي وله طبيعة سياسية تتعلق بإصلاح خلل التمكين الحزبي وفصل المعارضين…الخ. فلا يمكن أن يوكل أمر اصلاحها لمن هم على رأسها حيث أن بعضهم هو جزء من سياسة التمكين البائدة اللهم إلا اذا كان القصد من العسكريين عامة من هم بالخدمة وخارجها وحتى مع ذلك فقضية الاصلاح قضية قومية عامة تخص صلاحيات وعقيدة وتركيبة القوات المسلحة الخ.
والناحية الثانية ان ايكال الاصلاح للمؤسسة العسكرية يعنى أن العسكريين يعملون خارج أُطر مؤسسات الدولة. فإلى من ترفع لجنة اصلاح القوات المسلحة تقريرها وتوصياتها للتنفيذ هل لقيادة القوات المسلحة أم لوزير الدفاع الذي هو جزء من مجلس الوزراء؟

توصيات:
• يجب التركيز والتأكيد على وحدة قوى الحرية والتغيير ووحدة كل القوى الديمقراطية وتحصين الثورة وسد مداخل قوى الردة والثورة المضادة.

• يجب البعد عن اللغة القديمة لغة التخوين والارهاب الفكري وتحميل الاتفاق أوزار أخطاء السياسة السودانية كلها لا سيما وأن للمنتقدين إذا انفتح باب المراشقات بيوتاً من زجاج.

• يجب التركيز على الاعلان الدستوري والضغط الجماعي من أجل تحقيق أهداف الثورة من خلاله، لا سيما وأنه أهم من اتفاق هياكل الحكم الانتقالية.

• ولابد من التذكير ان طريق تحقيق اهداف الثورة طويل والمصاعب كبيرة والأعداء كثر ولا يمكن أن تتحقق تلك الاهداف بضربة واحدة.

نسأل الله أن يتم نعمته ويحقق لبلادنا وشعبنا الحرية والأمن والاستقرار والرفاه وأن يرحم الشهداء ويربط على قلوب ذويهم، ويشفي الجرحى ويحفظ بلادنا وشبابها وشاباتها وجميع اهلها بحفظه وعنايته ورعايته.

التعليقات مغلقة.